رأي.. بشار جرار يكتب عن الاتفاق "الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي": العودة للجذور في صنع السلام
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
القصة كلها بدأت بالطاعة والفداء. اختلف الأحفاد على الأدنى وتناسوا الأسمى. إسحاق أو إسماعيل، لنختلف كما نريد، لكن جدنا إبراهيم (بر-هام، افرام، أب رحوم، أبرها، أبراهام) صدع للأمر الإلهي فكان التكريم الرباني بفداء الذبيحة البشرية بكبش عظيم.
توالت القرون في بحور من الدماء، فأتى السيد المسيح، أنكروه أم قبلوه، حاروا بطبيعته البشرية – الإلهية، لكنهم اتفقوا مسلمين ومسيحيين أنه حيّ.. وكذلك آمنوا بحتمية عودته في آخر الزمان.
أردت من هذه السطور، العودة إلى جذور وجودنا المادي والروحي في هذا الجزء من العالم الذي ما كان عبثا أن يشهد ميلاد الديانات الإبراهيمية الثلاث، وتعرف أيضا بالسماوية والأهم التوحيدية. فكلنا يؤمن بإله واحد وجميعنا نؤمن بأننا عيال رب واحد، خلقنا من التراب وإلى التراب سنعود.
لكن قيام ممالك وزوالها وظهور حضارات واندثارها لم يكف البعض لفهم رسالة الأرض والسماء وهي واحدة من حيث سعيها إلى تحقيق ما يجمع الناس عليه قبل تشكيل الحكومات والأحزاب والجيوش والمليشيات. الناس تريد أمنا وأمانا لا يتحقق إلا بتأمين حاجات وجودية موضوعية لا يختلف عليها حتى غير البشر من كائنات حية. فالخيار هنا واضح بين الفناء أو البقاء الذي لا معنى حقيقيا ودائما له سوى السلام والرخاء.
والسلام هو الأصل والغاية والوسيلة أيضا. وهو بذلك الطبيعي. والتطبيع -على ما ألحق بها من معان سيئة مسيئة- هو الطريق القويم لإحلال علاقات الثقة محل الريبة والصداقة والشراكة محل العداوة والنزاع.
نحو قرن من الحروب بأنواعها، استنزفت دافع الضرائب الأمريكي سبعة تريليون دولار فاتورة حروب ومساعدات، إرث وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتخلص منه عبر مراحل ثلاث أولها التحرر من تبعية الطاقة والحاجة إلى نفط الشرق الأوسط وغازه، وكان له ما أراد. وثانيها إنهاء دور الشرطي لبلاده في العالم والعمل جار على انسحاب قد يكون نهائيا من أفغانستان قبل نوفمبر. أما ثالثها فهو الترتيب لأوضاع آمنة لا تستدعي تدخلا عسكريا أمريكيا بما فيها عقد اتفاقات سلام واستثمار تعزز بعضها بعضا.
هذه باختصار حكاية الاتفاق الإبراهيمي. فكلا البلدين صديقان وحليفان رأى فيهما ترامب قاطرة كبرى في قطار السلام الذي شبهه يوما ما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر بأن لديه محطات عدة، لكنه لن ينتظر أحدا.
ويا لها من مقاربة ذات دلالة! بيكر اشتهر بعبارة خاطب فيها إسرائيل علانية بأنها تعلم كيف تتصل به إن قامت بتجميد الاستيطان. مسؤول ملف "صفقة القرن" في إدارة ترامب – صهره ومستشاره جاريد كوشنير، وردا على سؤال حول رفض الفلسطينيين التفاوض، قال "حاولنا ورفضوا وتركنا لهم أرقام هواتفنا".
الرفض لم يحقق شيئا، لكن الانخراط الأردني والإماراتي على سبيل المثال، حقق الهدف المطلوب مرحليا وهو التراجع عن "الضم"، تراجعا سماه الاتفاق "تعليقا" بحسب السفير الأمريكي في القدس ورئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن ترامب ترك الباب مفتوحا، مشددا على أن "لا أحد يملك مصادرة المستقبل".
للسياسة تعريفات عدة، أهمها أنها فن الممكن. وللتفاوض غايات عدة أكثرها ديمومة ما يعرف بـ"الرابحين معا"، فيما يصر البعض على المعادلة العدمية العبثية الصفرية القائلة بخسارة الجميع أو دفن الرؤوس بالتراب، أو لعلها الرمال المتحركة؟!