رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: مسلسل "العميل" وأزمتي مع المسلسلات المعربة
هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
قبل 30 عاماً، لمع نجم الفنان السوري القدير أيمن زيدان في مسلسل "نهاية رجل شجاع"، وقدم بعده أدواراً لا تنسى في "الجوارح"، و"أخوة التراب"، و"أيام الغضب" وغيرها. اليوم، وبعد عقود ثلاثة، يعود زيدان بدور "ملحم" في مسلسل "العميل"، وهو مسلسل معرب عن مسلسل تركي.
هذه هي التجربة الأولى لزيدان في المسلسلات المعربة، ويشارك فيها إلى جانبه كل من يارا صبري، وسامر اسماعيل، ووسام فارس، وأيمن رضا، وفادي صبيح وغيرهم. وباعتقادي، وبرغم محدودية الأدوار التي تقدم في هذا النوع من المسلسلات، إلا أن أيمن زيدان يقنعك، ويذكرك أنه بطل لا ينسى من هذا الزمان.
وجدت في مسلسل "العميل" مستوى أفضل من ناحية القصة، والشخصيات مقارنة بمسلسلات معربة أخرى، والتي كان فيها الاستعراض، والأحداث غير المقنعة هي الأساس. مسلسلات كانت تحبس المشاهد في فقاعة تجعله يعتقد أن هذا هو الواقع، وأن فكرة اللازمان، واللامكان، تأخذه إلى حيز جديد ومختلف، يهرب فيه من واقعه اليومي الصعب.
في "العميل"، تغيرت المعايير قليلًا. فرأينا في المشاهد الأولى تكريماً لضباط من أفراد الجيش اللبناني، وكان واضحاً من خلال العلم الذي يرفرف فوق رؤوس الجالسين. كانت الإشارة المكانية والجغرافية واضحة أيضاً من خلال "أم أمير"، التي تقدمها القديرة يارا صبري، وذكرت، أنها وبعد سجن زوجها، انتقلت إلى سوريا لتربي ابنها، ومن ثم عادت إلى لبنان (لا نفهم الظروف التي عادت من خلالها إلى لبنان; هل هي الحرب أم أسباب أخرى، ولكن لا بأس، هذه تفصيلة صغيرة قد نتطرق لها لاحقاً).
إذاً، لبنان موجود، وسوريا أيضا موجودة، وبالتالي، وجود شخصيات تتحدث أياً من اللهجتين هو أمر منطقي، بخلاف مسلسلات أخرى، كنت دائما أتساءل فيها عن منطقية وجود اللهجتين من دون أدنى إشارة إلى أسباب الانتقال بين البلدين.
لن نستطيع التعقيب على قصة المسلسل، فهي مقتبسة عن مسلسل تركي، وبالتالي قد تكون أحداث الحكاية مناسبة أكثر لواقعهم، وليس واقعنا، ولكن هذه هي ضريبة التعريب: أن تشاهد واقعاً لا يشبهك بنجوم يشبهوننا.
ولكن هناك عدة نقاط في المسلسل، من المهم الحديث عنها، الأولى هي الموسيقى فيه. أذكر أن جزءاً من مشاهدتي لأي عمل درامي عربي هو التعرف إلى المؤلف الموسيقي في المسلسل. كنت أجلس أمام التلفزيون أتابع تتر المسلسل كاملاً، حتى أتعرف إلى صاحب الموسيقى التي سترافق الأحداث التي أنا على وشك أن أشاهدها. من طارق الناصر، إلى وليد الهشيم، إلى سمير كويفاتي، كلها أسماء لا تنسى لمؤلفين برعوا في أن يجعلوا اللحن جزءاً لا يتجزأ من الحكاية، حتى أنني وإن أغمضت عيني، كنت أعرف المسلسل من موسيقاه، بدءاً من نهاية رجل شجاع، وانتهاء بباب الحارة.
في "العميل" وغيره من المسلسلات المعربة، الأمر مختلف. فالموسيقى المستخدمة فيه، والتي أحب أن أسميها بـ"موسيقى المصاعد"، تجعل من كل الأعمال واحدة وتشبه بعضها البعض. هذه هي "الفورما" المطلوبة والمتفق عليها، ويجب الالتزام بها. لا بأس!
النقطة الأخرى هي مشاهد المسلسل وارتباط العناصر المختلفة فيه. وهنا سأضرب مثلاً من الحلقات الأولى للمسلسل حين ذهبت "أم أمير" للقاء "ملحم" في مطعمه، ودار بينهما جدال طويل. "أم أمير" كانت تصرخ وتهدد، وملحم يقف في وسط مطعمه يستمع إليها بكل هدوء. أما حولهم، يستمر الجالسون في تناول طعامهم بكل هدوء، من دون أي محاولة للنظر إلى مصدر الصراخ والصوت العالي، وكأنهم يجلسون في موقع منفصل تماماً. وكأن ما يحدث هو رمزية لانفصال ما يقال عن واقعنا نحن، بينما ما يجب أن يحدث في الحقيقة هو التفاتات، أو همسات، أو خروج البعض من المكان في مثل هذا الظرف.
بالنسبة لي، كانت المسلسلات دائما جزءاً من طريقة التعلم والتعرف إلى التاريخ والشعوب الأخرى. أتساءل اليوم مع هذا الكم الكبير من المسلسلات المعربة، كيف سنتعلم، ومن أين سنستقي معلوماتنا؟ أفكر في الأجيال القادمة التي قد تشاهد هذا المسلسل، وما يمكن أن تتعلمه عن واقع بلد كلبنان في هذه الفترة؟ إذ يبدو من الواضح أن الجميع يعيش حياة عادية، لا أزمات أو منغصات فيها، وبالتالي، انتزع المسلسل البلد من واقعه الصعب، وقدمه بواقع وردي غير حقيقي.
لنعد التأكيد على أن "العميل" أفضل بكثير من أي عمل آخر، ولكن لندرك أيضا أننا بحاجة إلى تقديم ما يليق بواقعنا وقصصنا، لأن الظروف أثبتت أن هويتنا ومعرفتنا بأنفسنا تبقى جوهر قوتنا، والمسلسلات والأفلام خير سبيل لذلك.
المسلسل بصورة عامة حاز على إعجاب الكثيرين، فمن بين بعض من أصدقائي، هناك من أثنى على جمع يارا صبري وأيمن زيدان في عمل واحد، وهناك من وجد فيه فرصة للاستراحة من أعمال شبيهة بـ "ستيليتو" و"الخائن" وغيرها، لكن، يجب أن نعي أيضا أن أي مسلسل هو عبارة عن قصة وممثلين وروح. في "العميل" قصة وممثلون ولكن تبقى الروح مفقودة.