بشار جرار يكتب عن القدس والسلام: القمة الأردنية الأمريكية طارئة التوقيت استثنائية الأجندة
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
من تامبا فلوريدا إلى العاصمة واشنطن مرورا بمدينة نيويورك، اجتماعات مكثفة حفلت بها ثاني زيارة عمل يقوم بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة منذ تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة.
"يعرفان بعضهما جيدا"، قالت جين ساكي في اخر مؤتمر لها كمتحدثة باسم البيت الأبيض، ردا على سؤال حول سبب عدم تحدث الزعيمين للصحافة والاكتفاء ببيان مكتوب صدر عن الجانبين بعد ظهر الجمعة في واشطن. ساكي وصفت القمة بـ"الاجتماع الخاص" والذي اقتصر بحسب إحدى الصور المرفقة بالبيان على الملك والرئيس، إضافة إلى ولي العهد الأمير حسين، وعضو واحد فقط من فريق إدارة بايدن، هو الدبلوماسي المخضرم بريت مغكيرك منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فلماذا انفرد مغكيرك – الذي خدم في إدارات بوش الإبن وأوباما وترامب وبايدن - بهذه الحضور؟
المهمة الأكثر حضورا، هي "الحد من تدهور الوضع الأمني على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية" وقد كان من ضمن ما حذر منه العاهل الأردني في قمته الأولى مع بايدن في تموز الماضي والذي كان أول من التقاه من قادة الشرق الأوسط بعد وصوله إلى البيت الأبيض. حذر حينها الملك عبد الله من "انسداد الأفق السياسي" مشيرا إلى خطورة ما تظنه بعض الأطراف في إسرائيل من الأمور المسلّم بحصانتها أمنيا. فالوضع "هش" في حقيقة الأمر وثمة أثمان لاستمرار السياسات أحادية الجانب ذات الطبيعة الاستفزازية. لم تمر سوى بضعة شهور حتى توالت الهجمات الفلسطينية في العمق، وتفجر التوتر والعنف في أقدس الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس، وأخيرا كارثة مقتل المراسلة الميدانية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة. الجميع بانتظار انتهاء التحقيقات التي عرضت أمريكا تقديمها للجانبين رغم رفض السلطة الفلسطينية تحقيقا مشتركا في الحادث الذي حملت إسرائيل مسؤوليته بالكامل.
ربما ساهمت الصور الصادمة من القدس لنعش شيرين، والخبر الحزين من أبو ظبي برحيل الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله، بتركيز القمة على الصورة الأكبر للإقليم برمته.
الجانب الثنائي للمحادثات استغرق زهاء ثلاثة أيام من العمل المكثف عنوانه تأكيد الشراكة وليس فقط الصداقة الأردنية الأمريكية في جميع المجالات لكن ثمة تركيز على محورين: دور الأردن في صنع السلام، والأولوية وضع "آليات" لتخفيف التوتر والعمل على تحقيق رؤية الدولتين في إشارة خاصة إلى دور الأردن والملك "المركزي" في حماية الوضع الراهن في "الحرم الشريف – جبل الهيكل" واحترام الوصاية الأردنية الهاشمية على "المقدسات الإسلامية في القدس" بحسب البيان الأمريكي باللغتين العربية والإنجليزية. وبمجرد إعلان بايدن عزمه زيارة القدس الشرقية يعتبر بمثابة انتصار لرؤية الدولتين و"تراجعا" رسميا أمريكيا عن "صفقة القرن" على الأقل فيما يخص بقاء القدس موحدة عاصمة لإسرائيل. صحيح أن بايدن لم يقم بإلغاء نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لكنه أعلن فور وصوله إلى البيت الأبيض عن فتح قنصلية أمريكية للشؤون الفلسطينية في القدس وهو بمثابة ازدواجية في التمثيل الديبلوماسي نالت معارضة أمريكية وإسرائيلية ما زالت في حدودها الرمزية.
ليس سرا أنه وبعد إقرار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس بأن اتفاقا مع إيران صار "بعيد المنال"، لم يبق أمام إدارة بايدن ساحة إنجاز ديبلوماسي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل سوى الشرق الأوسط. بعد كارثتي أفغانستان وأوكرانيا وتلاشي آمال مفاوضات فيينا ومخاطر قيام الصين باختراق أمن تايوان أو ضمها بالقوة، يعمل بايدن على تحقيق اختراق في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه دون دعم من شركاء قادرين واقعيا على إحداث فارق في حياة الناس. عامان على كورونا وشهران على أوكرانيا وأزمة طاقة وغذاء غير مسبوقة قد تشكل بيئة مناسبة للجادين في البحث عن السلام. البعض يحذر من انتفاضة ثالثة والحكومتان الفلسطينية والإسرائيلية تواجهان على اختلاف مواقفهما ضغوطا داخلية غير مسبوقة قد يكون الأنسب فيها انتخابات تدعو الناس إلى الاستعداد لقرارات كبرى وصعبة.