بشار جرار يكتب عن عقوبات ترامب الاقتصادية: رسالتان في غاية الخطورة بعثت بهما واشنطن إلى إيران
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
رسالتان في غاية الخطورة بعثت بهما واشنطن -من خلال العقوبات الأخيرة- إلى إيران وكل من حلفائها وشركائها. الرسالة الأولى وتخص إيران ووكلائها وحلفائها، تمثلت بإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب الصادرة عن الخارجية الأميركية.
أبلغ ما في هذه الرسالة هو قطع الطريق على الحوار مع الجناح المتطرف المتشدد والتوسعي في إيران وتمرير رسالة فرعية مبطنة إلى الجناحين الآخرين المتصارعين معه وهما الجناح الوطني المحافظ والإصلاحي. رسالة مفادها أن فرصة الحوار مازالت متاحة أمامهما. كما تعني هذه الرسالة لمن يتنفسون أوكسيجين المال الذي تغدقه أذرع الحرس الثوري الإيراني انحسار الإمدادات وحتمية انقطاعها في نهاية المطاف. وقد أثبتت تجارب الماضي القريب في عالم تلك المنظمات المسلحة القائمة على دعم الخارج أنها من أكثر الناس انقلابا على سيدها فهي في نهاية المطاف تدعي أنها "صاحبة قضية"! هكذا كان الحال في كثير من التنظيمات -الفلسطينية واللبنانية- المتأرجحة في التمويل البعثي العراقي والبعثي السوري والناصري المصري والجماهيري الليبي!
أما الرسالة الثانية، والتي تمثلت بإنهاء إعفاءات استيراد النفط الإيراني، فهي الأكثر خطورة في نظري، فموجهة إلى الطامحين بشراكة استراتيجية اقتصادية مع إيران طمعا بنفطها وموقعها الاستراتيجي المتمثل بمضيق هرمز والجوارين العراقي والأفغاني. وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لم يخفِ في مؤتمره الصحافي تحذيره المباشر إلى كل من يتعامل مع إيران اقتصاديا أن عليهم التفكير في عواقب الأمور عند محاولة الالتفاف على العقوبات الأميركية الاقتصادية خاصة تلك التي تستهدف قطاع النفط وجرائم غسيل الأموال والتحايل على العقوبات.
رد الفعل الصيني كان الأكثر دلالة في رفضه كما فعلت من قبل روسيا، بحيث يرى كثير من القوى الاقتصادية العالمية والإقليمية فيه شكلا من أشكال التدخل في قرار الدول السيادية فضلا عن كون حظر استيراد النفط مسألة تختلف عن سواها من التعاملات التجارية والاستثمارية.
الفيصل والكلمة العليا ستكون في نهاية المطاف لمدى تمكن واشنطن من إقناع شركائها في مجموعة الثمانية الكبار على الأقل بتلك العقوبات وهو ما يبدو من الناحية العملية ضربا من الخيال.
لو أخذنا الصين تحديدا على سبيل المثال، فإنه من غير المعقول نجاح المفاوضات الثنائية التي عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ثقته بنجاحها لا بل وبنجاحها الباهر، وفي الوقت نفسه الدخول في معركة صدامية مباشرة مع التنين الصيني لعيون الداعين إلى حرب عالمية اقتصادية كبرى من أجل إيران!
القضية في نهاية المطاف تغيير سلوك طهران وبخاصة فيما يتعلق بإسرائيل واليمن وسورية والعراق ولبنان. ترامب ليس معنيا بمن يحكم طهران وكيف يحكم إيران. ترامب معني بسلوك إيراني إقليمي حميد يفضي إلى شراكة لا يمكن تجاهلها على أعتاب صفقة القرن..