رأي.. بشار جرار يكتب عن حوار الملك عبدالله مع CNN: دلالة المكان والتحذير
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
"سوبر".. ممتاز ورائع. بهذه الكلمات العفوية ختمت مذيعة CNN لقاءها الحصري مع العاهل الأردني عبدالله الثاني بن الحسين. لم تكن مقابلة عادية لاعتبارات عدة أولها وأكثرها دلالة المكان.
حرص ملك الأردن، رابع الملوك الأردنيين الهواشم، على توجيه حزمة من الرسائل عبر نهر الأردن، وتحديدًا من موقع معمودية السيد المسيح. وكانت بذلك توكيدًا إضافيًا للحزم الذي تضمنته لغة تلك الرسائل، حتى تصل إلى المعنيين - كلهم غرب النهر – وأيضا بالإنجليزية، وعبر شبكة أخبار أمريكية عالمية تحظى بمتابعة كبيرة أظنها الأعلى في الشرق الأوسط، فضلًا عن كونها القناة الأقرب إلى عدد من الجهات الرسمية، والأهلية الأمريكية العاملة خارج البلاد في قضايا السلام والتنمية، وغيرها، مما يجمع على أهميته الناس.
تعاملت الصحافة العالمية بما فيها إسرائيل مع كلام الملك على أنه "تحذير".. الخطوط الحمر معروفة منذ "اللاءات الثلاث" التي أطلقها عبدالله الثاني بوجه "صفقة القرن": لا للتوطين، لا للوطن البديل، ولا لأي خروج على الشرعية الدولية الخاصة بحل القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها عدم المس بالوضع الراهن "ستاتيس كو" في القدس.
هذه الأخيرة تعني الأردن والهواشم في الصميم. هي جزء لا يتجزّأ من "إعلان واشنطن" الذي أثمر معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، التي رعى حفل التوقيع عليها في وادي عربة كشاهد وضامن، الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. لهذا كانت إشارة الملك لـ"المجهر" الدولي، وليس فقط الأردني الذي سيراقب ما سيتمخض عن الحكومة التي وصفت بأنها الأكثر يمينية بتاريخ إسرائيل.
اللافت -وهذه لغة غير شائعة إن لم تكن فريدة في خطابات الشرق الأوسط- خلو حديث الملك من أي إمكانية للتفسير خلاف المراد. المفردات كانت جلية الوضوح، ومباشرة تعكس ثقة بالنفس واعتدادًا بالمواقف الأردنية على أكثر من صعيد، عند تأكيده بأن بلاده "مستعدة -في حينه-" إن تمت مواصلة محاولة "تجاوز أي من خطوط الأردن الحمراء في القدس، والوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية"..
محاولة التأزيم من قبل بعض الأطراف ليست بجديدة. وقد تعاملت الدولة العميقة في الأردن مع أي قيادات فلسطينية كانت، أم إسرائيلية، أم أمريكية، وفقًا للمبادئ والمعايير ذاتها.
تأزيم "المطرقة والسندان" الذي أشار إليه الملك، هو سر صلابة الأردن ومرونته في آن واحد.. تلك معادلة يغفل البعض عن فهمها.
بنيامين نتنياهو أطول رؤساء حكومات إسرائيل خدمة، غرّد من على سدة حكومته السادسة – السابعة والثلاثين في تاريخ إسرائيل- بأن الاستيطان مستمر، والسيادة كذلك من "النهر إلى البحر" تعمّد ذكر المناطق، ومن بينها وادي الأردن، و"يهودا والسامرة" الاسمين المعتمدين إسرائيليًا لما تصفها الأمم المتحدة "الضفة الغربية"، وجهات أمريكية وأوروبية بـ"المناطق". أسقطوا صفتي "المتنازع عليها"، و"الفلسطينية" تفاديًا للحظر، أو تقييد النشاط فيها.
"بيت سيليم" المنظمة الحقوقية الإسرائيلية المحسوبة على اليسار، وصفت هذا التوجه بـ"الفصل العنصري". ولا تقف الأمور عند هذا الحد، فمشاكل اليمين الديني المحافظ ونتنياهو مع "الدياسبورا" الشتات، تفاقمت عندما أراد حرمان الأحفاد "من غير اليهود" من الـ "عاليا"، وهي رحلة "العودة التاريخية" إلى إسرائيل وفقًا للمفاهيم السائدة منذ قيام دولة إسرائيل، وقبلها في بواكير علاقات الوكالة اليهودية مع الشتات.
ومما كشفته ثلاث انتخابات رئاسية أمريكية، تنامي الهوة بين الأمريكيين الإسرائيليين، والأمريكيين اليهود من جهة، واليمين السياسي والديني في إسرائيل من جهة أخرى، خاصة اليمين المتطرف وبعض رموزه المتهمين بمعاداة الفلسطينيين والعرب والمسلمين عمومًا. وصلت الأمور وفقًا لما أعلنت الصحافة الإسرائيلية، إلى استعداد الطرفين لـ"طلاق" في حال انتفاء إمكانية التعايش.
تصدير الأزمات إلى الخارج ما زالت سمة في السياسات الإقليمية والعالمية، لكن بعض الأزمات أول ما ينفجر ذاتيًا. ومن هنا كان التحذير الملكي من "انتفاضة ثالثة" ينهار فيها "الأمن والنظام العام". وهذا التحذير "يرن ويطن" في آذان صناع القرار، أقله الدولة العميقة في إسرائيل وأمريكا.