بشار جرار يكتب عن التنمّر السيبري: دعوا رهف القنون وشأنها
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
تابعت بشغف كغيري قضية رهف القنون ولجين وغيرهما من السعوديات اللواتي تعرضن للكثير من الآلام جراء سعيهن للخلاص مما قلن إنه "قمع وتمييز وحرمان": فرديا أكان أم أسريا عابرا أم مجتمعيا منهجيا. لن أخوض في هذه المقالة في السجال الدائر حول أسباب ذلك أو علاجه لكنني سأتوقف عند "ظلم ذوي القربى"، فقد هالني تنمّر سعوديات يافعات على رهف وسواها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ظاهرة لم تنحصر في السعودية حيث شهدت إيران "عدوتها اللدودة" ظاهرة مشابهة ضد حركة خلع الحجاب.
حصرا للنقاش، سأتوقف عند قيام طالبة سعودية بالتعرض لرهف بالتجريح والتخويف عبر المنصة ذاتها التي أوصلت صوتها للعالم عبر محطات الخلاص أو الهروب سموها ما شئتم. اللافت أن من تعرضت لرهف قامت بتسجيل "تنمّرها السيبري" عبر "سناب شات" من داخل كندا بصفتها طالبة جامعية سعودية مبتعثة من قبل الحكومة. من اللافت أيضا، أنها كانت سافرة الرأس ولا تقل "تحررا" في هيئتها عما هاجمته من سعي رهف للتحرر، اللهم سوى تقريعها على جعل قضيتها مصدر إساءة وهجوم على "الدولة" و"الوطن".
ومن خلال تجربة شخصية وتجارب أخرى شهدتها بحكم الزمالة والجيرة والقرابة في بلاد المهجر، راعني كثيرا مدى جراءة البعض في التنمر على الآخر في ظل الدول الديمقراطية دون رادع العرف السائد في بلاد الموطن الأصلي. فباسم الحرية يمنح البعض لنفسه حق "صلب" الآخرين و"رجمهم" باسم الدفاع عن "العرض والوطن والملّة والدين". ليت الأمر ينحصر فقط بتلك الخطوط "الحمر" وهي كثر، لكن مجرد إبداء التعاطف مع رهف السعودية أو نداء الإيرانية أو ملالا الباكستانية يجعل الواحد منا موضع استهداف يذكر بمصير فرج فودة المفكر المصري، شهيد إرهاب ما قبل القاعدة والنصرة وداعش وبوكو حرام وطالبان.
وقطعا للطريق على أي متصيّد في "الماء العكر"، من غير المقبول السماح لأي كان أن يضع نفسه موضع القاضي أو الحاكم "بأمر الله". ليس لأي منا الحكم على الناس، فما بالكم بضحايا التعنيف الأسري أو القهر الاجتماعي.
قد يهمك أيضا.. رهف القنون: حزينة لتبرؤ عائلتي مني.. وأتمنى أن أكون "مصدر إلهام" لبقية السعوديات
يذكر الناس صور "الفوضى" المشينة التي تسود عادة إثر انهيار أنظمة الحكم الشمولي حيث ترصد وسائل الإعلام صور المنفلتين المغالين في التعبير عن فرحة الانعتاق والخلاص بما يخدش الذوق العام كأعمال التخريب والسلب والنهب التي شهدناها في رومانيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي والعراق وليبيا، لكن أي منصف يعلم أن تلك مرحلة لا يقاس بها وأحيانا لا يمكن تفاديها.
باختصار، ما تتعرض له رهف الآن وبصرف النظر عن رضانا أو امتعاضنا من سلوكها الشخصي كمواطنة كندية، هو شكل من أشكال التنمّر السيبري الذي لا بد من التنبه لجسامة تداعياته. الأمور قد تصل لا قدر الله، إلى تعرضها للاكتئاب فالإدمان أو الانتحار. استمرار التحريض والشيطنة قد يصل إلى استهداف حياتها بعد استهداف سمعتها. هذه ليست نظرية "مؤامرة"، هذه مخاوف حقيقية. 57% من ضحايا التنمر في المدارس الأميركية بحسب دراسة أعدتها وزارة الصحة والرعاية الإنسانية بالإمكان إنقاذهم من الخطر لو لم يكتف المارة بالتفرج وقاموا بالتدخل في مدة أقصاها 10 ثوان من اشتعال نار التنمّر. دعوا رهف وشأنها يرحمكم الله!