عامر السبايلة يكتب لـCNN: مخطئ من يعتقد أن معركة الأردنيين هي مع قانون ضريبة دخل
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
تساؤلات كثيرة فجرتها الاحتجاجات المندلعة في الأردن، حيث شكّل الحراك الأردني الاخير مادة مهمة للسؤال حول أسباب هذه الاحتجاجات وسرعة اندلاعها وحالة الوحدة التي تميّزت بها.
الحقيقة أن ما يجري في الشارع الأردني هو تعبير حقيقي وواقعي لما عايشه الأردنيون في السنوات الاخيرة. فكل خطابات الأردنيين التي دوّت في الساحات والشوارع اليوم ما هي الا انعكاس لكل ما كان يتداوله الأردنيون في بيوتهم وجلساتهم الخاصة على مدار السنوات الأخيرة.
لهذا فان الاعتقاد أن مشروع قانون ضريبة الدخل والاجراءات الاقتصادية القاسية الأخيرة هي المحرك الاساسي للأردنيين هو تفكير قاصر وغير قادر على استيعاب حقيقة ما يجري في الشارع وعدم ادراك لطموحات ورغبات الأردنيين.
مشروع ضريبة الدخل لم يكن في جوهره سوى الشرارة التي كانت كافية لاخراج كل ما في صدور الأردنيين إلى العلن، بعد أن بالغت الحكومات الأردنية في الاستهتار في سياساتها الاقتصادية واعتبار الأردنيين سلعة قابلة للتدوير ومصدر دخل لا ينضب. يضاف الى ذلك أن غياب أي رؤية استراتيجية قادرة على طمأنة الأردنيين على مستقبلهم ومستقبل ابنائهم كانت أحد أهم الأسباب التي قادت اليوم للانتفاض على نهج حكومي كامل. للأسف، عانت حكومة هاني الملقي من عدة مشاكل، إضافة الى طريقة التواصل والخطاب مع الداخل، الأمر الذي قاد البلاد فعلياً الى نقطة التأزيم الحالي.
أهم ما يميز الحراك الأردني اليوم هو استقلاليته عن محيطه، فهو لا يمثل امتداداً لاحتجاجات ما يسمى الربيع العربي، وغير مدفوع من أطراف مؤدلجة بقدر ما هو تحرك عفوي خالص، يحمل في طياته مطالب أردنية خالصة. هذا ما يجعله حراكاً قوياً موحداً وقائماً على التوافقات، ومولود من نفس رحم معاناة الأردنيين في صورة مشابهة لحراكات أردنية سابقة مثل ١٩٨٩ والذي بدأ بمشاكل اقتصادية وانتهى بحلول سياسية.
قد يُنظر الى الواقع الاقتصادي الأردني والاجراءات الحكومية علي أنها المحرك الأساسي للحراك الأردني وعامل تفجير غضب الأردنيين. لكن لا يمكن لنا ان نفترض ان غضب الأردنيين اليوم مقتصر ومختزل في بعض القضايا والاجراءات الاقتصادية.
الشباب الأردني اليوم المتعطش لاستراد كرامته واكتشاف ذاته واستعادة حريته في بناء مستقبله يخوض حراكاً وجودياً يسعى من خلاله الى إعادة صياغة المعادلة السياسية التي اقصته وهمشته وهشمت وجوده. إن المحرك الأساسي اليوم للأردنيين هو رغبتهم في انهاء حالة اغتصاب تمثيلهم وكسر حالة الاستئثار بالسلطة التي فرضت عليهم أشخاصاً وسياسات كانت كافية لادخالهم في دوامة أقرب في شكلها الى حالة من الصراع الوجودي. لهذا فان من يعتقد اليوم أن معركة الأردنيين الحالية هي مع قانون ضريبة دخل او مسألة ارتفاع أسعار فإنه يخطئ في التشخيص.
الاردنيون اليوم يرسمون مشهداً جديداً و يغلقون حقبة طويلة من الاستغفال السياسي ويضعون حجر الأساس لمرحلة جديدة يكون عنوانها التشاركية السياسية وانهاء عمليات الاقصاء وكسر طوق الاحتكار السياسي الذي مورس عليهم. فالرسالة الأردنية الواضحة اليوم تقول إن الأردنيين لا يمكن أن يستمروا في دفع ثمن أخطاء لم يكن لهم بها أي خيار.
اذاً المطلوب اليوم استيعاب التحولات الحاصلة علي الأرض وادراك أن خروج الأردنيين الى الشارع هو عبارة عن تفجير للحالة التراكمية، مما يعني أن الحلول المفترضة لابد أن توازي حجم المشاكل القائمة.