حايد حايد بذكرى حرب سوريا: ما بعد داعش قد يكون أخطر دون خطة واضحة بالغرب
مقال لحايد حايد ، الباحث والكاتب السوري المتخصص في قضايا الأمن وحل النزاعات والزميل في مركز "تشاتام هاوس" للأبحاث ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يديره المركز. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
(CNN) -- بعد مرور ستة أعوام على الحرب الأهلية السورية يبدو السلام سرابا أبعد من أي وقت مضى. الصراع في بلادي حصد أرواح قرابة 400 ألف شخص وهجّر الملايين، ولم تظهر حتى الآن إشارات إلى خمود نيرانه.
زعم أي طرف تحقيق الانتصار في الصراع لن يكون سوى تطور سيتضح لاحقا أنه مجرد مزاعم نسبية. سوريا في مرحلة ما بعد الحرب ستبقى متشظية، ومن المحتمل أن تنتعش الحركات المتطرفة وتتطور، كما أن حالة عدم الاستقرار ستستمر، ومعها تتواصل الهجرة.
هناك افتراض عام أن التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يحقق نجاحات كبيرة في القضاء على التنظيم. ويدعم ذلك الافتراض الخسائر الكبيرة التي تعرض لها التنظيم وفقد معها أراض شاسعة كانت تخضع لسيطرته.
لقد فقد تنظيم داعش مؤخرا العديد من المناطق المهمة في سوريا، بينما باتت عاصمته المفترضة في مدينة الرقة تحت حصار قاس. هذه الخسائر في الانتشار الجغرافي تمثل ضربة قوية للتنظيم الإرهاب عسكريا وماليا، ولكنها لم تتحقق إلا بتكلفة باهظة تتمثل بزيادة التوترات المحلية والإقليمية.
التركيز القصير الأمد على الاستراتيجيات المضادة لداعش قد أدت إلى تعزيز التعاون بين أمريكا والقوات التي يقودها الأكراد في سوريا، وهي قوات يرى الكثيرون في الغرب أنها الوحيد القادرة على تنفيذ عمليات فعالة ضد التنظيم. الدعم الغربي هذا أدى إلى تقوية تلك القوات ودفعها لتأسيس منطقة كردية محكومة ذاتيا داخل سوريا وهي توسّع نطاق سيطرتها باتجاه المزيد من المناطق التي تعيش فيها غالبية عربية.
النفوذ الكردي المتزايد، إلى جانب الانتهاكات التي أبلغ البعض عنها والتي يقال إن جماعات كردية ارتكبتها ضد تجمعات سكانية عربية أدت إلى تزايد التوترات العرقية بين الجانبين. في عام 2015 قام أكراد في سوريا بإرغام سكان بعض المنازل على إخلائها والنزوح عنها من خلال تدميرها، وقالت منظمة العفو الدولية آنذاك أنها سجلت في بعض الحالات عمليات إحراق وتدمير لقرى كاملة.
النفوذ الكردي في شمال سوريا أدى أيضا إلى استفزاز تركيا، والتي تعتبر تلك الجماعات الكردية تنظيمات إرهابية على صلة بحزب العمال الكردستاني وهي بالتالي تراها خطرا أمنيا شديدا عليها. وتسبب ذلك بتعزيز التعاون بين تركيا وجماعات من المعارضة السورية في أغسطس/آب الماضي لإطلاق عملية تدخل عسكري في سوريا من أجل مواجهة داعش واحتواء القوة المتصاعدة للأكراد.
الولايات المتحدة، وعوضا عن معالجة حالات التوتر هذه، عمدت إلى بعث إشارات متضاربة تهدف إلى إرضاء جميع الأطراف وحشد كل القوى بمواجعة داعش، وما حصل في منبج هو أكبر دليل على تلك السياسة. الولايات المتحدة دعمت الهجوم الكردي للسيطرة على منبج في أغسطس/آب الماضي، ولكنها عادت أيضا لطمأنة الأتراك بأن الأكراد لن يتولوا بأنفسهم إدارة المدينة بعد طرد داعش منها.
إن فشل أمريكا أو عدم رغبتها في تنفيذ هذه الضمانات في منبج أدت إلى سلسلة من الصدامات بيت القوات الكردية والتركية، المدعومة بتنظيمات الثورة السورية المتحالفة معها، ودفع ذلك القوات الكردية مؤخرا إلى تسليم قرى المواجهة مباشرة إلى الجيش السوري الحكومي بهدف خلق منطقة عازلة مع القوات التركية. ونشرت أمريكا وروسيا أيضا قواتهما في منبج بمحاولة لمنع اصطدام القوات.
هذه المناورة الميدانية حالت دون وقوع مواجهة عسكرية شاملة بين مجموعات الثوار السوريين وتركيا والأكراد، ولكنها بالمقابل جعلت الوضع القائم أكثر خطورة. وجود العديد من الأعداء المحشورين في منطقة صغيرة دون وجود استراتيجية واضحة لمعالجة التوترات التي قد تنشب بينهم يجعل الوضع القائم أشبه بقنبلة موقوتة.
إن غياب الاستراتيجيات الواضحة للحكومات الغربية حيال الوضع في سوريا خلال السنوات الست الماضية ساهم بشكل كبير في تزايد وتصاعد قوة التنظيمات المتطرفة، وفقا لورقة بحثية نشرها مركز تشاتام هاوس مؤخرا. الورقة تشير إلى أن الغرب تجاهل العوامل المتفاقمة اجتماعيا واقتصادية وجغرافيا وسياسيا وعسكريا، والتي تدفع الناس إلى دعم الجماعات المسلحة أو الانضمام إليها.
الفشل في التعامل مع جذور تلك المشكلة أو انعدام الرغبة في معالجتها سمح لهذه الجماعات باستخدام تلك العوامل أداة لتجنيد عناصر جديدة. تنظيم داعش بدولة تمكن من الاستفادة من الفوضى والانقسامات المحلية لضمان بقائه.
القتال المستمر، والذي تقوده الأمم الغربية ضد داعش، لن يكون له نتائج إيجابية إلا إذا امتلك استراتيجية واضحة ومتكاملة لمعالجة جذور المشاكل التي تسمح بظهور تلك الجماعات. إن الاستجابة للاحتياجات وعوامل القلق المحلية ستزيد من فرص الحصول على دعم السكان بمواجهة داعش وإلحاق الهزيمة بالتنظيم. يجب أيضا التعامل مع أسباب التوتر بين الأكراد والعرب من أجل بناء تحالف حقيقي قائم على المبادئ المشتركة والحقوق المتساوية.
هناك حاجة أيضا لإطلاق مبادرات من أجل دعم الحوار بين الجماعات الكردية من جهة، وبين الأكراد والعرب من جهة أخرى، وكذلك بين حزب العمال الكردستاني وتركيا. دون امتلاك مقاربات جديدة على هذه الجبهات الثلاث فإن السياسات الرامية لحل النزاع في سوريا لن تنجح على الأمد الطويل.
إن غياب استراتيجية واضحة لفترة ما بعد داعش في سوريا سيزيد من وتيرة وإمكانية حصول صدامات عسكرية بين اللاعبين المختلفين والجماعات المتصارعة للفوز بمناطق النفوذ.
الهزيمة الحتمية المرتقبة لداعش تهدد بتحويل التوترات والانقسامات الحالية إلى صراع مفتوح على خطوط مواجهة جديدة. بالمقابل، فإن المستفيد الوحيد من هذه السيناريوهات لن يكون سوى داعش، أو أي جماعة متطرفة أخرى.
- تركيا
- سوريا
- الأكراد
- الثورة السورية
- الجيش السوري
- الجيش السوري الحر
- الحرب السورية
- الحكومة السورية
- الكيماوي السوري
- بشار الأسد
- رأي