رأي: السلطان أردوغان وليلة إعلان وفاة الديمقراطية في تركيا
مقال رأي لفريدا غيتس، كاتبة في الشؤون العالمية لمجلة The Miami Herald and World Politics، وصحفية سابقة في CNN. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
لندن، بريطانيا (CNN) -- الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن الانتصار في الاستفتاء الخاص بالتعديلات الدستورية التي من المنتظر أن تجعله أكثر قوة وتسمح له بالبقاء في السلطة لسنوات عديدة مقبلة. نتيجة التصويت، التي تشكك المعارضة في صحتها، تعد بجعل تركيا أقل ديمقراطية وأكثر انقساما، كما أنها تجعلها دولة أكثر دينية من أي وقت مضى.
لم يكن مفاجئا على الإطلاق أنه عندما بدأ عدد الأصوات المعارضة للتعديل الدستوري بالتصاعد في عمليات الفرز بشكل يهدد الأغلبية الضئيلة التي كان مؤيدو التعديل يحظون بها تدخلت السلطات المسؤولة عن عمليات الاقتراع لإعلان نيتها السماح باحتساب الأرقام في الصناديق غير المختومة وضمها إلى النتائج بشكل يخالف القواعد القانونية المطبقة.
الفترة التحضيرية للاستفتاء كانت قد أعطت المعسكر المؤيد للتعديلات دفعة كبيرة جاءت على شكل تغطية إعلامية قوية، أما رافضو التعديلات فقد كانوا بمواجهة تهديدات مع إمكانية خسارتهم لوظائفهم بحال عبروا بشكل علني عن آرائهم.
والآن، ومع اتضاح أن حصيلة التصويت لصالح التعديل لم تتجاوز 51 في المائة مقابل معارضة 49 في المائة من الناخبين، يقول معارضون إن عملية فرز الأصوات وجمعها شابتها أيضا مخالفات وتزوير، متعهدين بتحدي نتائجها. ومع كل ما سبق لا يبدو أن الرئيس التركي قد حقق على الإطلاق "فوزه التاريخي" الذي لن يسمح له بتحويل البلاد التي قادها منذ عام 2013 بشكل جذري فحسب، بل سيتيح له البقاء في السلطة حتى عام 2029.
أردوغان، وهو زعيم يتمتع بالكاريزما ويؤمن بالتحكم الشعوبي المتسلط مع برنامج عمل يغلب عليه الطابع الإسلامي، بات محور الانقسام في البلاد، والاستفتاء على تعديل الدستور الذي نظّمه سيجعل ذلك الانقسام أكثر حدة وإثارة للشقاق.
مع دعم يزيد بالكاد عن نصف السكان في البلاد لمنحه المزيد من القوة، إلى جانب معارضة المدن الثلاث الكبرى في البلاد، إسطنبول وأنقرة وأزمير، لذلك القرار، سيتسلم أردوغان صلاحياته الجديدة وسط غمامة من الشك، وهذا الغموض سيجعل من أردوغان أكثر تسلطا.
أردوغان لم يكن رئيسا توافقيا، بالعكس، لقد شاب حكمه الإيغال في تعزيز الانقسامات الطائفية والاجتماعية والأيديولوجية، وقد رد على التحديات، حتى السلمية منها، عبر "سحق معارضيه" والاستفادة من كل فرصة متاحة من أجل تعزيز قوته.
الصلاحيات الجديدة التي سينالها أردوغان بموجب التعديلات الدستورية غير مسبوقة، فالمواد الـ18 التي صوّت الشعب عليها ستحوّل النظام التركي تدريجيا من برلماني إلى رئاسي. الرئيس التركي كان تقليديا شخصية مستقلة عن الأحزاب وليس لديه الكثير من الصلاحيات، ولكن تحت ظل أردوغان، ومع التعديلات الجديدة، سيتحول المنصب الشرفي إلى منصب تنفيذي.
أردوغان الذي لم يسبق له أن خسر أي انتخابات، سيواصل دوره كزعيم لحزب العدالة والتنمية الذي أسسه واستخدمه للوصول إلى السلطة في رحلته الطويلة من لاعب كرة قدم إلى أقوى رجل تشهده السياسة التركية منذ قرابة قرن. أردوغان يسيطر عبر حزبه على البرلمان، والصلاحيات التنفيذية باتت أيضا في يده، وقريبا مع سيطرته المتوقعة على القضاء سيتبدد مبدأ المحاسبة.
سيكون هناك انتخابات جديدة عام 2019، ومنصب رئيس الوزراء سيُلغى وسيكون بوسع الرئيس تعيين 12 من أصل 15 قاضيا في المحكمة العليا واختيار أعضاء مجلس الأمن القومي ولعب دور أساسي في صياغة القوانين. منتقدو أردوغان يقولون إن الرجل سيتحول إلى ديكتاتور فعلي.
محاولة الانقلاب الفاشلة صيف 2016 كانت مفيدة لأردوغان لدرجة أن الكثيرين مازالوا يتساءلون ما إذا كان هو بنفسه من فبركها. بعد ساعات على استعادته السلطة من بين يدي منفذي تلك المحاولة شن أردوغان حملة واسعة النطاق ولا هوادة فيها أفضت إلى سجن عشرات الآلاف من الأتراك وإقالة مئات الآلاف من وظائفهم في الجيش والجامعات والمحاكم. لقد فشل الانقلاب، ولكن الديمقراطية الحقيقية ماتت من بعده.
لفترة طويلة قبل الانقلاب كانت نزعات أردوغان المعارضة للديمقراطية ظاهرة بوضوح، فتركيا منذ سنوات تتصدر قائمة الدول التي تعتقل الصحفيين، وهذا كان مجرد مؤشر إلى أن الديمقراطية الليبرالية والتعددية ليست ما يستهوي أردوغان فعلا.
ومع أن معظم الشعب التركي مازال يأمل بأن يرى تركيا تقترب أكثر فأكثر إلى النموذج الليبرالي الغربي لتنضم لاحقا إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن أردوغان يواصل إطلاق شعاراته القومية المعادية للغرب، هذه الشعارات إلى جانب شخص الرئيس الذي يطلقها تحظيان بشعبية واسعة لدى نصف السكان تقريبا في المناطق التركية النائية التي تعيش فيها شرائح محافظة.
إلا أن النصف الآخر من المجتمع، أي شريحة سكان المدن الأتراك، إلى جانب المجموعات الأخرى التي مازالت تعتنق مبادئ العلمانية لكمال أتاتورك، تبدو أيديولوجية أردوغان المدفوعة دينيا عصية على التقبل.
أردوغان مازال مصرا على تحدي التيارات الكمالية بسياسة تمزج بين القومية والدين. قصره الرئاسي الجديد المكوّن من مئات الغرف بات رمزا جديدا يستدل خصومه عبره على نيته التحول إلى سلطان جديد يعيد أيام مجد السلطنة العثمانية التي كان فيها رجل واحد فقط يمتلك كل القوى ويحكم البلاد التي تقوم العالم الإسلامي.
ما ينتظر الشعب التركي المنقسم هو المزيد من التركيز الأردوغاني في الفترة المقبلة. الرئيس سيحاول الأن الحصول على ما يلزمه من الصلاحيات للسير قدما في خطته لتحجيم العلمانية وتشديد قبضة حكمه. وبالنسية للذين يريدون من تركيا مواصلة السير في طريق الديمقراطية وحكم القانون والاستقلال القضائي وحرية التعبير والمساواة للجميع سيكون أمامهم الكثير من المصاعب.