سعد الجبري يكتب: هذا سجل إيران المثير للنعرات الطائفية في المنطقة.. ويكاد صبر السعودية ينفد
هذا المقال بقلم سعد الجبري، الذي شغل سابقاً منصب وزير دولة في المملكة العربية السعودية، وعضو المجلس الدولي في مركز "بيلفر" للعلوم والشؤون الدولية. الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
تنظر القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية إلى استمرار إيران في زعزعة استقرار المنطقة من خلال التحريض على الطائفية والدعم الخفي للإرهاب كعبث لا يمكن السكوت عليه. وقد أبدى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استعداداً غير مسبوق للتعامل مع هذه القضية بحزم من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي.
ولطالما كانت السعودية وإيران جارتين تنعمان بحسن الجوار، ولكن الأمور تتغير. فقبل الثورة الإيرانية، كانت ألاعيب المنافسة السياسية الإقليمية محكومة بإطار التنافس الواقعي وليس الأيديولوجية الطائفية والإرهاب. وفي 1979، تغيرت قواعد اللعبة من طرف واحد عندما اجتاحت الثورة إيران وفرض الخميني عقيدة ولاية الفقيه الأصولية المتطرفة. ومن خلال عقيدته تلك، تمكن الخميني من اختطاف واستغلال المذهب الشيعي المسالم منهياً بذلك قروناً من التفاهم والتقاليد الراسخة. ورغم نجاحها داخل إيران، إلا أن أفكاره عانت من أجل الحصول على قبول في الدوائر الدينية الشيعية العربية التي نظرت إلى تلك الأفكار كأدوات سياسية لتأمين مكانته الإقليمية.
أحدثت الثورة الخمينية هزّات ترددت أصداؤها عبر المنطقة حتى لدى الجماعات السنية المتطرفة. وتم ذلك عبر سلسلة من الأحداث المتتابعة، فقد وصل الخميني إلى طهران في الأول من فبراير/ شباط 1979، وفِي الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني هاجم أتباعه السفارة الأمريكية محتجزين 52 دبلوماسياً أمريكياً لمدة 444 يوماً. كانت هذه الحادثة سبباً في تطرف الثورة ومثالاً أتقنه تنظيم القاعدة لاحقاً وأسماه إدارة التوحش!
وبعد هذه الحادثة بأسبوعين، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، تمكنت جماعة جهيمان الإرهابية من احتلال المسجد الحرام في مكة. كان هذا أول حدثٍ إرهابيٍّ تشهده المملكة العربية السعودية مخلِّفاً المئات من الضحايا. ومع ذلك، لم تكن هذه سوى بداية العاصفة الإيرانية التي خلفت الكثير من التداعيات السلبية على المنطقة في العقود اللاحقة.
أصبح "تصدير الثورة" نداء من ألهمهم نجاح الثورة في إيران وساءهم فشلها إقليمياً وعالميا. وصارت المطالبة بشن هجمات خارجية على أعدائهم (لإحياء أمجاد تاريخية خيالية) وسيلة لصرف النظر عن مشاكل إيران السياسية والاقتصادية الداخلية. إذ نذرت طهران نفسها لهزيمة الشيطان الأكبر (الولايات المتحدة الأمريكية) وحليفتها الإقليمية (المملكة العربية السعودية) في حرب غايتها الهيمنة الإقليمية وهدفها الاستراتيجي السيطرة على مكة والمدينة. وعلى غرار القاعدة وداعش، أيقن الخميني بأن أي مشروع لأي خلافة إسلامية، شيعية كانت أم سنية، سيبدو فارغاً دون الحرمين الشريفين. وتحقيقاً لهذه الغاية، اتبع الخميني استراتيجيتين متداخلتين. الأولى هي نشر التطرف في الأقليات الشيعية المسالمة في جميع أنحاء المنطقة وتنمية مليشيات إرهابية موالية تعمل على تدمير الهويات الوطنية. والثانية هي تكريس الجهود لضرب شرعية "الوهابيين" في المملكة العربية السعودية، وتحديداً العائلة المالكة التي حكمت شبه الجزيرة العربية لما يقارب 300 عام. وفِي تشويه مقصود وغير اعتيادي، سعت طهران لتصوير المملكة العربية السعودية كدولة غير إسلامية في الأوساط الشيعية لكي تصبح المملكة عدوهم الأول في حين تعمل آلتها الدعائية على إظهار المملكة كدولة غير سنية بما فيه الكفاية، وذلك في أوساط السنه.
وإثباتا للواقع، شاركت إيران الرغبة في الهيمنة على الحرمين الشريفين منظمات إرهابية سنية. وسعى هذا الثنائي سوياًّ لتقويض استقرار المنطقة بأكملها. انطلاقا من مجزرة بيروت عام 1983 التي قُتِل فيها 241 أمريكياً و58 فرنسياً في هجمات انتحارية، إلى تفجير الخبر عام 1996 الذي قتل فيه 19 أمريكياً، مع استمرار عبث الجماعات المدعومة من إيران الثورة ووكلائها الإرهابيين. وحتى الحج لم يكن في مأمن من إشعال التوتر الطائفي والتحريض على العنف. وفِي حين استمرت القاعدة في تنفيذ أجندتها في أماكن متفرقة، تفرغ وكلاء إيران لتخليص الشرق الأوسط من شيطانهم المزعوم. وذلك في أجندات متداخلة، ولم يكن مفاجئاً حينها أن تكون إيران ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة في أعقاب هجمات 9/11، إضافة إلى تدريب وتمويل بعض عناصر طالبان، وغض الطرف عن عبث تنظيم داعش في سوريا مع محاربته في العراق. لم تقف إيران عند ذلك الحد بل سخرت مقدراتها لتبني الإرهاب عالميا من محاولة اغتيال السفير السعودي في أمريكا 2011 إلى نشاطها الممتد في جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا وأمريكا الجنوبية. وفِي الشرق الأوسط أصبح ظاهراً للعيان تدخل إيران التخريبي في سوريا ولبنان والبحرين واليمن والمنطقة الشرقية من السعودية. وفِي الغالب فإن هذه التدخلات تعتمد على خليط غير متجانس من الجماعات الشيعية المضللة والسنية المستغلة، وأيدولوجية متطرفة تدين بالولاء الديني لإيران وشبكاتها الإرهابية.
ومع استمرار التحريض والعدوان الإيراني، يبدو أن صبر السعودية الاستراتيجي بعد 35 سنة قد أوشك على النفاد، وأن السكوت على عبث إيران لم يعد أمراً مقبولاً على الإطلاق. ولأن المسؤولية الأولى لأي حكومة هي حماية سيادتها وسلامة مواطنيها فإن القيادة السعودية الجديدة لها كامل الحق في مجابهة نفوذ إيران التخريبي. ولهذا فإن دعم السعودية لحكومات اليمن والبحرين الشرعية شاهد واضح على هذا الالتزام. فبدون هذه القرارات الصعبة، لربما قادت تدخلات إيران بعض دول المنطقة إلى الانهيار الدائم. وكما قال ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان: "الحوار يكون مهماً عندما يكون مصحوباً بحقائق على أرض الواقع". لذلك فإن الألاعيب الإيرانية التي ستقود المنطقة إلى حافة الهاوية لا بد أن تنتهي.
ومن خلال ما ظهر في الإعلام، فإن ولي العهد السعودي على استعداد لمواجهة التحدي الإيراني إن لزم الأمر. ولذلك فهو لم يستبعد أي خيار في التصدي لهذا التحدي. ورغم أن مبادئ السياسة الخارجية السعودية ملتزمة بالقيم التي قامت عليها الدولة السعودية، إلا أن الأمير محمد بن سلمان أظهر استعداداً غير مسبوق للإمساك بزمام الاستقرار الإقليمي وتقزيم نفوذ إيران. إن القيادة السعودية الجديدة تدعو العالم بأسره لنبذ إيران حتى تصحح مسارها، والوقوف مع المملكة في مواجهة هذا الواقع. وككل السعوديين، فإن الأمير محمد بن سلمان يأمل بالأفضل مع الاستعداد الأكمل للتعامل مع أسوأ الاحتمالات. وقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يحذو حذوه.