رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عن إعلان ترامب الانسحاب من سوريا.. انتصار مباغت أم إعلان نصر مربك؟
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
لم تكن الغارات الأخيرة التي شنها الإثنين الطيران الأميركي على أهداف داعش شمال شرق سوريا من الوزن الذي يحسم نصرا عسكريا. الأهداف المعلنة لم تتجاوز قيمتها وعددها العشرات إن لم تكن مئات الضربات السابقة ضد عصابة داعش الإرهابية. فما الذي يحمله التوقيت المباغت إذن؟
أكاد أجزم -وفقا للمعطيات- أن صفقة ما وراء الإعلان المربك (بكسر الباء) لمن فاجأه قرار الرئيس دونالد ترامب إعلان "اكتمال النصر" على داعش "في سوريا" في تغريدة صباحية مبكرة الأربعاء على تويتر "إيذانا" بانطلاق المرحلة الثانية من حرب التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد هذا التنظيم الإرهابي الدولي، الذي يعمل على ساحات إقليمية أخرى من أشدها خطورة شبه جزيرة سيناء المصرية وساحات أخرى في شمال إفريقيا خاصة ليبيا.
وفيما كان نائب الرئيس مايك بنس يبحث مع وزير الدفاع جيم ماتيس وكبار قادة البنتاغون في مقر الوزارة – لا البيت الأبيض – مستجدات الحرب على داعش والوضع العسكري ذي الصلة في سوريا، وجّه ترامب رسالة هذه المرة عبر يوتيوب البيت الأبيض تحدث فيه مباشرة عن القرار، مختتما التسجيل بالإشارة بيده إلى السماء حيث أرواح الجنود الذين قضوا دفاعا عن "الولايات المتحدة وأقليات الشرق الأوسط المضطهدة والعالم بأسره" الذي عانى من إرهاب داعش. ترامب شدد أنهم بالتأكيد فخورون بتضحياتهم وراضون عن قراره إعادة الجنود الأميركيين من سوريا إلى الولايات المتحدة، في موعد أقصاه أواسط شباط/فبراير المقبل.
لم يعر ترامب المنشغل في حروب سياسية قانونية تشريعية طاحنة ومتداخلة، لم يعر اهتماما لمعارضة أقرب الحلفاء إليه في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور المخضرم ليندسي غراهام الذي لم يخف صدمته من قرار ترامب وتحذيره من مغبة تكرار خطأ سلفه الرئيس باراك حسين أوباما الذي خالف أيضا توصيات القادة العسكريين على الأرض وفي البنتاغون، وقام بتخفيض عدد قواته في أفغانستان والعراق الأمر الذي أدى -وفق ترامب نفسه- إلى فراغ أمني ساعد على خلق داعش.
لكن ترامب حتى في نظر أشد خصومه، جاد في محاربة الإرهاب لاعتبارات شتى من ضمنها دعوته الصريحة إلى رفض استقبال مهاجرين – لا سبيل للتدقيق فيهم أمنيا - من دول راعية أو حاضنة أو ضحية للإرهاب والفوضى. ترامب الذي كال أقذع الاتهامات لسلفه أوباما ومنافسته هيلاري كلينتون على خلفية "تورطهما" بدعم داعش و"مسؤوليتهما" عن كوارث العراق وسوريا ومصر وليبيا لا يمكن أن ينتحر سياسيا ويكرر الخطأ نفسه.
ما جرى في تقديري صفقة ما على الأرجح مع نظيره رجب طيب إردوغان. المحك سيكون تراجع هذا الأخير عن تصريحاته "العنترية" بشن حرب شرق الفرات لتطهيرها من "إرهابيي البي كي كي" ورعاتهم أو رفاقهم كما يزعم من قوات سوريا الديموقراطية "قسد".
ترامب ومنذ جولته الخارجية الأولى إثر توليه الرئاسة كان صريحا وعلنيا مع السعودية والدول العربية والإسلامية في قمة الرياض عندما أكد أن حرب داعش حربهم في المقام الأول وليست حربا أميركية. ترامب في حملات الانتخابات النصفية الأخيرة ذكّر مرارا حلفاءه الأثرياء بأن "عليكم الدفع" نظير حماية لو لم توفرها أميركا لسقطت أنظمة في غضون أسبوعين! كل هذا قبل السجال الذي ما زال مستمرا حول قضية خاشقجي بأبعادها السعودية-التركية الأميركية.
من المرجح أن توقيت الانتصار المباغت "سياسيا" أراده ترامب "مربكا" لحد خلط الأوراق. قبل بضعة أيام فقط ذكرت السفيرة الأميركية المستقيلة من منصبها لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، أن "صفقة القرن" تحمل تفاصيل كثيرة وجديدة غير تقليدية ومختلفة كليا عما طرح في السابق. إعلان يأتي ضمن الحديث عن فك لكثير من الاشتباكات وإخماد كثير من الحرائق من سوريا إلى اليمن. فهل تشهد واشنطن ميلاد "الناتو العربي أو السني" مطلع العام المقبل أو قرب انعقاد القمة العربية في تونس – سواء استعادت سوريا مقعد حكومتها رسميا أم لا؟ هل يموّل الخليج إعادة إعمار ما دمرته داعش في العراق وسوريا وفي الوقت نفسه تتكفل دوله الثرية المعنية بصفقة القرن ورؤيا 2030 بتمويل "المرحلة الثانية" من القضاء على داعش في سيناء وليبيا؟ هذا ما أرجحه وأرجوه ونحن على أبواب عام جديد!