رأي: بشار جرار يكتب عن جريمتين بحق سورية ومصرية: من "وأد" آيات وبسنت؟
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
ما الذي لمّ الشامي على المغربي؟ يتساءلون في الأمثال الشعبية. أواخر منتصف القرن الماضي، جمعت القطرين مصر وسوريا وحدة قيل إنها قامت على مبادئ وصفت بالتقدمية لمواجهة ما اعتبروها رجعية. تقاتل "الرفاق" على لمن ستكون الأولوية؟ للوحدة أم للحرية أم للاشتراكية؟ لكنهم اتفقوا جميعا على التقدمية والتبشير بمجتمع علماني يكون فيه الدين لله والوطن للجميع.. وعلى أن التحرر، تحرر المجتمع، ينبغي أن يبدأ بتحرير المرأة ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات.
ها نحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وليتنا محلك سر، لكننا في كثير من دولنا ومجتمعاتنا صرنا رجعيين، ورجع بعضنا إلى ما وُصف بالجاهلية الأولى. رجع بعضنا في هذا المشرق المكلوم، رجع بالمرأة والرجل والأسرة والمجتمع وفي بعض الأحيان النظام والدولة إلى ممارسات الوأد بكل أشكاله وأدواته، مقدماته وتبعاته.
جريمتان وقعتا مؤخرا هزتا المجتمع. الضحيتان فتاتان سورية اسمها آيات ومصرية اسمها بسنت تيمنا بالورد الحامي ضفتي النيل منذ 7 آلاف سنة. لن أدخل بتفاصيل الجريمتين فقد ضجت وسائل الاعلام التقليدي والجديد بهما. لكن ثمة حاجة لاستباق التوضيح بأن انتحار بسنت لم يكن في حقيقته سوى "جريمة قتل" بدأت بالتنمر الالكتروني والتحرش والابتزاز. الصور المفبركة تقنية متاحة للجميع، لكن طالبين في الثانوي أزهر، لم تردعهما كل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والثقافة التراكمية لآداب الحس الجمالي والتذوق الفني في حضارات الاغريق والرومان والقبط والعرب والأمازيغ والكرد والشركس والأرمن على أرض مصر، لم تردعهما عن فبركة صورة أو صور (ورصاصة واحدة تكفي) لاغتيال سمعة بسنت ابنة الـ17 ربيعا. لم تسعفها توسلاتها لأهلها بالدفاع عن شرفها وسمعتها ممن لهما القضاء المصري بالمرصاد كما نصلي ونأمل جميعا وبشكل عاجل.
أما في القطر الشمالي، في سورية (السيدة) وفيها حضارة قامت على تكريم المرأة والاعتداد بها لدرجة أن كلمة "مارتي" باللهجة السورية تعني سيدتي وليس زوجتي فقط، في تلك البلاد التي عانت أهوال إرهاب الوحوش على مدى 11 عاما، تسقط آيات مضرجة بدمائها ومن ناصيتها التي سحقها زوجها (وعمها وحماتها) لطما وارتطاما بحائط منزل عاشت به 3 أسر وخدمت فيه الجميع صبرا على فقرها وخشية من فقد طفلتها الرضيعة. القاتل واسمه "غياث" وتبدو صفحته عبر فيسبوك متخمة بمنشورات التدين والورع الزائف، نفذ الجريمة ردا على رفض آيات ما ادعى أنه حق له بالتعدد الذي كان من حقها رفضه. توسلت بكل شيء من أجل طفلتها، لكنه أصر على تطليقها وضربها مقتنعا أخيرا بحق الزوجة الجديدة وهي مطلقة من أقارب أمه للعيش في بيت مستقل للزوجية. ظلم مركب وجرائم مركبة جمعت الشامي على المصري على اختلاف تبدل النظم السياسية والأحوال الاقتصادية والاجتماعية في "القطرين" فأين الخلل؟
أظن أن الأمر واضح جلي لمن أراد أن يبصر ويرى. الوأد، كما الاغتصاب كما الرق الجنسي كما التحرش الجنسي كما التزويج القسري (القاصرات) كما جريمة "الشرف"، كلها جرائم لا شرف فيها. شيطنة جسم المرأة وتبخيس قدراتها وعطائها وتضحياتها، جريمة. التحريض وباتجاه واحد ضد المرأة كسبب أو مادة للخطيئة، جريمة. الابتزاز العاطفي لا يختلف عن الجسدي وكذلك الاختطاف والقتل والإيذاء. الجرائم كبيرة أو لعلها من الخطايا والكبائر، إن نظرنا بتجرد في شرائع الأديان كافة وجميع القوانين "الوضعية".
يدرك الجميع تطور أدوات الجريمة لكن جوهرها واحد؟ هل بيننا شركاء في جريمتي قتل آيات وبسنت؟ بأي ذنب قُتلتا؟ وعندما يشكو أحدهم أو إحداهن من الظلم الواقع بحق الطفلة والمرأة الظلم القائم على الهوس بالجنس، ينهالون بالتهم والسباب على منظمات المجتمع المدني والاتفاقات الخاصة بحماية الطفولة والمرأة والأسرة؟ يريدوننا شركاء بالجريمة لا شياطين خرساء فقط. كلا لن يمروا.. لن يمروا بلا عقاب. ليس عقابًا انتقاميًا وإنما ردعيّ إصلاحي. والمعركة مازالت في مربعها الأول: التربية والتعليم والثقافة، إن صلح الضمير وسلم العقل والوجدان ينتهي الوأد والرق إلى الأبد..