رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب: 2021 هو عام ما بعد أزمة الخليج خليجياً
هذا المقال بقلم الدكتور عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية من الإمارات، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
سيكون 2021 عام ما بعد وباء كورونا عالميا، فهذا الفيروس الفتاك يعيش أيامه الأخيرة من السنة مع توفر أكثر من لقاح أكدت التجارب السريرية فعاليتها بنسب تتجاوز 90% وسمحت باستخدامها أكثر من دولة بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول خليجية. وسيكون 2021 أمريكيا عام ما بعد الرئيس دونالد ترامب الذي يعيش أيضاً أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، وسيغادره طوعاً في تمام الساعة الثانية عشرة ظهر يوم الأربعاء الموافق 20 يناير 2021. وقد يكون 2021 عام ما بعد أزمة الخليج خليجيا، حيث بدأ العدد التنازلي لطي صفحة هذه الأزمة التي اندلعت في يونيو 2017 واستمرت لأكثر من ثلاث سنوات كانت من أصعب السنوات التي مرت على مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في 25 مايو 1981 والتي دفعت البعض لإصدار شهادة وفاة بحق هذا المجلس.
فبعد تلك السنوات الثلاث العجاف، وبعد تعثر الوساطة الكويتية والأمريكية مراراً وتكراراً، بل وبعد أن بلغ اليأس والإحباط أقصاه، وساد الاعتقاد بأن أزمة الخليج جاءت لتبقى، ليس لثلاث سنوات فحسب، بل لثلاثين سنة قادمة، تحرك فجأة قطار المصالحة الخليجية من جديد خلال الشهر الأخير من 2020 إثر أخبار صحفية وبيانات رسمية، وتصريحات وتغريدات من مسؤولين خليجيين تشير إلى أن المصالحة الخليجية تعيش لحظات مهمة، وأنها تمر بالدقائق الخمس الأخيرة من الساعة الخليجية التي تسابق الزمن.
جاء أول الغيث بصدور بيان كويتي متلفز وموجز على لسان وزير خارجية الكويت الشيح الدكتور أحمد ناصر الصباح يتحدث عن تفاهمات إيجابية. وفي أقل من 24 ساعة، صدر تصريح أكثر وضوحاً على لسان وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان يؤكد أن اتفاق المصالحة أصبح قريباً ووشيكاً. بعد ذلك بعدة أيام بعث وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش بتغريدة يشكر فيها جهود الكويت ويثني على دور السعودية ومساعي أمريكا، لرأب الصدع في البيت الخليجي ويتطلع إلى قمة خليجية ناجحة.
هذه البيانات والتصريحات التي تدفقت خلال الأسبوعين الماضيين تعكس أجواء إيجابية وتفاهمات وتوافقات ومفاوضات شاقة تجري حاليا في الكواليس وخلف الأبواب المغلقة لتدوير زاوية معضلة أزمة الخليج وبشائر مصالحة تدريجية، وتتم على أكثر من مسار العاجل منه والآجل. مفاوضات الدقائق الخمس الأخيرة من الخلاف الخليجي تتناول أمور سياسية وأمنية وثنائية وجماعية وأهم بند من بنودها الالتزام الجماعي بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما، ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة لها، علاوة على إيقاف أعمال التحريض، ووقف خطاب التحريض والحض على الكراهية أو العنف، مع الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013، وملحقه لعام 2014، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو دعم الكيانات الخارجة عن القانون.
في مقابل الالتزام الدقيق والجاد بكل ذلك، سيتم فتح المنافذ البرية والسماح لطائرات الخطوط القطرية لعبور الأجواء الخليجية ثم رفع فيقة بنود المقاطعة لاحقاً. وأهم جديد في مسار مصالحة 2020 أن الوثيقة النهائية ستكون ملزمة بضمان أمريكي. الضمان الأمريكي هو الجديد تحت الشمس. لقد اقتنعت واشنطن أخيراً أن تكون ضامن لأي اتفاق ملزم لكافة الأطراف خاصة الطرف القطري من أجل عدم تكرار ما حدث عام 2014. بعد تجاوز عقبة الضامن أصبح مسار قطار المصالحة سالكًا.
أهم ما يميز المصالحة الخليجية 2020 عن سابقاتها أنها تتم بضمان من واشنطن. لكن بجانب الضامن الأمريكي، فإن المصالحة الجديدة مختلفة أيضا كونها تطبخ على نار هادئة، ومدروسة بعناية فائقة، ووفق خطوات تدريجية وجدول زمني واضح، كل خطوة صغيرة تتلوها خطوات كبيرة، ليصل قطار المصالحة الخليجية إلى محطته الأخيرة دون عجلة أو استعجال. لا شك أن هذه التطورات مهمة بل هي الأهم منذ اندلاع أزمة الخليج، وإن صحت وتأكدت رسمياً، فإنها تدعو للتفاؤل دون الإفراط في التفاؤل لعدة أسباب.
فمن ناحية أولى، يكمن شيطان أي اتفاق في شيطان التفاصيل التي تتم في الدقائق الأخيرة من الاتفاق. وشيطان الخلاف الخليجي مريب ومراوغ، وبإمكانه تعطيل حركة المصالحة بل وإرجاعها إلى الدقائق الأولى من الساعة الخليجية بعد أن بلغت الدقائق الخمس الأخيرة.
وهناك ثانيا الحقيقة المرة أن قطار المصالحة الخليجية سبق أن تحرك أكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ففي المرة الأولى حدث انفراج وتفاؤل لم يستمر أكثر من 24 ساعة. ثم حدث اختراق آخر مهم دفع البعض للتفاؤل بمناسبة مباريات كأس الخليج، حيث تحرك قطار المصالحة خطوة مهمة إلى الأمام ليعود إلى الوراء أكثر من نصف خطوة. ثم جاءت مناسبة خليجية سياسية مصاحبة للقمة الخليجية الأخيرة، تمت خلالها مصافحات على أعلى المستويات. تلك المصافحة لم تحرك قطار المصالحة الخليجية كثيراً. بعد كل خطوة من هذه الخطوات يعود قطار المصالحة إلى الانتكاس إلى الوراء ليخيب الآمال ويتعثر التفاؤل الشعبي كما الرسمي، ليصبح الخلاف الخليجي وكأنه قدر أهل الخليجي.
علاوة على كل ذلك هناك ثالثًا الدور المشبوه للقوى المنزعجة والمتضررة من أي مصالحة خليجية، وهم كثر في الداخل والخارج وفي المقدمة إيران وأردوغان وجماعة الإخوان. لقد كان هذا الثلاثي المستفيد الأكبر من تصدع البيت الخليجي، وقاموا بأدوار مختلفة لتأجيج أزمة الخليج، وهم الخاسر الأكبر لانتهاء هذه الأزمة وعودة اللحمة والأخوة الخليجية، وتعافي البيت الخليجي من أزمته الراهنة. الانسجام الخليجي ليس من صالح هذه الأطراف التي لا يمكن الاستهانة بدورها التخريبي لإرجاء المصالحة خليجية.
لكن على الرغم من هذه العراقيل وأدوار المعرقلين السلبية، وعلى الرغم من صعوبة التوافق والإجماع على تفاصيل الدقائق الخمس الأخيرة، فإن إرادة السير في مصالحة خليجية على كافة المستويات، وفي جميع العواصم الخليجية تبدو قوية، بل هي أقوى من أي وقت سابق. دول الخليج العربي ودول الرباعي العربي هم الآن أكثر استعداداً لإنهاء مقاطعة قطر التي استنفذت غاياتها وحان وقت تجاوزها.
طي صفحة الخلاف الخليجي آت لا ريب فيه، وقطار المصالحة الخليجية تحرك من جديد وبدفع جديد، وهذا في حد ذاته يدعو للتفاؤل بأن 2021 قد يكون عام ما بعد أزمة الخليج خليجياً، كما هو عام ما بعد فيروس كورونا عالميا، وأصبح من المؤكد أن 2021 هو عام ما بعد الرئيس دونالد ترامب أمريكياً.