بشار جرار يكتب عن زيارة الرئيس الأمريكي وقمة جدّة: هل تبدي طهران ما خفي في جولة بايدن؟

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

ثمة مصطلح استوحاه دهاقنة السياسة والصحافة من عالم الصيد وتحديدا صيد الغزال الاسم الحركي للدولار (باكس)! من المعلوم أن الغزال يتسمّر في أرضه عندما تسلّط الأضواء الكاشفة عليه فيسهل اصطياده. "غاسينغ" -بمعنى الإفراط في تسليط الأضواء القوية- يربك ويشتت "الجمهور" ويعمي "الطريدة"!

من الطبيعي اهتمام العالم كله بجولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولى كرئيس إلى الشرق الأوسط وبخاصة اللقاء "المواجهة" مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. لكن، ومنذ لحظة الهبوط من سلم "إير فورس وان" الطائرة الرئاسية إلى مطار بن غوريون، ركبت جملة بايدن "الترند": ماذا أفعل أو أين أذهب الآن؟

توالت المواقف فأظهرت ما تحبه وسائل التواصل الاجتماعي بصرف النظر عن الموقف السياسي من بايدن أو أي من محطاته الثلاث: القدس وبيت لحم وجدة. كان لافتا انهيار بروتوكولات فيروس كورونا: كمامة بلا كمامة، مصافحة بيد مقبوضة أو مبسوطة وعناق! لم يقتصر الأمر على بايدن بل وكثير ممن التقاهم خاصة ولي العهد السعودي فيما يخص سلامه على الرئيس مقابل احتضانه قادة وفود الدول المشاركة بقمة الأمن والتنمية.

إلى جانب التباين الصارخ في البروتوكولات الصحية والسياسية، انفردت القمة الأمريكية الفلسطينية عن الجميع في غياب بيان مشترك وكذلك منح الصحافة الفلسطينية والدولية فرصة توجيه الأسئلة للرئيس الذي لم يلتق نظيره رئيس السلطة الفلسطينية في مقرها بالمقاطعة في رام الله وإنما في القصر الرئاسي غير مكتمل البناء في بيت لحم، حيث حرص بايدن على لقاء الطوائف المسيحية كافة، وليس فقط الكاثوليكية في رحاب كنيسة المهد نسبة إلى ذلك المذود الفريد، حيث ولد السيد المسيح.

تابعنا بشغف ما صدر عن القمة ومن ثم المحادثات الأمريكية السعودية وكل ما شهدته قمة جدة من لقاءات ثنائية فما وجدنا سوى شفافية غير مسبوقة في طرح المواقف في ندية غير مسبوقة أيضا بين الجانبين الأمريكي و(الخليجي-العربي). تفاديا لسرد ما هو معلوم، فإن أبرز تلخيص في نظري لما جرى، هو ميلاد نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط. ثمة إقرار مشترك بوجود خلافات واختلافات اتفقوا جميعا على ما يبدو على تركها إلى حين، ربما إلى اتضاح ملامح النظام العالمي الجديد، متعدد الأقطاب قطعا.

ثمة إقرار علني غير مألوف في الشرق الأوسط بما يردّ الاعتبار للدولة العميقة في الإقليم، عربيا وإسرائيليا. تبقى الجغرافيا أقوى من التاريخ.. وذلك "الفراغ" الذي تحدث عنه بايدن لم يرق لأحد وليس الصينيين فقط! من غير المعقول أن يحبط رقم الثلاثة عشر مليون برميل نفط يوميا بزيادة مليون عما سبق ضغوط و"توسلات" بايدن كما يرى الجمهوريون ومعهم تيار جارف من الصحافة الأمريكية والعالمية.

حتى في القضايا التي تعهّد بها بايدن، كرؤية الدولتين وتأكيد الالتزام بالوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات في القدس الشرقية، حرص جميع القادة العرب على تأكيد مرجعية مبادرة السلام العربية، فيما قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالإشارة صراحة إلى "من قاموا باستخدام الإرهابيين والمرتزقة" ضد دول الإقليم كأدوات ضغط وابتزاز.

رغم كثير من التسريبات حول ما قيل إنه ناتو عربي أو شرق أوسطي، والتطبيع، وحالة الاستعداد لضرب إيران والضغط على روسيا ومنافسة الصين، فإن الدول العربية وإسرائيل قاموا بتوجيه رسائل مغايرة وأحيانا مناقضة للرسائل الأمريكية.

فهل الانطباع الذي شكلته الرسائل الإعلامية من الأطراف كافة حقيقي أم أن زوايا ما (خارج التغطية) بفعل الـ"غاسينغ" الذي يستخدمه الصياد الماهر. هل هناك "طريدة" جديدة؟ عين على إيران مثلا بضربة إسرائيلية أمريكية أو إسرائيلية منفردة على غرار ضربتي المفاعلين العراقي والسوري؟ أم أن ما جرى حقق الهدف الحقيقي للجميع بمن فيهم إيران وروسيا والصين، وهو تفادي حرب إقليمية، تمهيدا لاندماج اقتصادي أمني كبير كان يحلم -في شقه الأول- رئيس دولة إسرائيل الراحل شمعون بيريس الذي كان أول من أمر بوسام شرف يتم منحه من قبل الرئيس وذلك في الأول من مارس آذار عام ٢٠١٢. هذا الوسام – الأرفع شأنا في البلاد- هو الذي حظي به بايدن في مستهل الجولة، في العشرية الأولى لصدوره..

لم تكن جولة بايدن فاشلة تماما وكليا رغم صدمته والوفد المرافق عندما أعلن محمد بن سلمان أن لا زيادة على المليون الإضافية بالإشارة إلى الطاقة القصوى لإنتاج النفط وهو الأمر الذي سبق وقام بكشفه الشهر الماضي – هفوة - نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة الناتو. يومها قاطعه مستشار الأمن القومي جاك سوليفان على مرأى الصحافة.. صمت بايدن يومها ولام نظيره الروسي فلاديمير بوتين فيما واصل التضخم ارتفاعه إلى 9.1% الأعلى منذ 41 عاما نصف الشراكة الاستراتيجية مع السعودية التي قال في مقالته الاستباقية للواشنطن بوست الأسبوع الماضي بأنه يسعى إلى "إعادة توجيهها".. التقييم الواقعي للجولة أمريكيا يتضح بعد أقل من 4 أشهر، في انتخابات الكونغرس النصفية.. أما أوسطيا، فيتضح بصفقة مع طهران أو انضمام إيران أو السعودية لبريكس.