رأي.. جمال عبدالله يكتب: هل سيكون 2022 عام السلام الخليجي مع إسرائيل؟
هذا المقال بقلم الدكتور جمال عبدالله، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة مونتريال (كندا)، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
كَثُر الحديث في العام الذي رحَلَ للتو (2021) عن التقارب الذي حدث بين عددٍ من دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل نتيجةً لاتفاقات السلام "الإبراهيمية" التي وقعتها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين برعاية الإدارة الأمريكية السابقة منتصف سبتمبر 2020. كما شهد العام الماضي أيضًا التوقيع على اتفاق إنهاء الأزمة الخليجية التي امتدت لثلاث سنوات ونصف السنة، وذلك عشية انعقاد قمّة "العُلا" بالمملكة العربية السعودية في يناير 2021.
ومع بداية العام الجديد نطرح التساؤل التالي: هل سيكون هذا العام (2022) هو عام السلام "الجمعي" لمجلس التعاون الخليجي "كمنظمة إقليمية" مع الدولة العبرية؟
لسنا هنا بصدد التكهن بالمستقبل، ولن تكون الإجابة عن هذا التساؤل بنعمٍ أو لا! ولكن سنحاول أن نقدمَ في السطور التالية، عرضًا تحليليًا لعددٍ من المتغيرات، أملًا أن يساعد ذلك القارئ في تحديد الطريق الذي قد تختاره دول الخليج بخصوص علاقتها بإسرائيل على المدى القريب.
بدايةً يصعبُ الحديث عن اعتمادِ مسارٍ موحد لدول مجلس التعاون الخليجي ككتلة واحدة فيما يخص سياساتها الخارجية؛ حيث أثبتت الوقائع منذ تأسيس المجلس في مايو/آيار1981 وحتى يومنا هذا، أن لا سياسة خارجية موحدة لدول المجلس، ولعلّ الأزمة الخليجية الأخيرة خلال الفترة 2017-2021 مثالًا واضحًا يُعززُ هذه الفرضية؛ حيث كانت أسباب هذه الأزمة ذاتُ صلةٍ بطبيعة معالجة دول الخليج لقضايا إقليمية محددة وفقًا لرؤية ومصلحة كل دولة.
هناك العديد من التقسيمات التي يقترحها الخبراء والباحثون فيما يخص التوازنات داخل مجلس التعاون الخليجي، ولعلّ أكثر هذه التصنيفات تعبيرًا عن واقع الحال، وجودُ 3 فاعلين؛ ومُحايد؛ ووسيط؛ وداعم ضمن أعضاء منظومة المجلس.
أمّا الأعضاء "الفاعلون" الثلاث فهم: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، بينما تتموضعُ سلطنة عُمان في موقع "المُحايد"، وتلعبُ دولة الكويت دور "الوسيط"، أما مملكة البحرين فنصيبها من هذه القسمة هو "الداعم" لمواقف الشقيقة الكبرى "السعودية".
لا شكّ أن الإرهاصات التي شهدها الشرق الأوسط في العشرية الماضية، أعادت تشكيل توجه السياسات الخارجية لدول الخليج العربية وفقًا لمصالحها الوطنية. كما أن وصول عددٍ من القادة الذين يمثلون الجيل الشاب إلى هرم السلطة في تلك الدول، والذين يسعون لمواكبة تطورات الألفية والخروج من عباءة النمطية التي سادت لعقود طويلة، أحدثَ أثرًا واضحًا وتغييرًا جوهريًا على المستويين الداخلي والخارجي في دول الخليج.
ولعلّ ما لفتَ انتباه المُختص والمراقب في الآونة الأخيرة، كثرةُ تداول مصطلح "صفر مشاكل" لا سيما عند الحديث عن السياسات الخارجية التي شرعت عواصمُ عددٍ من الدول الخليجية اتباعها، ونخص بالذكرِ هنا كلًا من أبوظبي، الرياض والدوحة، وخاصةً بعد التوقيع على مبادئ المصالحة الخليجية في قمة "العلا" في يناير 2021.
إذ تتبنى القيادات الشابة في الدول الخليجية الفاعلة نهجًا براغماتيًا في هذه المرحلة الهامة والتي أود أن أطلق عليها مرحلة "إعادة ضبط الإيقاع"، من أجلِ تحقيق أهدافها وفق مصالحها الوطنية. وعليه، فإنّ الحديث عن سياسة "صفر مشاكل" لا يعني تغييرًا جذريًا في مسار وأهداف السياسة الخارجية للدول التي تعتمد هذه السياسة، والتي هي ليست بمثابة "عقيدة" Doctrine، وإنما "مسار تكتيكي" Tactical path لمرحلة معينة.
إن التقارب الذي بدأت بوادره تظهر للعيان مؤخرًا بين كلٍ من أبوظبي وعددٍ من عواصم منطقة الشرق الأوسط (على سبيل المثال) لا سيما أنقرة وطهران وكذلك الدوحة، يتخطى حد سياسة "صفر مشاكل" التي يتحدث عنها الإعلام بكثافة، ليصل إلى جوهر "الرؤية المستقبلية" لصانع القرار الخليجي في تحقيق المصلحة الوطنية لبلاده وحفظ أمنه القومي، وخاصةً بعد الإشارات غير المشجعة التي بثتها إدارة ساكن البيت الأبيض "الديمقراطي" جو بايدن تجاه حلفائه في منطقة الخليج منذ أن وصل إلى هرم السلطة بداية العام المنصرم.
ذلك أن الفراغ الذي أحدثه -ولا زال- الفاعل الأمريكي في المنطقة يتم ملأه دون انتظار من قِبَلِ قوى دولية منافسة أهمها: فرنسا والصين، ولعلّ هذا ما يفسّر صفقة طائرات الرفال المقاتلة التي عقدتها باريس مع أبوظبي خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون في ديسمبر 2021، وكذلك تزايد التبادلات التجارية بين دول الخليج والصين لا سيما منذ بداية جائحة فيروس كورونا، ما يعكسُ توجهًا تفضيليًا خليجيًا نحو "الشرق" في تبادلاتها التجارية الخارجية.
في هذا السياق، لا يمكن لدول الخليج العربية أن تتغاضى -ولا تتناسى- عن الآثار السلبية للاتفاق النووي الذي وقعته مجموعة (5+1) مع إيران منتصف يوليو/تموز 2015 في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، حيث تمّ تجاهل إشراكها في تلك المفاوضات. من هنا تحرصُ العواصم الخليجية أن تكون على اطلاعٍ بتفاصيل المفاوضات التي تجري حاليًا في فيينا بين الإيرانيين والأمريكيين بشكلٍ خاص. ليس ذلك فحسب، بل وتسعى أن يتم أخذ مصالح أمنها القومي بعين الاعتبار في النتائج التي من المحتمل أن تتوصل لها أطراف الاتفاق مستقبلًا.
وفقًا للديناميات التي تشهدها المنطقة واستنادًا لآليات عمل مجلس التعاون الخليجي لا سيما فيما يخص استقلالية ملف السياسات الخارجية لدوله، فإنّ ملف السلام مع الدولة العبرية متروك معالجته لكل دولة على حدة. وبناءً عليه، فمن غير المتوقع أن يكون هناك قرارٌ جماعي من منظومة مجلس التعاون الخليجي فيما يخص ملف علاقة دول المجلس بإسرائيل، وسيبقى لكل دولة عضوٍ في المجلس رؤيتها الخاصة في هذا الملف وفقًا لمصالحها القومية والوطنية.
في ضوء ذلك، يمكن الاستشراف باحتمال إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الموجودة أصلًا من حيث التنسيق بين سلطنة عُمان وإسرائيل، وكذلك بين دولة قطر وإسرائيل في حال كانت الظروف مواتية خلال العام الحالي. حيث تلعب الدولتان الخليجيتان (عُمان وقطر) أدوارًا فعّالة في ملفاتٍ عديدة ذاتُ صلةٍ بعملية السلام في الشرق الأوسط، وكذلك تقومان بأدوار مماثلة فيما يخص المساعدات الإنسانية التي يتم إيصالها إلى الشعب الفلسطيني المُحاصَر في قطاع غزة.
ليس سهلًا التكهن بالموقف السعودي من ملف السلام مع إسرائيل في المرحلة الحالية دون تقديم الأخيرة ضمانات للرياض في إطار مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت في مارس/آذار 2002، والتي أصبحت مرجعًا تم تبنيه من قبل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، رغم الانفتاح الكبير التي تشهده السياسات السعودية على المستويين الداخلي والخارجي منذ وصول جيل أحفاد المؤسس إلى صف القيادة الأول في المملكة.
وتبقى دولة الكويت في منأى عن طرح ملف السلام مع إسرائيل في هذه المرحلة، ولعلّ النظام التشريعي الاستثنائي المتأصل في هذه الدولة الخليجية يُفسّر موقفها من المُضي قُدمًا في هذا الملف. وتجدرُ الإشارة في هذا السياق إلى أن الكويت كانت نقطة انطلاق منظمة التحرير الفلسطينية في ستينات القرن الماضي.
عليهِ فمن غير المُتوقع أن يشهد العام الجديد، 2022، موقفًا خليجياً موحدًا من اتفاقات السلام مع إسرائيل؛ كما لا يُتوقع انضمام مزيد من دول الخليج إلى "الاتفاق الإبراهيمي"، حتى وإن مارست واشنطن ضغوطاً على حلفائها في المنطقة، ما لم يكن هناك تحركٌ ملموس في مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية.