بارعة الأحمر تكتب لـCNN: هل يفقد لبنان مصداقيته أمام المجتمع الدولي ويقع في حلقة مفرغة قاتلة؟
هذا المقال بقلم بارعة الأحمر، صحافية وناشطة لبنانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
لا يمكن قراءة المسار السياسي لمحاولات تشكيل حكومة إنقاذيه في لبنان من دون الانحدار نحو القلق والتشاؤم. ومرَدُ ذلك إلى الأسلوب الذي تعتمده السلطة في مقاربة الانهيار الاقتصادي والشلل التام في الدولة والغضب الشعبي العارم الذي يستمر منذ قرابة شهرين. بيدَ أن أولى أسباب القلق تكمن في المشهد السياسي الذي يوحي بأن أهل السلطة في لبنان مصابون بتحجر عقلي وتصلب فكري وغرور مرضي يجعلهم يتمادون في إنكار نقمة اللبنانيين وثورتهم على الفشل والفساد، المستمرة منذ قرابة شهرين.
لم يحترم الرئيس ميشال عون المهلة "المعقولة" التي يفرضها الدستور بتكليف لبناني أو لبنانية من الطائفة السنية لتشكيل حكومة. فترك الدولة "على غاربها" لأسابيع طويلة، تحت رحمة وزراء تصريف الأعمال يستغلون الوقت الضائع لتمرير الصفقات المشبوهة. وترك الرئيس أيضا الاقتصاد ينزف ويتخبط في حفرة، وأدار وجهه بعيدا عن اللبنانيين المتظاهرين في الشوارع والساحات.
أكثر من 6 أسابيع مضت على استقالة حكومة سعد الحريري تحت ضغط الشارع، حاول الجميع في خلالها إقناعه بتشكيل حكومة جديدة. لكن الرجل أصر على شروط وجد نفسه فجأة قادرا على فرضها، وبدا كأنه يستعين بانتفاضة الناس لدعمها.
لم تتوقف الطبقة السياسية عن طرح أسماء لمرشحين تعرف أنهم مرفوضون، فتهدر وقتا يستنفذ بسرعة وانهياراً يستحيل إيقافه. ثم استقرت الصفقات على حكومة تضمن الامتيازات ولا تقترح حلا. اتفق الساسة على تقاسم الوزارات كما في السابق، وعلى الكذب في تسمية بعض المتسلقين وزراء، على أنهم "ممثلون عن الحراك" لمحاولة شق صفوف الثوار وشرذمة وحدتهم.
تأخر الرئيس في تحديد موعد لاستشارات يفترض أن تتيح للكتل النيابية تسمية رئيس مكلف. أراد ضمان التوافق على شكل الحكومة وحصص الأحزاب مسبقا. وهو بذلك ألغى دور رئيس الحكومة في التشكيل وتعمد تهميشه في "مخالفة واضحة" للدستور. وعلى الرغم من هشاشة التوافق، تم الإعلان بأن يوم الحسم هو الإثنين، التاسع من كانون الأول/ديسمبر، قبل أن يعلن مساء الأحد سمير الخطيب انسحابه من سباق الترشح لرئاسة الحكومة.
محاولة لا تلبي مطالب الثورة وتسميات يرفضها اللبنانيون، تدخل ضمن مناورات سياسية يقوم بها سعد الحريري منذ استقالته، تسمح بطرح بعض الأسماء لحرقها في الشارع.
إلا أن اللبنانيين لم يتراجعوا. فهم وجهوا دعوات لرفض التركيبة الحكومية والسير نحو القصر الجمهوري للمرة الرابعة وإيصال أصواتهم الى الرئيس الذي طلب سماعها بنفسه. الثوار مطارَدون منذ السابع عشر من تشرين الأول، يُعتقلون ويُسجنون وتتساقط الحجارة على رؤوسهم فتصيب رجال الأمن أيضا، يرميها "مخربون غير منضبطين" يكسرون زجاج المحال ويحرقون السيارات صارخين "شيعة... شيعة" ثم ينسحبون. ولا تتردد وزارة الداخلية في قمع المتظاهرين العزل، بدل المخربين، عبر إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لخنقهم وتفريقهم.
واللافت أن اللبنانيين صابرون على القمع والإهانات ولم ينزلقوا حتى الساعة الى الرد على العنف بالعنف بل حافظوا على سلمية ثورتهم، رافضين تحويلها طائفية ودموية. وبدل أن يقتلوا بعضهم البعض كما تُراهن جهات عدة، من داخل لبنان ومن خارجه، راحوا يقتلون أنفسهم.
والأخطر، هو ما يحل عادة بالثوار كلما حاولوا الاقتراب من طريق القصر الرئاسي. حيث يتعرضون للترهيب والاحتجاز على الطريق السريع فوق الجسور وتحتها، على بعد كيلومترات من الرئيس وتنزل ضربات العصي عليهم من أنصار حزبه.
مغامرة التكليف من دون احترام إرادة الناس تضع البلاد أمام منعطف أمني خطير ينذر بتجدد غضب الشارع في مواجهة محازبي التيار. فالغريب أن رئيس الجمهورية كان أورث التيار لصهره الوزير جبران باسيل. وهو اليوم رئيسا لكل اللبنانيين، والحكم بينهم. فلماذا يواجه التيارون الثوار بالعنف دفاعا عن الرئيس، وهل يحتاج الرئيس لدعم حزبه السابق في وجه المواطنين؟
لبنان وسط انهيار اقتصادي تام ويحتاج إلى دعم دولي سريع، ومحاولات فرض حكومة تضع الدولة اللبنانية في مواجهة المجتمع الدولي الذي يلبي الدعوة الفرنسية لاجتماع "مجموعة الدعم الدولية للبنان" في 11 كانون الأول/ديسمبر أي بعد أيام. فهل يفقد لبنان مصداقيته، أو ما تبقى منها، أمام المجتمع الدولي ويقع في حلقة مفرغة قاتلة؟