خالد الشايع لـCNN عن مجمع الملك سلمان للحديث النبوي: وسطية تقطع الطريق على مستغلي الدين
هذا المقال بقلم خالد الشايع، المستشار الشرعي والباحث في السُّنة وسيرة النبي محمد ويعكس وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة توجهات شبكة CNN.
الرياض، المملكة العربية السعودية (CNN) -- شهد يوم الثلاثاء الماضي إضافة عالمية كريمة في خدمة الإسلام ورعاية مصدريه العظيمين: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. انطلاقاً من مهبط الوحي ومنبع الرسالة النبوية حيث المملكة العربية السعودية. كان ذلك بالأمر الصادر عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتأسيس "مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف."
وقد جاءت حيثيات الأمر الملكي الكريم وما بُني عليه لتؤكد المبادئ الراسخة للدولة، كما في نظامها الأساسي للحكم، وكما هو مطبق في واقعها، فدستور هذه المملكة العربية السعودية هو القرآن والسنة النبوية، ومنهما استمداد الحكم، وعنهما تنافح الدولة وتخدمهما، وإليهما تدعو.
ويُلحظ في الأمر الكريم تأكيده على تشرُّف المملكة باستمرار نهجها في تعظيم وخدمة القرآن والسُّنة الغراء ، وهذا أمر لا تخطئه العين في سيرة ملوك المملكة، بدءاً من المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وأبناؤه الملوك من بعده: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله، وها هو الملك سلمان يتابع المسيرة المباركة في إدارة الدولة والرعاية لمصالحها العليا وخدمة الإسلام. الذي تعددت مبادراته الكريمة نحو السيرة النبوية وصاحبها عليه الصلاة والسلام ، ومنها دعمه لمشروع الأطلس التاريخي للسيرة النبوية. ولذا توجهت الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل العالمية للاعتراف بهذا السبق وأعلنت عن تقديرها للملك سلمان بمنحه جائزة خدمة الإسلام.
ومن الواضح شدة الاهتمام بهذا المجمع من لدن خادم الحرمين الشريفين تبعاً لاهتمامه بخدمة الإسلام ومصادره ، ولذلك نصَّ أمره الكريم على أن يُعيَّن رئيسُ مجلسه العلمي وأعضاؤه بأمر ملكي، وهذه أرفع المراتب في الدولة.
ويأتي تأسيس هذا المجمع مكملاً لشرف المملكة بخدمة الوحيين، فقد تبنت المملكة احتضان المصحف الشريف للعناية به ونشره ونشر ترجمات معانيه في العالم بالمجان ، ضمن أكبر مجمع من نوعه، وهو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة ، وجاء مجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف ليسد ثغرة مهمة طال انتظارها للعناية المتكاملة والمتخصصة بأحاديث نبي الهدى محمد.
ومن أجل تكامل الخدمة لهذا الأصل العظيم في شريعة الإسلام فإن الأمر الملكي الكريم يؤكد على قيام المجمع بخدمة السنة النبوية الغراء خدمةً متخصصة وموضوعيةً دقيقةً عبر أربعة محور مهمة هي: الجمع والتصنيف والتحقيق والدراسة للحديث النبوي الشريف وعلومه. والمتخصصون في السنة النبوية يدركون عمق وتخصص هذه المحاور الأربعة لتحقيق التكامل في خدمة الحديث النبوي الشريف.
وينتظر أن يسهم هذا المجمع في تعريف العالم بما حوته سنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم من الرحمة والسماحة والوسطية، كما قال الله في وصفه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء/107] .
وفي التفاتة كريمة إلى عالمية هذا المجمع تواكباً مع عالمية الشريعة الإسلامية ومصادرها: فقد نصَّ الأمر الملكي الكريم على أن يكون للمجمع مجلسٌ علميٌّ يضم صفوةً من علماء الحديث الشريف في العالم. والمتخصصون يدركون أن العالم الإسلامي يزخر بثلة كريمة من علماء الحديث، فجاء هذا المجمع ليحتضنهم فيثمر علمهم وعملُهم مع زملائهم ضمن منهجية مؤسسية تقوم على التشاور والتكامل.
ويأتي الأمر الملكي الكريم بتأسيس المجمع في وقت أحوج ما يكون فيه الناس إلى مثله، بعد الثورة المعلوماتية وتطور أساليب التواصل ، بما يدعو لاستثمار إمكانياتها في نشر الأحاديث الصحيحة ، وقطع الطريق على ما صاحبها من سلبيات في تداول الأحاديث الضعيفة والمكذوبة. وتأسيس هذا المجمع وما سيضطلع به من رسالة هي نوع من التعزير والتعظيم لله ولكتابه ولرسوله. كما يوضحه ما رواه تميم الداري رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " الدين النصيحة " ثلاثاً ، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم .
قال العلامة ابن رجب رحمه الله في شرحه: وأما النصيحة للرسولِ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته: فالعناية بطلب سُنته ، والبحث عن أخلاقه وآدابه ، وتعظيم أمره ، ولزوم القيام به ، وشدَّة الغضب والإعراض عمَّن تديَّن بخلاف سنته ، والغضب على من ضيعها لأثرة دنيا ، وإنْ كان متديناً بها ، وحبّ مَنْ كان منه بسبيلٍ من قرابة أو صِهرٍ أو هِجرةٍ أو نُصرةٍ أو صحبة ساعة.
وإنا لنرجو الله الكريم لقيادتنا ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده مزيد الشرف بخدمة الإسلام والقرآن والسُّنة، وأن يعينهما على كل ما فيه الخير والبر والتقوى.