ضحايا من النساء العربيات باعتداءت الأسيد.. و"أمنيتي" يعطيهن الأمل

نشر
11 دقيقة قراءة
تقرير سارة حسن
CNN
CNN
CNN
CNN
CNN
CNN
CNN
CNN
CNN
SAMAR MOUSSAD
SAMAR MOUSSAD
SAMIR KHALIFA
SAMIR KHALIFA
13/1ضحايا من النساء باعتداءت الأسيد..و"أمنيتي" يعطيهن الأمل

في مكتب صغير في منطقة ديرة في مدينة دبي، تعمل أشواق الهاشمي وفريقها الصغير بشغف على نحت قطع "فنية" ستغيّر قريباً حياة أصحابها الجدد.

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في إحدى ليالي ديسمبر/كانون الأول من العام 2011، خرجت سمر مسعد مع شقيقتها لشراء بعض الحاجيات للاحتفال بميلاد والدهما. كانت سمر حينها قد خُطبت مؤخراً لشابٍ بعد مرور بضعة أشهر على طلاقها من زوجها.

محتوى إعلاني

وما أن علم طليقها بخطبتها، حتى بدأ بإرسال تهديدات لها. تذكر سمر: "قال لي إن لم أكن معه، لن يسمح لي بأن أكون لشخص آخر، وأنه سيشوّه وجهي وسيجعلني غير مقبولة له أو لغيره."

حينها، أخذت سمر تلك التهديدات على محمل الجد، وبلّغت عنها، ما أجبر طليقها على توقيع تعهّد بعدم التعرّض لها حتى وإن تزوّجت. لكن، لم يكن هذا التعهد كافياً لردعه.

وفي تلك الليلة، رآها طليقها وهي تخرج مع شقيقتها إلى أحد الأحياء الواقعة في مدينة القاهرة، ونادها طالباً التحدث معها. وتقول سمر: "لم أتوقع أن يؤذيني ونحن في مكان عام، وأنا برفقة أختي، فذهبت للحديث معه."

وما أن وقفت سمر أمامه، لم يقل لها طليقها سوى كلمة "مبروك،" قبل أن يفرغ محتوى علبة من الأسيد، أو "ماء النار" كما تعرف بالعامية، على وجهها.

وبعد لحظات، فقدت سمر وعيها، لتستيقظ بعدها بفترة في غرف العناية في إحدى المستشفيات المصرية، وبانتظارها مصيرٌ مجهول.

وقد يستغرب كثيرون مما حدث مع سمر، إذ يندر ذكر حالات الإعتداء بالأسيد في الدول العربية. إذ تشيع تلك الحوادث في دول كالهند وبنغلاديش، وتقع ضحيتها غالباً سيدات اعتدى عليهنّ أحد أقاربهن أو معارفهن من الذكور. لكن، تعود إحدى أولى حالات اعتداءات الأسيد الموثّقة في مصر إلى العام 2009.

ولعل أقسى ما قد يدور في ذهن من يسمع بحالات الاعتداء بالأسيد هو تخيّل عيش الضحايا حياة كاملة بشكل مشوّه وسط المجتمع. لكن، هذا جزء بسيط فقط من القصة الأليمة.

وتسببت إصابة سمر بفقدانها لعينها اليمنى وجفن العين اليسرى، إلى جانب تشوه أنفها وشفتيها. وتشير سمر إلى أنها "خضعت لأكثر من 17 عملية تجميلية في مصر لترميم الجفون والأنف، لكن كلها باءت بالفشل."

*****

داخل مكتب صغير في منطقة ديرة في مدينة دبي، تعمل أشواق الهاشمي وفريقها الصغير بشغف على نحت قطع "فنية" ستغيّر قريباً حياة أصحابها الجدد.

والهاشمي هي أول إماراتية تتخصص في نحت الأعضاء التعويضية التجميلية (Anaplastology)، والذي تعتبره فناً قبل أن يكون علماً.

وبدأت الهاشمي مشوارها كموظفة في قسم العلاج الطبيعي في مستشفى راشد بدبي في العام 2000. لكن، لاحظ الطبيب المشرف على قسم النحت الطبي هناك قدراتها على النحت والتلوين، وقرر تدريبها وضمّها لفريقه.

تقول الهاشمي: "لا توجد معاهد أو كليات تدرّس تخصص نحت الأعضاء التجميلية في الشرق الأوسط، ويتم تعلّم الحرفة غالباً بالممارسة، عبر تدريب فنييّن ينضمون لجمعية صناعة الأعضاء بعد خمس سنوات من الخبرة على الأقل."

إذاً، الصدفة جمعت أشواق بشغفها في نحت الأعضاء، الذي تحوّل بعدها إلى مهمة إنسانية أوصلتها للعالمية في العام 2012.

وتقول الهاشمي: "بدعم من مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أطلق مركز "أمنيتي" لصناعة الأطراف التجميلية في العام 2012، الذي يعتبر الأول من نوعه في القطاع الخاص الإماراتي لتصميم وتصنيع جميع أنواع الأعضاء التجميلية في الدولة."

ونظراً لندرة اليد العاملة في هذا المجال، يقتصر فريق الهاشمي على ثلاثة أشخاص، وتؤكّد الهاشمي: "يعتمد هذا الاختصاص على توجّه فني بحت، ما يجعل الشخص الذي يعمل به ملماً بالألوان والرسم والنحت، إلى جانب الإلمام بالحالات الطبية."

ويصنع المركز مختلف الأعضاء التجميلية التي لا تستخدم في الحركة باستخدام مادتي السيليكون أو الأكريليك، مثل العيون، والجفون، والأنوف، والأذان، والأصابع، والكفين، والقدمين، والعضلات الترميمية، والثديين.

وسعت الهاشمي لمساعدة الأشخاص الذين يولدون بدون إحدى تلك الأعضاء، أو الذين يفقدونها نتيجة للإصابة بحادثة أو نتيجة الإصابة بمرض. وسرعان ما تواصل معها طبيب تجميلي بريطاني من أصول باكستانية يدعى محمد جواد، كان قد سافر إلى بلاده الأم لعلاج سيدة تدعى زكيّة، تشوّهت إثر اعتداء زوجها بالأسيد على وجهها بعد أن طالبته بالطلاق.

وتواصل الطبيب مع جمعية "International Anaplastology Association" في الولايات المتحدة، التي شاركته رقم مركز "أمنيتي،" كونه المركز الأقرب جغرافياً القادر على تلبية حاجته من الأطراف الصناعية التجميلية اللازمة لعلاج الضحية الباكستانية.

وتقول الهاشمي: "صنعنا لها العين والجزء المحيط بها، وقام مركزنا بتغطية تكاليف الحالة، وايصال المواد بدعم من السفير الباكستاني في الإمارات."

ووُثّقت رحلة علاج الطبيب جواد لزكيّة في فيلم وثائقي قصير يدعى "Saving Face" أُطلق في العام 2012، وذكر مساهمة مركز "أمنيتي."

ولحسن الحظ، ساهم الفيلم بتأجيج الرأي العام ضد الزوج المعتدي، الذي حُكم عليه بالسجن المؤبد لأول مرة في تاريخ ضحايا الاعتداءات بالأسيد. كما فاز الفيلم بجائزة الـ "أوسكار" وجائزة "إيمي" لأفضل فيلم وثائقي قصير في العام 2012، ما ساهم في جذب الأنظار إلى ضحيات أخريات باعتداءات الأسيد إلى الهاشمي ومركزها الصغير في دبي.

*****

علمت سمر عن مركز "أمنيتي" بعد مشاهدتها لفيلم "Saving Face،" حين كانت تخضع للعلاج في تايلاند على نفقة مؤسسة "دار البر" الإماراتية، التي تواصلت مع ممثليها عن طريق الإنترنت.

وتقول: "تشكّلت تقرّحات على قرنية عيني اليسرى، وكان نظري ضعيفاً وجفن عيني غير سليم، ما تسبب بجفاف في العين.. خضعت لـ 15 عملية تقريباً لترقيع الجلد لأتمكن من إغماض عيني وتساقط الدموع بشكل طبيعي. وحتى الآن أنا بحاجة لعمليات للجفون للحفاظ على العين الموجودة."

وركبّت سمر أول عين في تايلاند، وعندما حان موعد تغييرها، تواصلت مع الهاشمي، التي صنّعت العين والجزء المحيط بها لسمر ولشابة مصرية أخرى من ضحايا اعتداءات الأسيد تدعى سناء أحمد كانت تحاول سمر مساعدتها. وتعرّضت سناء للاعتداء بالأسيد في العام 2009 من قِبَل زوجها عندما كانت لا تزال في سن المراهقة.

وعن تكاليف صناعة الأطراف الصناعية، تقول الهاشمي إن مركزها يدرس الحالات التي تتقدم بطلب تصنيع الأعضاء بشكل فردي، مضيفة: "نحاول مساعدة المتعاملين بحسب نوع العضو والعملية... من الممكن أن نغطي جزءاً من التكاليف أو تقديم سعر التكلفة بشكل مجاني للحالات الإنسانية جداً، والتي تتم دراستها مسبقاً، ويمكن أن نأخذ التكاليف بالتقسيط أحياناً لبعض الحالات."

وحتى اليوم، نجح مركزها في علاج ثلاثة من ضحايا الاعتداءات بالأسيد، وهنّ سمر وزكيّة وسناء، ويعمل مركز "أمنيتي" حالياً على أربع حالات أخرى لضحيات الاعتداء بالأسيد، ثلاثة منهن سيدات مصريّات.

وفي حديث مع جاف خان، المدير التنفيذي لجمعية "Acid Survivors Trust International" الخيرية، والتي تسعى دولياً لإيقاف اعتداءات الأسيد من مقرّها في العاصمة البريطانية لندن، قال إن مؤسسته لا تملك أي إحصائيات حول ضحايا اعتداءات الأسيد في الشرق الأوسط، نظراً لعدم وجود مصادر توثّق الإحصائيات المتعلقة بتلك الاعتداءات، وندرة التبليغ عنها.

"قبل آخر صورة"

وعانت سمر وسناء وغيرهن من ضحايا اعتداءات الأسيد في مصر من عدم وجود جمعيات تتكفل بهنّ أو تمثّلهن. وتقول سمر: "تعتبر الجمعيات الخيرية في مصر، حتى تلك التي تتكفل بضحايا الحروق، أن الجراحات التي نحتاجها تجميلية، ما يجعلها غير مصرّحة بمساعدتنا."

وترافق المخرجة المصرية الشابة آية يوسف سمر وسناء في رحلتهما العلاجية منذ العام 2016 لتوثيق معاناتهما، عبر فيلم تسجيلي سيُطلق عليه اسم "قبل آخر صورة."

وفي حديث مع CNN، تذكر آية: "ما فاجأني هو عدم وجود مستشفيات في مصر مخصصة لحالات الحروق تستطيع إيقاف أثر المواد الفعالة في الأسيد، ما يتسبب بتآكل الجلد لأيام، كما ليس لدينا تقنيات تساعد في عمليات الترميم. القدرات العلاجية ضعيفة، والقانون لا يعاقب الجاني بأكثر من السجن بين 10 و 15 سنة، وهي فترة قد تقضيها الضحية في جزء من العلاج الطبي."

وبعد إتمام العمليات الجراحية التجميلية، يصبح الوجه بحاجة لتركيب الأطراف الضرورية لمساعدة الضحية في الاندماج في المجتمع، ووقايتها من الأمراض والالتهابات أحياناً. لكن، تبقى المراكز المختصة بتصنيع هذا النوع من الأطراف محدودة العدد بشكل كبير.

وفي حديث مع الطبيب سامر خليفة، والذي ترأّس قسم الأطراف الصناعية في المستشفى المركزي ومستشفى الجزيرة المركزي ومستشفى المفرق في العاصمة الإماراتية أبوظبي، أشار إلى أن مستشفى راشد في دبي هو المستشفى الوحيد في الإمارات اليوم الذي يصنّع أطرافاً تجميلية اصطناعية، بعد إغلاق أقسام النحت الطبي في باقي المستشفيات بالإمارات.

ويقتصر فريق العمل في مستشفى راشد اليوم على شخصين فقط.

أطراف "بالجملة"

ويدير خليفة حالياً مركز "Alex Rehab" للأطراف الصناعية، الذي أسسه في مدينة الإسكندرية في العام 1996. ويقول: "يمكن تعداد الأشخاص المختصين بالنحت الطبي في مصر على أصابع اليد الواحدة، والمستشفيات المصريّة مهيّأة لأخذ القياسات اللازمة للأعضاء فقط، لكنها ترسل القياسات لاحقاً إلى الخارج أو إلى مركزي مثلاً."

ومن جهتها، تستقبل الهاشمي طلبات لتصميم أعضاء تجميلية عن طريق المؤسسات الخيرية في الإمارات وخارجها، والهلال الأحمر، وسفارات بعض الدول، كما يأتيها المرضى من الكويت، وعمان، والبحرين، واليمن، والعراق، والسودان، وحتى فلسطين، وسوريا. ويُذكر أن مدينة الملك فهد الطبية في الرياض تضم مركزاً مختصاً بصناعة الأطراف التجميلية.   

وتشير الهاشمي إلى أن الكثير من المستشفيات في العالم العربي تصنّع الأعضاء التجميلية بـ "الجملة" وتوزعها على المرضى بدون أخذ خصوصية كل حالة بالاعتبار، ما يسبب معاناة المريض لاحقاً بسبب عدم ملاءمة القياسات.

نشر
محتوى إعلاني