جمال عيد لـCNN: نظام السيسي دفع "أعز أصدقائه" لتجميد جزء من المعونة
القاهرة، مصر(CNN)-- اعتبر الناشط الحقوقي المصري، جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن وضع حقوق الإنسان في مصر حاليا هو الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، مما جعلها تتنافس مع كوريا الشمالية وتركيا وسوريا والسعودية وأوزباكستان، بحسب ما قاله لـCNN بالعربية.
وأضاف جمال عيد أن قرار الإدارة الأمريكية بتجميد جزء من المعونة لمصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وضع النظام المصري في موقف صعب للغاية، لأن القرار جاء ممن كان يعتبره النظام المصري أعز أصدقائه، في إشارة إلى التقارب بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظام الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وكان هذا نص الحوار:
كيف ترى قرار الإدارة الأمريكية الأخير بتجميد جزء من المعونة بسبب حقوق الإنسان؟
أراه طبيعيا ومنطقيا ورسالة للرئيس السيسي ونظامه بألا يتصور أن الإدارة الأمريكية والولايات المتحدة مختزلة في شخص الرئيس دونالد ترامب، الذي يعتبره صديقه، لكنها دولة مؤسسات، وممارسات نظام السيسي لم تؤد إلى اقتطاع جزء من المعونة وتجميد جزء آخر فقط، لكن وضعهم في موقف صعب. والآن هل سيواصل النظام المصري الاعتداء على القانون والدستور والحريات ما سيؤدي إلى خسارة مزيد من الأموال وكسب مزيد من الغضب سواء داخليا أو خارجيا، أم سيرضخ؟ وإذا رضخ هل سيعتبر ذلك الرضوخ سيئ في حقه لأن الناس وقتها سيفسرون ذلك بأنه حرص على المعونة الأمريكية؟ أم ينتبهوا إلى أن المهم في الرسالة الأمريكية هو أن هناك شعب يُعتدى على حرياته وحقوقه وعداء للمجتمع المدني الذي هو ليس عدوا للدولة المصرية، ولكنه يسد نقصا ويحاول إصلاح ممارساته؟
ما هو الصعب في قطع جزء من المعونة الأمريكية وتجميد جزء آخر؟
قطع جزء من المعونة الأمريكية ليس هو الأمر الصعب في حد ذاته بالنسبة للنظام المصري، لكن الصعب يتمثل في الموقف الذي وضع نفسه فيه، لأن النظام المصري دفع أعز أصدقائه لإيصال هذه الرسالة، وما بعد الرسالة هو الأخطر، وهو هل سيواصل النظام المصري قمعه، أم سيحسن ملف حقوق الإنسان ولا يهتم باتهامهم بأن ذلك نتيجة ضغوط أمريكية؟ نحن نحتاج لاحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون لأن المصريين يستحقون ذلك ودفعوا ثمن ذلك بالدماء التي سالت في الشوارع، وليس حرصا على الـ195 مليون دولار المعلقة.
البعض يرى أن القرار الأمريكي يُعد تدخلا في الشؤون الداخلية لمصر، فما رأيك؟
لا أعتقد أن ذلك تدخل في الشؤون الداخلية للدولة المصرية، وإذا اعتبرنا أن قرار الإدارة الأمريكية تدخل في الشؤون المصرية قيراط، فالسعودية تتدخل 24 قيراط وكذلك الإمارات، ومصر للأسف أصبحت ملعبا لمن يملك أموالا، القرار الأمريكي ليس تدخلا، فالعالم لم يعد معزولا بهذا الشكل.
تعتبر القرار الأمريكي الأخير تغييرا في العلاقات المصرية – الأمريكية؟
لا أعتقد ذلك، فالإدارة الأمريكية الحالية ليس لها مصداقية بالنسبة لنا، نحن لا نثق في الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لكننا نثق في المجتمع الأمريكي والإعلام المستقل، وأمريكا لديها مؤسسات تدافع عن دافعي الضرائب ممثلة في المجتمع المدني والإعلام، وعندما يأتي القرار ممن كانوا يعتبرونهم أصدقاء لدرجة أن البعض قال بعد نجاح ترامب إن أمريكا لن تتحدث مرة أخرى عن حقوق الانسان، فهذا يعني أن هناك كارثة بمصر.
هل تتوقع أن يتم رفع قرار تجميد المعونة الأمريكية قريبا؟
لدي تقدير إنه لن يتحسن وضع حقوق الإنسان في مصر، وبالتالي فلن يرفع قرار التجميد للمعونة، وأرجو أن يكون تقديري خطأ.
هل يؤثر قرار الإدارة الأمريكية على محاولة البعض لتعديل الدستور المصري؟
المشكلة الرئيسية في مصر إننا لا نجد عقلا سياسيا لفهم المنطق، مصر بها أجنحة متصارعة لا تتحد إلا حينما تقمع الحريات، ولا نستطيع توقع ما سيحدث لأننا لا نتحدث عن عقلية واحدة، بالتالي كل شيء محتمل في الأيام المقبلة.
أين موقع مصر في ملف حقوق الإنسان؟
أعمل في مجال حقوق الإنسان منذ 27 عاما، والوضع الحالي هو الأسوأ على الإطلاق في تاريخ مصر الحديث، نتحدث عن توسع هائل في بناء السجون، حيث تم بناء 19 سجنا منذ عام 2011، منهم 16 سجنا
في عهد عبدالفتاح السيسي، وسجن 51 صحفيا، وحالات حبس احتياطي امتدت لـ 4 سنوات على ذمة قضايا، ومن يدفع يتم التصالح معه، هذه مجرد أمثلة، نحن نتحدث عن وضع فعله معمر القذافي بعد 30 عاما من حكمه لليبيا، وليس بعد ثلاث سنوات فقط من الحكم، فنحن الآن أقرب لحكم القذافي دون أموال ونفط ليبيا.
هل هناك تصنيفا لمصر في مجال حقوق الإنسان؟
مصر ثالث أسوء دولة في العالم على مستوى حرية الصحافة مع الصين وتركيا، ولكن بالنسبة والتناسب فمصر هي الأسوأ، على مستوى النظام التعليمي، مصر خارج التصنيف تماما. بالنسبة للسجناء السياسيين فمصر بها ما يقرب من 60 ألف سجين سياسي، منهم حوالي 12 ألف سجين محبوسين حبسا احتياطيا، وهناك شبه انهيار لمنظومة العدالة، هذه الأرقام توضح الحقيقة، يمكننا أن نضع مصر مع كوريا الشمالية وأوزباكستان وسوريا والسعودية.
لكن يوجد تيار في مصر يقلل من أهمية ملف حقوق الإنسان، هل هذا تيارا كبيرا؟
يبدو أن هذا التيار كبير في مصر على اعتبار أنه لا يوجد في مصر سوى إعلام الصوت الواحد الذي يسمى إعلام الدرجة الثانية والثالثة، فلم يعد هناك إعلام نزيه ولا مستقل ولا مهني، والإعلام الموجود الآن هو من يقلل من ملف حقوق الإنسان، والإعلام الحقيقي الذي يعبر عن وجهة نظر الناس، هو إعلام التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، الذي يبلغ عدد مستخدميه في مصر 55 مليون مواطن، والغالبية العظمى منه غاضبة وساخرة ومنتقده للإداء الحكومي دون توجيه، ومن خلاله تتعرف على وجهة نظر الرأي العام، وهو الذي يدفع بالخوف من أي انتخابات نزيهة، وبمقارنة الوضع الآن بالوضع في 2013، سنرى أن هناك تغييرات كبيرة تشعر النظام بالذعر الآن، رغم أن إعلام "السوشيال ميديا" به مؤيدين للحكومة.
هل تتوقع أن يتم تعديل قانون الجمعيات الأهلية الذي صدر قبل شهور قليلة؟
وارد والضغوط موجودة منذ فترة، ووزيرة التضامن الاجتماعي أعلنت من قبل أنها لا تعرف شيئا عن القانون الذي صدر، والقانون كان بمثابة الفضيحة، وزارة التضامن الاجتماعي قدمت قانونا سيئا لمجلس النواب ورغم ذلك تم تجاهله، ثم صدر القانون بعد أن وعد الرئيس المصري نظيره الأمريكي بعدم صدور القانون بعد عودته من السعودية مباشرة دون علم الوزارة المختصة، فهذا القانون فضيحة ومساحة رفضه واسعه جدا وغير قاصرة على الجمعيات والحقوقيين، وهو قانون لقتل المجتمع المدني وتحويله لمكاتب إدارية، فهل سيستجيب النظام لكل ذلك؟ هذا يتوقف عليه.
هل يوجد دور لمجلس النواب في تراجع مستوى ملف حقوق الإنسان في مصر؟
للأسف مجلس النواب ممثل في لجنة حقوق الإنسان بالإضافة إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان يتحملون العبء الأكبر في هذا التراجع، لأنهم لا يكتفوا بالتواطؤ ولكن بتجميل صورة نظام بوليسي وأحيانا بالتحريض على انتهاك حقوق الإنسان وسيادة القانون وعليهم العبء الأكبر بما لهم من ثقل.
لماذا توضع منظمات حقول الإنسان بمصر في دائرة الشبهات؟
المنظمات المستقلة هي التي توضع في دائرة الشبهات، وغالبية المنظمات مرضي عنهم، والإعلام الرسمي هو من يردد ذلك، وأنا ممن يشهر بهم ويتعرضون للمنع من السفر والتحفظ على الأموال، والتحسن الذي طرأ على منظمات حقوق الإنسان بعد ثورة يناير 2011، تم التراجع عنه بعد 3 يوليو 2013 بدرجة كبيرة.
ألا ترى أنه يمكن التجاوز عن حقوق الإنسان في مقابل محاربة الإرهاب؟
لا أحد يرحب بالإرهاب، لكن رفع شعار محاربة الإرهاب لا يعني الحرب على الإرهاب، أول سلاح للحرب على الإهاب هو أن تكسب المجتمع حتى يتحول لمحاربة مجتمعية، وليس السلاح الحربي والبوليسي والتغاضي عن الفساد وإهدار العدالة والقبض العشوائي واستخدام العصا البوليسية تحت مسمى الحرب على الإرهاب، ففي الشهور الأخيرة يتم توجيه تهم للشباب المدنيين والعلمانيين بممارسة عنف، والغضب يدفع فئات عديدة للارتماء في أحضان العنف، لأن كل الطرق مغلقة أمامهم، وهناك فساد وقبض عشوائي وتنكيل وتعذيب وإلقاء هؤلاء الشباب بالسجون في أحضان الإرهابيين، كما أن ما يسمى بالحرب على الإهاب تطيح بمدن ومدنيين كما يحدث في سيناء، الحرب على الإرهاب في أساسها احترام العدالة والقانون ومكافحة الفساد.