رأي.. جون دفتريوس يكتب عن الجزائر: تحد سياسي جديد واقتصاد بحاجة لإصلاح
مقال رأي للزميل جون دفتريوس، المتخصص في الأسواق الاقتصادية الناشئة. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
بعد مظاهرات بدأت بالعاصمة الجزائر، وامتدت منها إلى باقي المدن الجزائرية، أعلن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عدم ترشحه لولاية خامسة. فالرئيس البالغ من العمر 82 عاما تلقى الرسالة بوضوح، إذ أن مبدأ "الاعتياد على الأمور كما هي عليه" لم يعد أمرا مقبولا في أوساط الشباب الجزائري.
في عام 2011، لم يقترب ما يعرف بـ"الربيع العربي" من الجزائر، ولكن جميع العوامل التي أشعلت الشعوب في تلك الفترة، موجودة في الجزائر: نصف الشعب تحت 30 عاما، ومعدل البطالة بين الشباب وصل إلى 29٪، كما أن هناك استثمار قليل للغاية في تطوير الدولة. جميع هذه العوامل دفعت الجيل الجديد للمطالبة بالتغيير.
معظم من نزلوا للشارع هم من الشباب الذين لم يعيشوا أجواء الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، والتي ساعدت بوتفليقة للوصول إلى سدة الحكم. هذا الجيل، وكما هو واضح، لا يرغب بالإبقاء على رئيس في السلطة عانى من جلطة دماغية عام 2013، أبقته على كرسي متحرك، ويقضي معظم وقته على إثرها خارج البلاد.
بوتفليقة كان قد أعلن أنه سيتنحى بعد عام واحد في حال تم انتخابه لفترة رئاسية خامسة، ولكن يبدو أن ذلك غير كاف.
وفيما يتمسك حزب جبهة التحرير الوطني، وهو الحزب الحاكم في الجزائر، بالسلطة بقبضة من حديد، لا يبدو في الأفق أي تواجد حقيقي للمعارضة أو خلف لبوتفليقة داخل الحزب. الانتخابات تم تأجيلها، وهو ما سيزيد من مدة الغموض والترقب.
وفي الجزائر، كل من عاش ويلات الحرب الأهلية وشلال الدم حينها لا يرغب بالتأكيد أن تعود هذه الذكريات واقعا جديدا، إلا أن مراقبين يؤكدون أن المؤسسة العسكرية في الجزائر، التي تحرص على الحفاظ على الاستقرار، بقيت تراقب الوضع من دون التدخل فيما يرغب الجيل الشاب بقوله.
الأمر ذاته ينطبق على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إذ كان صدور البيانات الرسمية محدودا للغاية. فرنسا على سبيل المثال، المعروفة بعلاقاتها التاريخية مع الجزائر عبرت عن موقفها من خلال بيان لوزارة الخارجية قالت فيه: "قرار اختيار الرئيس بيد الجزائريين، وهم من يقررون أيضا مستقبل بلادهم".
وفيما لا يزال هناك ترقب بشأن ما ستؤول إليه الأمور، لا يمكن صرف النظر عن الدور الكبير الذي تلعبه الجزائر كمصدر استراتيجي للطاقة لأوروبا، ونقطة قوية في مواجهة تنظيم داعش في شمال أفريقيا.
وبينما يصل حجم المخزون النفطي في الجزائر إلى 12 مليار برميل، لا يتجاوز حجم الإنتاج اليومي 1.5 مليار برميل. من جهة ثانية، تلعب الجزائر دورا أكثر أهمية في تصدير الغاز الطبيعي. حقول الغاز المعروفة تصل لنسبة 2.2 ٪ من المجموع العالمي، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بالولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، وقطر، غير أن شركة "سوناطراك" المملوكة من قبل الحكومة الجزائرية توفر أكثر من نصف احتياجات اسبانيا من الطاقة، وأكثر من 15 ٪ من احتياجات الطاقة في إيطاليا والبرتغال. كل من يفهم الأبعاد الجيوسياسية للطاقة الأوروبية يعرف أن الجزائر قوة موازية لروسيا في سيطرتها على السوق.
ولكن كان بإمكان الجزائر تحقيق أكثر من ذلك في عهد بوتفليقة، فالبلد عانى من الخنق الاقتصادي بين عامي 2008-2009 بسبب الأزمة المالية العالمية، ومن بعدها بسبب انخفاض أسعار الغاز والنفط العالمية.
ولاسترضاء شعبه، أنفق بوتفليقة داخليا وكأن برميل النفط يباع بسعر 100 دولار. أما احتياطي النقد الأجنبي فقد تراجع بسبب الإنفاق الحكومي الكبير على المنح والمساعدات، فبعد أن كانت قيمته 178 مليار دولار في 2014، وصلت قيمته إلى 100 دولار اليوم.
لهذا، لم يتم التركيز على الاستثمار في البنى التحتية. وخلال تواجدي في الجزائر عام 2016، شعرت بالقدرة الكبيرة التي كان يمكن للتطوير السياحي أن يقدمها، خصوصا مع مناطق عمرانية تأثرت بالثقافات العربية، والبربرية، والفرنسية، والإسبانية، إلى جانب الشواطئ الرملية المطلة على البحر المتوسط. قد تكون الجزائر هي السر الذي لم يكشف بعد، ولكن ذلك بالتأكيد شكل ضررا على الجزائريين الباحثين عن أي فرصة عمل.
الأمر كذلك يتكرر في قطاع الطاقة. فوفقا لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، ارتفع الطلب المحلي بنسبة 4٪ سنويا خلال عقد من الزمن، إلا أن الإنتاج خلال تلك الفترة انخفض بسبب قلة الاستثمار. وتعمل في الجزائر، العديد من الشركات العالمية الضخمة في مجال الطاقة مثل BP، إنجي، وتوتال الفرنسية، إلى جانب سيبسا الإسبانية، وإيكوينور النرويجية.
الاقتصاد الجزائري بحاجة إلى الإصلاح والاستثمار، الاثنان يعملان معا، واليوم هناك جيل جديد في البلاد قرر أن ينزل للشارع رافضا فكرة استمرار الوضع كما هو عليه. واليوم، تحد جديد على وشك أن ينكشف متمثلا في ضرورة الحفاظ على عملية نقل سلمية للسلطة، وأمل بإجراء انتخابات حرة نزيهة.