عبدالخالق عبدالله يكتب لـCNN: يكفي انشغالاً بالموضوع القطري
هذا المقال بقلم د. عبدالخالق عبدالله، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره ولا تعكس بالضورة رأي شبكة CNN.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كان الموضوع القطري هو الشغل الشاغل في كل اللقاءات والحوارات الخليجية الرسمية لأكثر من 60 يوماً. وكان خبر مقاطعة قطر الخبر الأول في الصحف الخليجية، وتصدرت نشرات الأخبار في جميع الفضائيات والقنوات في المنطقة على مدى الشهرين الماضيين. العواصم الخليجية والعربية والعالمية كانت منشغلة ولازالت منشغلة بالموضوع القطري الذي استقطب أيضاً اهتماما شعبياً خليجياً وعربياً واسعاً بلغ حد الإنهاك والتشبع السياسي والنفسي.
الدول المقاطعة لقطر موقفها واضح، ويتمثل باتهامها بدعم وتمويل الإرهاب والتحريض على استقرار المنطقة. بالمقابل تصر الدوحة على عدم التراجع عن سياساتها متذرعة باعتبارات السيادة. وعلى الرغم من التشبع والانشغال والانهماك في الموضوع القطري على مدى الشهرين الماضيين، لازالت الخصومة السياسية مستمرة، والتعبئة الإعلامية في أعلى المستويات ودخلت في حلقة مفرغة من الهجوم والهجوم الإعلامي المضاد، والتهمة السياسية المضادة بين أشقاء في البيت الخليجي الواحد الذي يبدو منقسما اليوم أكثر من أي وقت آخر.
لذلك ومع دخول الموضوع القطري شهره الثالث أصبح لسان حال الجميع، حكومات وشعوب، ربما حان الوقت للقول كفاية انشغالا وانهماكا بالموضوع القطري والخلاف الخليجي. فعلى الدول التي قررت مقاطعة قطر أن تدير ظهرها للدوحة. وعلى الدوحة أن تدرك أنها لا تستطيع الاستمرار طويلاً في المكابرة والخروج على قواعد وأسس البيت الخليجي الذي هي جزء لا يتجزأ منه. لدى قطر أولويات داخلية، ولدى السعودية والإمارات ومصر والبحرين انشغالات أكثر أهمية من الانشغال الكلي بالموضوع القطري، الذي ربما زاد عن حده وحان وقت تجاوزه.
لقد أكدت قطر خلال الشهرين الماضيين أنها ترفض المطالب الـ13 رفضاً قاطعاً، ما يعني أنها ستعيش بوضعية ونفسية الدولة المُقاطَعَة، وهي تدرك أن العزلة السياسية مهما استمرت لن تغير حكومات ولن تغير سياسات. اختارت قطر التخندق الذي يعني أن الدوحة ستكون في حالة دفاع وليس في حالة هجوم، وفي حالة انكماش وليس في حالة تمدد إقليمي ومنشغلة بمصيرها ومستقبلها وترتيب بيتها الداخلي لمواجهة ما تسميه بالحصار الذي لم يكن يخطر على بال قيادتها التي كانت تقرر في يوم من الأيام مصير ومستقبل دول صغيرة وكبيرة في المنطقة العربية.
في المقابل كان أمام دول المقاطعة مليون وسيلة ووسيلة لتصعيد إجراءات المقاطعة الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية، ومضاعفة الضغط على قطر لوقف دعمها وتمويلها واحتضانها لأفراد وجماعات إرهابية وفق قائمة الدول المقاطعة. لكن بدلا من فرض المزيد من العقوبات، قررت هذه الدول في اجتماع المنامة الأخير، الأخذ بخيار عدم التصعيد، لاعتبارات إنسانية أولاً ولاعتبارات دولية ونصائح من قوى كبرى لديها مصالح حيوية في الخليج العربي.
لم تكن المقاطعة بدون ثمن للدول التي قررت المقاطعة. فبقدر ما انكفأت الدوحة إلى الداخل، وجدت الرياض والقاهرة وأبوظبي والمنامة نفسها منهمكة في الموضع القطري بأكثر مما كانت تتوقع، وتشتت تركيزها السياسي والدبلوماسي بعيداً عن ملفات وقضايا إقليمية ساخنة أخرى. كذلك تفاجأت هذه العواصم بالموقف الأمريكي الملتبس، والموقف الأوروبي المتردد. علاوة على ذلك انشغلت هذه الدول خلال الشهرين الماضين بخوض معركة إعلامية شرسة مع منصات إعلامية قطرية بما في ذلك الجزيرة أكثر تلك المنصات ضراوة. كما وجدت هذه العواصم نفسها في خضم معركة كبرى لكسب الرأي العام العالمي، حيث أظهر آخر استطلاع للرأي أجري هذا الأسبوع في أمريكا أن 71% من الجمهور الأمريكي متابع للموضوع القطري و67% منهم يتفهم أن المقاطعة هي بسبب دعم قطر للإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول في المنطقة.
كذلك اصطدم الوسيط الكويتي بتعقيدات الموضوع القطري. الوسيط الكويتي هو الوسيط الوحيد المطلع على ملف الموضوع القطري القديم والجديد بكامل التفاصيل، ولديه خبرة ومصداقية أكثر من أي وسيط من خارج البيت الخليجي، كما يتمتع الوسيط الكويتي بدعم قوى إقليمية ودولية لها مصالح حيوية في المنطقة، ويمكن أن تكون طرفاً ضامناً في أي حل مستقبلي للموضوع القطري.
لكن في ظل رفض قطر لما تسميه بالإملاءات، وعدم تراجع السعودية ومصر والإمارات والبحرين عن المطالب التي تعتقد أنها مطالب محقه ومنسجمة مع ما تعهدت به قطر في اتفاق الرياض 2014، هناك فسحة لتخفيف حدة الاحتقان السياسي والإعلامي والنفسي في المشهد السياسي الخليجي. وأول خطوة في سياق تخفيف التوتر هو الاتفاق على فترة من الصمت الإعلامي ووقف فوري للحملات الإعلامية التي انحدرت لهاوية غير مسبوقة من الفجور في الخصومة بمشاركة صحف وقنوات رسمية، ومواقع التواصل الاجتماعي وبدفع قوي من شخصيات خليجية رسمية ناطقة باسم حكوماتها. وقف الشحن الإعلامي اليومي هو أول وأهم خطوة وربما كان شرطا من شروط عودة الوسيط الكويتي للقيام بدوره.
بموازاة تخفيف جرعة الاحتقان الإعلامي يمكن للدول المقاطعة أن تتقدم بمبادرة تسمح بحرية انتقال الإفراد وإعادة الوضع على ما كان عليه قبل 5 يونيو. السماح لانتقال الأفراد لا يعني التراجع بل هو بادرة إنسانية كريمة وضرورية لإعادة اللحمة الخليجية والتأكيد على الانسجام الاجتماعي الخليجي الذي هو مكسب شعبي تراكم على مدى 37 سنة من المسيرة التعاونية الخليجية. ربما كان لقرار منع انتقال الأفراد ضرورات أمنية، لكن العودة عن هذا القرار يعني تجاوز مرحلة الشك والدخول في مرحلة الاطمئنان تجاه الشعوب الخليجية المسالمة.
كما يمكن أيضا أن تعلن قطر انتهاء مرحلة التمارين العسكرية مع تركيا، وتقرر مع حكومة أردوغان البدء في مغادرة القوات التركية الأراضي القطرية في خطوة سياسية تصالحية هدفها تخفيف مخاوف العواصم الخليجية تجاه الأطماع التركية في الخليج العربي. لقد انحازت تركيا لقطر وأقحمت نفسها في الخلاف الخليجي وأججت الموضوع القطري وتسببت في أقلمته بعد أن كان الخلاف خليجي-خليجي.
كلما استمر الموضوع القطري زادت فرص أقلمته بل وتدويله، فالخليج العربي منطقة استراتيجية تستقطب الاهتمام الخارجي القريب والبعيد بأجنداته تختلف عن الأجندة الخليجية. وربما كانت الولايات المتحدة أهم طرف دولي معني بالموضوع القطري ويمكن أن تكون تدخلاته سلبية وإيجابية ويرغب في ترتيب البيت الخليجي وفق رؤيته ومصالحه. فالكونغرس الأمريكي متحفز ويهدد عبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي تقديم تشريع جديد لوقف مبيعات السلاح لدول الخليج، كما تهدد لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بفتح ملفات علاقة جميع دول الخليج بالإرهاب.
من المهم بعد خصومة استمرت لأكثر من شهرين أن يبقى الموضوع القطري ضمن البيت الخليجي، ومن مصلحة دول مجلس التعاون إيجاد أرضية للحوار سريعاً، ومن المهم تفعيل دور الوسيط الكويتي حالاً، وأخيراً من الضروري عودة اللحمة الخليجية وتحقيق الحد الأدنى من الوفاق والتوافق الخليجي الذي كان حتى وقت نموذجاً فريداً وملهماً في المنطقة العربية.
- أمريكا
- الإمارات
- السعودية
- قطر
- مصر
- الأزمة القطرية الخليجية
- الحكومة القطرية
- دول الخليج
- قضايا أمنية في السعودية
- محاكمة الإخوان في الإمارات