رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب لـCNN عن أمن الخليج العربي في عالم ما بعد أمريكا
هذا المقال بقلم د. عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية من الإمارات، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي شبكة CNN.
مع تزايد حدة التوتر بين طهران وواشنطن، عاد موضوع أمن الخليج العربي الذي يحتوي على أضخم مخزون من النفط والغاز الطبيعي على وجه الأرض إلى واجهة الاهتمام الدولي بإلحاح شديد مؤخرا. كما أصبح أمن الطاقة وأمن الممر المائي الاستراتيجي، مضيق هرمز، الذي يمر عبره 40% من النفط في العالم، ملحا أكثر من أي وقت آخر، بسبب تصاعد المواجهة بين أمريكا وإيران واحتمال اندلاع مواجهة عسكرية في المنطقة، علاوة على تزايد حالات قرصنة ناقلات النفط وتعرض عدد من السفن التجارية لأعمال تخريبية في خليج عمان وفِي المياه الإقليمية والدولية.
كل ذلك يطرح السؤال ما جديد أمن الخليج؟ وإلى أين يتجه في مرحلة ما بعد أمريكا؟ ومسؤولية من ضمان تدفق نفطه المطلوب للاستهلاك العالمي الذي تجاوز 100 مليون برميل يوميا سنة 2019 ويتوقع أن يصل إلى 120 مليون يوميا قريبا؟
ومما ضاعف الاهتمام بأمن الخليج العربي مؤخراً غموض الموقف الأمريكي كما أوحت بذلك تغريدات الرئيس دونالد ترامب، الذي ذكر أن أمريكا أصبحت دولة منتجة ومصدرة للنفط ولم تعد بحاجة لنفط الخليج، ودعا دول العالم المعتمدة على نفط الخليج إلى تحمل مسؤوليتها لحماية سفنها وناقلاتها. ولم يكن حديث الرئيس الأمريكي حديث تويتري عابر، حيث سارع متحدث باسم الخارجية الأمريكية ليؤكد أنه تم دعوة أكثر من 60 دولة للمشاركة في مبادرة دولية لحماية أمن الخليج.
هذا الموقف الأمريكي اللامبالي والضبابي فتح شهية قوى عالمية قديمة وجديدة وصاعدة للحصول على موطئ قدم في الخليج العربي كجزء من الاستعداد لعالم ما بعد أمريكا الذي هو قيد التأسيس. كانت بريطانيا أكثر المندفعين نحو الخليج، حيث حركت السفينة الحربية "كنت" نحو مياه الخليج العربي لحماية سفنها النفطية والتجارية، كما دعت ممثلين عسكريين من الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى لاجتماع بالبحرين لتشكيل مهمة دولية لتأمين النقل البحري عبر مضيق هرمز ومنع إيران من عمليات القرصنة.
وخلافا للموقف البريطاني الواضح والمتحمس، اتسم الموقف الأوربي من الدعوة الأمريكية بالانقسام والتردد. ففي الوقت الذي أيدت كل من فرنسا وهولندا وإسبانيا اقتراح تشكيل وحدة عسكرية أوروبية مشتركة لحماية الملاحة في مضيق هرمز، كانت ألمانيا، وعلى الرغم من الضغط الأمريكي، أقل حماساً للاقتراح الأمريكي ودعت لنقاشه بشكل جماعي ورسمي في اجتماع خاص لوزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي سيعقد في فنلندا نهاية شهر أغسطس. المدهش أن الموقف الألماني الرسمي الحذر جاء لأول مرة مغايرا للموقف الشعبي الألماني حيث برز تأييد شعبي غير مسبوق لفكرة مشاركة ألمانيا في تأمين مضيق هرمز، كما صرح بذلك رئيس حزب الخضر روبرت هابيك.
كذلك دخلت روسيا على خط أمن الخليج على أكثر من مستوى، إذ قدمت اقتراحا مكتوبا وزعته على أعضاء مجلس الأمن في نيويورك بإنشاء "تحالف أمني جماعي هدفه تخفيف التوتر الحالي في المنطقة". كما اتفقت روسيا وإيران على اجراء مناورات بحرية في خليج عمان، وتحدثت وكالات الأنباء عن اتفاق روسي إيراني وشيك لإقامة قاعدة بحرية عسكرية روسية في ميناء بوشهر وأخرى في ميناء شباهر على خليج عمان لتحقق روسيا أخيراً حلمها الأزلي بالتواجد في مياه الخليج العربي.
لكن الأهم من الموقف البريطاني والأوروبي وحتى الروسي، هو التجاوب الآسيوي السريع والمفاجئ للمشاركة في الدعوة لحماية أمن الخليج. جاءت أول مبادرة من كوريا الجنوبية التي أبدت استعدادها التام للانضمام إلى قوة بحرية تقودها الولايات المتحدة وقررت إرسال وحدة "تشونغ هيه" العسكرية إلى بحر العرب لحماية ناقلاتها النفطية ومكافحة القرصنة في مضيق هرمز.
أما الصين فقد كانت أقل اندفاعا تجاه المقترح الأمريكي لكنها رحبت باقتراح روسيا الخاص بضمان الأمن في الخليج. وقررت الهند إرسال سفينتين حربيتين، "إي. إن. إس. تشناي وإي. إن. إس. سوناينا، للقيام بمهمة أمنية في الخليج العربي ومرافقة السفن التي ترفع علم الهند في أعقاب حوادث القرصنة الأخيرة.
لكن الجديد في تطورات ملف أمن الخليج هو دخول إسرائيل على الخط لأول مرة في التاريخ، بقبولها دعوة المشاركة في قوة دولية لحفظ سلامة الملاحة في مضيق هرمز، لتصبح على بعد 100 كيلومتر من شواطئ إيران. كشف عن ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، مضيفًا أن الحكومة الإسرائيلية قد تساهم في الجوانب الاستخباراتية وغيرها من المجالات التي تتمتع بأفضلية نسبية.
أما إيران التي فجرت تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز واستهدافها عدة ناقلات نفطية، وتكرارها أنها لن تسمح بتصدير أي نفط إذا مُنعت هي من تصدير نفطها، فقد تفاجأت بتدفق هذه الهرولة الدولية نحو الخليج، وأخذت تكرر أنها وحدها مسؤولة عن أمن مضيق هرمز. وصرح الرئيس حسن روحاني أن التحالف البحري العسكري الدولي لن يجلب للخليج الأمن، ووصف دعوة الرئيس ترامب بأنها "مجرد شعارات غير عملية" كما وصف مشاركة إسرائيل بأنها عبثية وفارغة.
دول، قريبة وبعيدة، معنية وغير معنية، تفاعلت مع الدعوة الأمريكية ما عدا دول مجلس التعاون الخليجي التي آثرت الصمت في العموم، فيما عدا إعلان البحرين أنها ستشارك في المبادرة الأمريكية لتأمين المرحة في البحرين، وتغريدة لمسؤول خليجي لمح فيها إلى "الوقوف مع المبادرات الدولية التي تحفظ أمن المنطقة". عدا عن ذلك فإن الصمت الدبلوماسي هو سيد الموقف الخليجي حتى إشعار آخر، فلا أحد يعرف حتى الآن حقيقة موقف عواصم خليجية نافذة من اقتراح تشكيل قوة حماية دولية، ومن مسار تدويل أمن الخليج والحضور الآسيوي الجديد والمشاركة الإسرائيلية المعلنة.
دول الخليج العربي معنية أكثر من غيرها، وهي في عين العاصفة أكثر في غيرها، وعليها أن تأخذ زمام المبادرة أكثر من غيرها، وعلى أكثر من مستوى. فالمطلوب منها أولاً، الإعلان بوضوح عن موقف فردي أو جماعي تجاه المستجدات المتدفقة في ملف أمن الخليج، وربما كان الترحيب البحريني بداية لمثل هذا الموقف المطلوب. ثانياً عليها المشاركة بفعالية وبقوة في القوة الدولية المقترحة لحماية سلامة الملاحة في مضيق هرمز. ثالثاً عليها أيضا أن تشجع أكبر عدد من دول العالم، خاصة القوى الآسيوية الصاعدة، المشاركة في نظام أمني خليجي جديد بدلاً من اعتماده الأحادي على حماية أمريكا. وأخيراً على دول مجلس التعاون تشكيل قوة خليجية، من السعودية والإمارات وربما عمان، لحماية سفنها وناقلاتها النفطية في مضييق هرمز.
لم يكن أمن الخليج العربي وسلامة الملاحة فيه شأنا خليجيا صرفا في أي لحظة من اللحظات خلال الـ200 سنة الماضية، خاصة منذ تحول الخليج إلى مركز الثقل النفطي العالمي. خلال معظم هذه الفترة كان ملف أمن الخليج حكراً على بريطانيا، ثم استلمت أمريكا المسؤولية منذ 1971 وحتى الآن. لكن الخليج يعيش الآن لحظة فارقة، وأمنه يمر بمنعطف جديد، والتوتر في أعلى مستوياته، وفي الأفق هرولة دولية في اتجاه الخليج. لذلك من المهم أن تحدد دول الخليج العربي موقفها الواضح وتستعد لتحمل مسؤولياتها عاجلا ليصبح الخليج عربيا قولاً وفعلاً.