رأي: بشار جرار يكتب عن انضمام كوسوفو وصربيا لاتفاقات إبراهيم.. قطار الطلقة: من بوش إلى ترامب

نشر
5 دقائق قراءة
تقرير بشار جرار
Credit: JACK GUEZ/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

محتوى إعلاني

لم يصل قطار مدريد وجهته سلاما "شاملا دائما" في الشرق الأوسط كما بشّر به قبل ثلاثين عاما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر الذي يصارع الآن وعقيلته، كورونا. قطار السلام كان قد انطلق في مدريد على أمل تعدد المسارات دولا وأجندات. كلما اعترضته عقوبات، كان بيكر يلوّح بعصا وجزرة، مرددا مقولة: القطار لا ينتظر أحدا. 

محتوى إعلاني

ومن قمة فاس في المغرب إلى مبادرة السلام العربية في قمة بيروت، لم يكن أحد من العرب والأمريكيين ليتخيل أن منظمة التحرير الفلسطينية ستذهب بقرار قمة الرباط ١٩٧٤ بعيدا إلى حد الانفراد من وراء ظهر الجميع ومن بينهم "التوأم" الأردني كما كان يقول زعيمها الراحل ياسر عرفات، إلى أوسلو تحت عباءة "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".

من بين التبريرات التي طرحها عرفات نفسه وعدد من قادة المنظمة كان انتهاز فرصة التكفير عن "خطيئة" دعم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في احتلاله دولة الكويت التي شهدت مولد واشتداد عضد المنظمة ماليا لحد طالت فيها ذراعها استثمارات مجزية شملت أمريكا "الإمبريالية" وليس كوبا "الرفيق" كاسترو وحدها! 

من اللافت انتقاد الرئيس الحالي للمنظمة والسلطة محمود عباس لعرفات في تلك الأيام، حيث دعا إلى الحياد والنأي بالذات عن الصراعات العربية البينية والداخلية، لتتكرر أخطاء وخطايا فتح وعدد من الفصائل المنضوية تحت لواء المنظمة في الأردن ولبنان، حتى صبت حماس النار على جمر انعدام الثقة المتبادل بقتالها في مخيم اليرموك قرب دمشق إبان "الثورة" السورية. 

عرفات وصف صواريخ صدام بالحجر الفلسطيني الذي "تعملق، تعملق فصار صاروخا"! وعباس الآن يصف اتفاقات إبراهيم ب"الخنجر المسموم"! عباس الآن صار (سمن على عسل) مع حماسستان وإسماعيل هنية الذي وصف قاسم سليماني بـ"شهيدا شهيدا شهيدا" على الإيقاع العرفاتي أثناء تقديم واجب العزاء في طهران.

ووسط كل ما قيل حول "التطبيع" العربي ودعوة لقاء أمناء عامين "الفصائل" البيروتي عبر "زووم" مع غزة ورام الله، يكشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حفل أقيم على عجل في البيت الأبيض، يكشف النقاب عن "تساؤل كثير من الدول العربية والإسلامية عن لحاقهم بالركب الإماراتي". الحفل شهد إعلانا صربيا كوسوفيا مشتركا باعتراف كوسوفو بإسرائيل، والتطبيع الاقتصادي معها، وفتح سفارة في القدس أسوة بصربيا التي أعلنت بدورها عن نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.   

تزدحم الدلالات في هذا الإعلان: صربيا وكوسوفو من مخلفات حرب البلقان في صولتها الأخيرة التي أسفرت عن انهيار الاتحاد اليوغسلافي. كوسوفو وصربيا شهدتا معارك ومجازر دينية وعرقية. كوسوفو لها اسم اخر هو كوسوفا (اسمها الأصلي) والفارق بين من ينطق الألف أو الواو كان يكلف إزهاق أرواح وتدمير وحرق قرى بأكملها. 

لولا الناتو لتعرض آلاف المسلمين (الكوسوفيين والبوسنيين) والمسيحيين الكاثوليك (الكروات تحديدا) للذبح، ولولا "تخلي" روسيا الأرثوذكسية عن أبناء معموديتهم الصرب الأرثوذوكس، لما خسرت صربيا كثيرا من حقوقها التاريخية. ولم ينس الجانبان الصربي والكوسوفي (الأخوة الأعداء) أن من فرض السلام بالقوة هو الناتو وليست تركيا التي تسببت بحروب بلقان سابقة وأكثر دموية. 

صدق الكاتب الصحافي الأميركي اليهودي الكبير "توماس فريدمان" عندما وصف اتفاقات إبراهيم بـ"الزلزال الجيوسياسي" الذي أراه أوسطيا، أقرب ما يكون إلى تسونامي، طبعا بالمعنى الإيجابي للكلمة. هو تسونامي يطيح بالمتآكل أصلا من المباني وسأقتصر الإشارة هنا فقط إلى المنظمات العاجزة أو فاقدة المصداقية: كجامعة الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية -سواء انضمت حماس والجهاد أو لم تنضم رغم إجماعهما "الوطني والإسلامي والنضالي" على رفض "صفقة القرن" وخطة "الضم" والتطبيع! 

قطار ترامب سريع على ما يبدو للغاية لدواع انتخابية: فهل يكون قطار طلقة على غرار قطارات اليابان، أم ينقلب عن السكة قبل وصوله غاية قطار بوش الأب، السلام العادل والدائم؟

نشر
محتوى إعلاني