رأي.. بشار جرار يكتب عن حفل التوقيع على اتفاقات إبراهيم: خطف الأضواء أم الأنظار؟
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
"ما جرى خطف للأنظار". كان ذلك رد فعل نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي "الغاضب" من قيام خصمها اللدود الرئيس دونالد ترامب ب"لفت الأنظار بعيدا عن ضحايا كورونا"! بكلمة واحدة، كان حفل واشنطن في الخامس عشر من أيلول "تشتيتا" ليس إلا، في نظر بيلوسي.
لكنه في نظر مؤيدي اتفاقات إبراهيم، كان العكس تماما، فقد خطف ترامب الأضواء من سلفيه الديموقراطيين جيمي كارتر وبيل كلينتون عندما سجل سابقة في عملية صنع السلام برمتها عبر انتقاله من دور "الوسيط النزيه" إلى "الشريك المحفّز". وبذلك تقدّم على الرئيس الراحل جورج بوش (الأب) الراعي الحقيقي لمؤتمر مدريد في العشرية الأخيرة من القرن الماضي وما تلاها من مفاوضات سلام ثنائية ومتعددة المسارات.
إن أصاب ترامب في تفاؤله، فإن نحو تسع دول بينها خمس ستوقع "قريبا" على اتفاقات إبراهيم التي بلغت أربعا في تسعة وعشرين يوما مقابل ثلاث على مدى اثنتين وسبعين سنة هي كامب ديفيد واتفاق واشنطن (أوسلو) ومعاهدة وادي عربة للسلام.
السعودية ستنضم في "الوقت المناسب" بحسب كلمات ترامب. ذلك في نظره ليس مستحيلا فيما شطح خيال بعض المتفائلين أو "المشاكسين" إلى القول إن الحاضر الغائب في اتفاقات إبراهيم قد تكون سوريا! طبعا هذا ضرب من "أحلام اليقظة"، ولكن..
ترامب المزهو في إنجاز كبير على صعيد سياسته الخارجية في توقيت انتخابي حساس، أعاد إطلاق وعد أقرب منه إلى التوقع بأن يبرم اتفاق سلام مع إيران في الشهر الأول من رئاسته الثانية. طهران لم توفر الاتفاقات ولا راعيها بتغريد محسوب بعناية لوزير الخارجية المبتسم جواد ظريف، سخر فيه من "اختراق" صنع سلام بين "حلفاء أصلا" في أشبه ما يكون "انقلابا دبلوماسيا".
لكن كيف سيكون الحال، إن صدق ترامب وعده ووعيده فيما يخص إيران؟ ما الذي أثاره كتاب بوب وودوارد "الغضب" الذي نشر في اليوم عينه فيما يخص الإحجام عن تصفية الرئيس السوري بشار الأسد عملا بتوصية وزير الدفاع المقال أو المستقيل جيم ماتيس؟ هل تضمّن الأمر إشارة ما؟
بصرف النظر عما ستكشفه الأيام من "اختراقات" جديدة تضاف إلى اتفاقات إبراهيم، ثمة إجماع فيه شيء من اليقين بأن الفلسطينيين سيلحقون بالركب بعد أن يتبيّن لهم جدية الطرح وإن تباينت المواقف إزاء العرض (صفقة القرن). لكن ترامب وقبل نحو أربع ساعات من حفل التوقيع، كشف في حديث هاتفي مع قناته المفضلة فوكس نيوز وعلى نحو غير مسبوق مدى امتعاضه من "القيادة" الفلسطينية. بلغ الأمر حد وصم الأموال التي كانت تقدم كمساعدات ومنح للسلطة الفلسطينية وهي سبعمئة وخمسين مليون دولار سنويا، وصمها بأنها أموال "رشوة" جعلت من بلاده "رهينة" لدى السلطة!
ما أراه في الأفق تغييرا للوجوه كمحاولة أخيرة لتفادي حل أو انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة، وتفكيك أو حرب أو احتراب في غزة بين ميلشيات "الجهاد والمقاومة والتهدئة" بواقع ثلاثين مليون دولار تدفعها الدوحة فيما وصفه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بجهود "خفض للتصعيد" في القطاع وذلك خلال ترحيبه بنظيره القطري في مستهل جلسة الحوار الاستراتيجي الثالثة مع قطر التي عقدت الإثنين في مقر الوزارة بواشنطن.
وعلى غرار سيناريو إيران – سوريا، ماذا لو كانت قطر من بين الدول اللاحقة بالركب أو على الأقل ماذا لو امتنعت فقط عن ضخ الأموال في غزة؟ هل ستجنح "الفصائل المجاهدة المقاومة" للسلم؟
لن يطول الانتظار، سبعة وأربعون يوما ويحسم مصير ترامب في البيت الأبيض.