رأي.. بارعة الأحمر تكتب عن أزمة لبنان: كيف يمكن لنظام مارق أن يشكل حكومة نظيفة؟

نشر
7 دقائق قراءة

هذا المقال بقلم بارعة الأحمر، صحافية وناشطة لبنانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

محتوى إعلاني

باتت النظريات المعقدة لتوصيف مسار الأزمة في لبنان مادة قديمة ولا تنتمي للمرحلة. ذلك أن ما يتم التسويق له بإنه "معضلة" تشكيل الحكومة الانقاذية، هو أمر شديد البساطة. فالمنظومة الحاكمة تتخبط منذ قرابة الشهرين في مستنقع من الارتباك، ويتجلى ذلك من خلال العنف المتصاعد في قمع المتظاهرين، على يد مدنيين ملثمين، كما على يد القوى الأمنية.

محتوى إعلاني

هذا دليل إفلاس منظومة الحكم التي تجر الدولة عميقا في الحفرة، من دون أن يعنيها استنكار منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي الذي سينعكس سلبا على لبنان لسنوات طويلة مستقبلا.

أسباب الأزمة "المعضلة" واضحة، وهذه بعضها:

أولا: تشكيل حكومة "نظيفة"، كما وصفها رئيس الجمهورية بذاته، هو تجربة جديدة لا يعرف الساسة سبيلا للتعاطي معها، لضمان مواقعهم والمكاسب في آن، أو على الأقل للخروج منها سالمين. وهذا أمر واقعي وحقيقي، فهم فعلا لا يعرفون ما المخرج المناسب لهم. وطبعا لأنهم يرفضون الاتعاظ من "نهايات" الأنظمة الديكتاتورية التي قمعت شعوبها حتى الرمق الأخير ثم سقطت في لحظة.

ثانيا: اعتماد الوسائل التقليدية في السياسة، التي تحيك المخططات والمؤامرات في الاجتماعات المغلقة وتبيح الكذب المباشر في العلن، من خلال التظاهر بقبول الأمر الواقع، لتحويل الإخفاقات الى بطولات وتضحيات.

ثالثا: لا يمكن إطلاق مسار الإصلاح السياسي وبناء الدولة في ظل معادلة (لكم تسلطكم ولي سلاحي) التي يعتمدها حزب الله منذ عشرين عاما. فوجود سلاح آخر داخل الدولة يحمي الظلم ويسمح بالقهر، أوصلنا الى ثورة الجياع. فكيف يبرر حزب الله دعمه لكل ما يرتكبه التيار بهدف الإمساك بمفاصل نظام لم يعد يملك أبسط مقومات الدولة، مقابل دفاع التيار عن سلاح الحزب؟

مقارنة بين الأمس واليوم: درج النظام منذ قرابة نصف قرن، على اختيار الوزراء من الصنف الأكثر زحفا على أبواب الزعامات وأمراء الحرب والاقطاعيين والمرجعيات الدينية، أو الركوع عند أعتاب الأثرياء الممسكين بخيوط المال والصفقات. وأدى ذلك الى إبعاد تام للشجعان ولأصحاب العقول الحرة والكرامات والمهارات، ودفعهم خارج الإدارات العامة وقطاعات الإنتاج والأحزاب السياسية وحتى خارج البلاد.

لائحة الخيارات كانت محصورة بمجموعة من أبناء الإقطاعيين، تنتقل العباءة إليهم فيرثون المنصب عن الأب والجد ويلتزمون قواعد اللعب. يرثون الأرض وما عليها من بيوت وشجر ومزارع وما فيها من حيوانات، والناس أيضا. ويزحف في ظل هؤلاء عدد من "الشاطرين" يشبهون الخدم والعبيد في القصور. قبل 17 تشرين الاول كان توصيف "شاطر" يتطلب "مهارات" عدة أهمها القدرة على الكذب والنصب والنهب. وال "شاطر" هو الذي يعرف كيف يأكل حقوق الضعفاء من دون أن يمسك به أحد، يستغل ضعف أصحاب الحق، فيضرب بسيف سلطانه ويحتال على القانون لينهب كل من هم خارج الحاشية، أي نظيفي الكف، ويسمي ذلك "اقتناصا للفرص". ثم يخرج من الوزارة أو من عند كاتب العدل مثلا، ويتجه مباشرة نحو كنيسة أو مسجد ليشكر الله على نعمه، وليتبرع لجمعيات خيرية تنفق على الدعاية أكثر مما تنفق على المحتاجين، فيتصدق على الفقراء ويطعم الأطفال الجائعين ويحتضنهم ويلتقط الصور معهم، وربما يبذل جهدا أكبر فتنزل دمعة من عينيه أمام العدسات.

أما اليوم، فالمطلوب النقيض لكل من في الحكم. المطلوب أولئك الذين لم يشاركوا في الجرائم التي أدت إلى اغتيال لبنان. الذين طالبوا بالعدالة الاجتماعية لعقود طويلة وكانت أصواتهم منخفضة، لأن صوت الحق والحرية خافت ومنبوذ في سوق العبيد. هذه هي صورة حكومة الإنقاذ: نساء ورجال أصحاب مهن حقيقية وشهادات علمية غير مزورة، يحملون مسؤولياتهم على محمل الجد ولا ينفذون أوامر مرجعيات سياسية أو دينية أو حزبية، يضعون نصب أعينهم انتشال لبنان من أزمته الاقتصادية والاجتماعية، يوقفون السمسرات، يحاسبون المجرمين واللصوص فيطلقون يد القضاء لوضع المرتكبين في السجون.

فكيف للنظام المارق أن يشكل حكومة "نظيفة" بحسب تعبير الرئيس؟ كيف لنواب الأمة أن يمنحوا ثقتهم لحكومة لا تشبههم؟ لأن اللبنانيين يريدون رئيسها ووزراءها من خارج النظام المافياوي، أي من "المنبوذين" الذي يعتبرهم أهل السلطة شبه أغبياء، لأنهم ليسوا "شاطرين"... كيف للبنان ألا يسقط في الجوع والعزلة والفوضى والجريمة في ظل نظام مارق يرفض المجتمع الدولي إقراضه دولارا واحدا؟

الدولة في خراب تام والمجلس النيابي في غياب تام عن الخيارات الانقاذية التي يطالب بها اللبنانيون. لم يستوعب النواب بعد فداحة المرحلة وهم لا زالوا غارقين في المحاصصة. فهل تتجه النقمة الأكبر للثوار نحو البرلمان؟ هذه المؤسسة الدستورية التي دخلت طرفا أساسيا في الصفقات التي أفرغت الخزينة وأفقرت اللبنانيين؟

عنف غير مسبوق يريد أن يكرس ساحة النجمة أرضا "مقدسة" في "لعبة العروش"، هل جاء دور محاسبة نواب البرلمان؟ هم الذين يدخلون "المغارة" زاحفين عند أقدام "المرجعيات" ثم تركلهم المغارة خارجا كلما خف منسوب الطاعة، طمعا أو غرورا.

الأسئلة كثيرة وأغلب الظن أن الأقدار ستتكفل بالإجابة عنها تباعا، وأعني الصراع الفارسي العربي الأمريكي وأسميه قدرا، لأن اللبنانيين يظنون فعلا بأن لا قدرة لهم على إدراك مساره أو إحداث أي تغيير فيه، على الرغم من رهاناتهم المتكررة على تطوره وانعكاساته على فائض القوة في الداخل.

 

نشر
محتوى إعلاني