رأي.. بشار جرار يكتب عن إمكانية إعادة إدراج واشنطن للحوثي على لائحة الإرهاب: التراجع الصعب والعودة الأصعب
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يعلم الرئيس جو بايدن الحكمة القائلة: التراجع عن الخطأ فضيلة. بالثقافة الأمريكية، يعتدّ المرء بنفسه عندما يقر بخطئه فيقول "آي ستاند كوريكتيد". لكن الإقرار بخطأ قرار "إدارة أوباما الثالثة" رفع الحوثي عن لائحة الإرهاب، القرار الأخير الأهم الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب، يشكل كابوسا لبايدن "دوكترين" بمعنى عقيدته في الحكم وكذلك إرثه، العود ليس أحمد في هذه الحالة لأنه يعني فيما يعني صواب طريقة تعامل ترامب مع هذه الجماعة وملف الإرهاب عموما.
عندما بررت الخارجية الأمريكية قرارها عكس قرار الوزير مايك بومبيو، شدد سلفه أنتوني بلينكن على أن الغاية من القرار هو "تشجيع الحوار" وتحفيز من يؤمن به من الحوثيين بالنأي بأنفسهم عن الجناح المتشدد والجنوح إلى السلم! مرّ عام ولم تنقطع ممارسات الحوثي خارج الحدود، بل وزادت وتيرتها.
عندما سألت مراسلة "العربية" بايدن الأسبوع الماضي في مؤتمره الصحفي الذي طال انتظاره وانعقاده (ساعتين)، عن نيته إعادة الحوثي على لائحة الإرهاب بعد الاعتداء الذي تعرضت له منشآت مدنية حيوية في أبوظبي، أجاب بأنه "سيدرس الأمر" مشيرا إلى أن حل المسألة اليمنية يتطلب "تعاون الجانبين". ها هي وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تعلنان أنهما مع إعادة إدراج الحوثي على لائحة الإرهاب، بانتظار ما سيقرره سيد البيت الأبيض. فماذا ينتظر؟
لم تكن ممارسات الحوثي الخارجية ولا الداخلية بحاجة إلى جهة استخبارية أو دفاعية لتميط اللثام عن وجهه. وفيما تنتظر إدارة بايدن وتعمل على دراسة القرار – العودة أو اللا عودة – عن قرار الإدارة السابقة، برزت مظاهرات غزة بهتافات وصور ويافطات لحماس والجهاد والجبهة الشعبية (المفترض أن تكون يسارية علمانية)، جمعت صور قاسم سليماني وحسن نصرالله وعبدالملك الحوثي، قبل أن تصدر الحركة بيانًا أكدت فيه أنها "تنأى بنفسها" عن الصراعات مع الدول العربية والإسلامية.
لعل تروّي بايدن محكوم بنصر ينتظره في فيينا بعد كارثة مضت في أفغانستان وأخرى أوشكت أن تحل في أوكرانيا. لعل اتفاقا مرحليا مع نظام ملالي طهران يتطلب ثمنا ما في اليمن، أو لعلها سوريا، مع تلك الطلعات الجوية الروسية السورية المشتركة على حدود الجولان. أتراه – ذاك التروي يشمل أيضا "تعليق" سعد الحريري لتعاطيه بالسياسة في قرار قد يؤسس لقرارات مماثلة من الرئيس ميشال عون وزعامات اتفاق الطائف كوليد جنبلاط ونبيه بري؟
أم أن تروّي بايدن اقتصادي بحت! قرار يتعلق بأمن الطاقة الذي قد يتعرض لهزة كبيرة في حال اجتياح أو توغل روسي في أوكرانيا. انقطاع الغاز الروسي عن ألمانيا العطشى للدفء والطاقة، قد يتطلب بديلا على عجل، قيل – بحسب وكالة بلومبيرغ - إنه على رأس أولويات محادثات بايدن المقبلة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في البيت الأبيض.
لكن -وتلك لكن كبيرة- هل يحتمل بايدن تقوية التفاهم الروسي السعودي فيما يخص أسعار النفط وإنتاجه. لم يفلح "أوميكرون" في تخفيف الطلب ومازالت أسعار البنزين في الولايات المتحدة مرتفعة بنسب قياسية. عندما يصل التفكير الانتحاري العبثي الحوثي إلى حد استهداف الإمارات وتنجح منظومة الصواريخ الأمريكية في إسقاط صاروخين باليستيين بحسب البنتاغون، فإن مستقبل علاقة التحالف برمتها قيد النظر وليس مجرد إعادة إدراج الحوثي على لائحة الإرهاب أو معاقبته من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي (بمبادرة من الجمهوريين). إن كان بايدن ينتظر، فهناك أيضا من يتأمّل ويتدبر في ذلك الانتظار، على الأقل في الإمارات والسعودية وإسرائيل التي سارعت إلى التنديد بالاعتداء الحوثي قبل عدد من الدول العربية والإسلامية.