هؤلاء النشطاء الإيرانيون هربوا من أجل الحرية.. لكن النظام لا يزال قادرًا على العثور عليهم
تقرير من إعداد سلمى عبدالعزيز، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)
(CNN)-- شعرت المنشقة الإيرانية ماسي كماري بالعجز عندما علمت أن والديها المسنين يتعرضان لمضايقات من قبل السلطات في وطنها.
اتصلت بهاتف والدتها في أواخر ديسمبر، لكن الشخص على الطرف الآخر كان رجلاً لم تتعرف على صوته.
كان والداها داخل مكاتب المخابرات الإيرانية في طهران. وكانت هي في العاصمة الفرنسية باريس حيث تعيش.
عرفت كماري أن عملاء الحكومة الذين كانوا يخيفون عائلتها منذ شهور يريدون شيئًا واحدًا فقط: التحدث معها مباشرة عن نشاطها في الخارج.
تتذكر قائلة: "كنت أفكر: ماذا يمكنني أن أفعل حيال هذا؟ لذلك، قررت أن أحاول تسجيل هذه المكالمة الهاتفية."
في تسجيل المكالمة الهاتفية التي حصلت عليها CNN في أواخر كانون الأول (ديسمبر)، يمكن سماع كاماري وهي تتجادل لمدة 20 دقيقة تقريبًا مع رجل تعتقد أنه عضو في جهاز المخابرات الإيراني الغامض.
سُمع الرجل وهو يقول: "أياً كانت الإجراءات التي تتخذينها ضد الجمهورية الإسلامية في فرنسا، فهي جريمة، وسوف تتحمل عائلتك مسؤولية ذلك."
تجيب: "سيدي، عائلتي مسؤولة فقط عن أفعالها".
يقول: "اسمعي، والدتك ستؤخذ إلى سجن إيفين، في سنها هذا. أختك ووالدك (سيؤخذان) أيضًا إلى سجن إيفين أيضًا. سيتم استجوابهم ".
أجابت بهدوء: "حسنًا.. خذهم للاستجواب. لم يرتكبوا أي خطأ ".
المرأة البالغة من العمر 42 عامًا هي من بين العديد من الإيرانيين الذين يعيشون الآن في الغرب والذين يقولون إن قمع طهران الرهيب يتجاوز حدودها، إلى أماكن بعيدة كان يُفترض سابقًا أنها آمنة، من أجل سحق المعارضة.
لم ترد السلطات الإيرانية على طلب CNN للتعليق.
في العام الماضي، اجتاحت البلاد انتفاضة شعبية انطلقت شرارتها لأول مرة في سبتمبر بوفاة مهسا أميني، وهي امرأة تبلغ من العمر 22 عامًا توفيت في الحجز بعد أن احتجزتها شرطة الأخلاق في البلاد بزعم ارتدائها الحجاب بشكل غير لائق.
بعد مرور أشهر، خمدت المظاهرات وسط موجة متزايدة من القمع.
حتى نهاية يناير / كانون الثاني، قُتل مئات المتظاهرين، بينهم 52 طفلاً على الأقل، بحسب "هيومن رايتس ووتش". تم إعدام ما لا يقل عن أربع شبان بأمر من المحاكم الإيرانية التي أطلق عليها مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره نيويورك "لجان الإعدام خارج نطاق القانون".
لعب المنشقون في الخارج دورًا رئيسيًا في الحركة الاحتجاجية الإيرانية، ونقلوا قصص الانتهاكات والقمع من شوارع إيران إلى القنوات الإخبارية الدولية وأروقة الحكومات الأجنبية. كان هذا الجسر إلى العالم الخارجي أمرًا حاسمًا للمتظاهرين وسط إغلاق شبه كامل لخدمات الإنترنت في البلاد وسيطرة النظام الصارمة على وسائل الإعلام المحلية.
يعود الفضل في حملات الضغط الناجحة، جزئيًا، إلى العقوبات المتزايدة ضد نظام طهران من الحكومات الغربية والمنظمات الدولية. في خطوة غير مسبوقة، على سبيل المثال، أزالت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إيران من مجموعة حقوق المرأة الرئيسية التابعة للأمم المتحدة في ديسمبر - وهو ما أدانته إيران.
جاء في بيان للحكومة الإيرانية: "جهودنا لتعزيز وحماية حقوق المرأة مدفوعة بثقافتنا الغنية ودستورنا الراسخ.. النساء والفتيات الإيرانيات هن الأكثر استنارة وديناميكية وتعليمًا وقدرة في منطقتنا والعالم، وقد عملن دائمًا لتحقيق تقدمهن وسيواصلن السعي في نفس الاتجاه على الرغم من استمرار النفاق الأمريكي المزمن."
قالت نازيلا غولستان، الناشطة منذ ثلاث عقود والمؤسسة المشاركة في منظمة HamAva المعارضة، لشبكة CNN إن القوة المنظمة والنفوذ السياسي للمغتربين هما بالضبط سبب قيام طهران بتوسيع الحملة القمعية خارج حدودها.
وأوضحت "هم الحكومة، لكننا المعارضة، ونحن كثيرون". وتابعت "نحن في كل مكان، في كل مكان ولدينا اتصال بالإنترنت، لدينا جسر من الناس في الداخل إلى الناس في الخارج."
القمع العابر للحدود
فرت ماسي كماري من إيران إلى فرنسا منذ حوالي أربع سنوات، خوفًا على حياتها بسبب نشاطها في وطنها.
قالت: "عندما وصلت إلى هنا، اعتقدت أنه يمكنني التعبير عن مشاعري بحرية الآن. حاولت أن أكون صوت شعبي (الذين يعانون) في إيران.. حاولت المشاركة قدر المستطاع في الاحتجاجات".
لكن مع عودة الاحتجاجات في الظهور أواخر العام الماضي، وجدت نفسها تتعرض للترهيب مرة أخرى. قالت إن والديها في إيران تلقيا مكالمات استدعاء متكررة من المخابرات.
قالت عن حديثها مع والديها في ذلك الوقت: "قلت لهم، أرجوكم لا تردوا على هذه المكالمات، ورجاء لا تذهبوا إلى هناك". وأضافت لكن لسوء الحظ، لأن هذه التهديدات ازدادت سوءًا ولأن والديّ أكبر سناً، لم أكن أتوقع منهم أن يستمعوا إلي وألا يذهبوا. لقد فهمت أنهم يتعرضون لضغوط، وقد يحدث ذلك ".
وقد حدث ذلك. في 31 ديسمبر / كانون الأول، قالت كماري إنها تلقت مكالمة من رجل تعتقد أنه عضو في جهاز المخابرات الإيرانية، والذي استخدم هاتف والدتها المصادر للتواصل معها. رفض الكشف عن هويته، لكنه وجّه أوامره وتهديداته.
قالت عن المكالمة: "كان الأمر صعبًا للغاية لأنني لم أكن أعرف إلى أي مدى سيذهب هؤلاء الأشخاص". وأضافت "شعرت بذلك لأنهم كانوا يضغطون على عائلتي ولم أكن هناك، كان علي الرد بقوة".
في الوقت الحالي، تقول كاماري إن والديها في أمان، لكنها بالكاد تتحدث إليهما كإجراء احترازي.
يروي منفيون إيرانيون آخرون، أحباؤهم لا يزالون في وطنهم، قصصًا مماثلة عن استخدام الجمهورية الإسلامية لعائلاتهم كبيادق لإسكاتهم.
وفقًا لتقرير صدر عام 2021 عن "فريدوم هاوس"، منظمة غير حكومية في واشنطن العاصمة، فإن إيران تنخرط في قمع عابر للحدود باستخدام تكتيكات تشمل الاغتيالات والاعتقالات والتخويف الرقمي وبرامج التجسس والإكراه بالوكالة وضوابط التنقل، من بين أمور أخرى. وأشار مؤلفو التقرير إلى أن هذه الأدوات قد تم استخدامها ضد الإيرانيين في تسع دول على الأقل في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية.
غادرت سحر ناصري البالغة من العمر أربعين عامًا إيران عندما كانت مراهقة للدراسة في السويد، حيث تعيش الآن ولا تزال منتقدة صريحة للجمهورية الإسلامية. تقول إن عائلتها، هي الأخرى، تتعرض باستمرار لمضايقات من قبل المخابرات الإيرانية.
قالت وهي تبكي: "لقد خلقوا (المخابرات) هذه المسافة بيني وبين عائلتي، وهي عبارة عن تعذيب نفسي". وأضافت "مقابل كل شيء أفعله، في كل مرة أظهر فيها على التلفزيون، وكل عمل سياسي نتخذه أنا وأصدقائي، في كل مرة نتحدث فيها مع حكومة أو ممثل سياسي، يتصلون بأهلي."
'كان يمكن أن أُقتل'
يقول المنشقون الإيرانيون المنفيون إن العقوبات الغربية لم تضع حداً لحملة القمع والمضايقات التي يواجهونها بسبب التحدث علناً.
على الرغم من مغادرة وطنهم إلى بلدان بعيدة، يقول الكثيرون إنه لا يوجد مكان بعيد عن متناول النظام. في يناير، قالت وزارة العدل الأمريكية إنها كشفت مؤامرة لاغتيال المنشقة الإيرانية البارزة مسيح علي نجاد بالقرب من منزلها في بروكلين، نيويورك. لم تكن هذه المرة الأولى التي تحبط فيها السلطات الأمريكية مؤامرة مزعومة ضد علي نجاد.
وقالت وزارة العدل في بيان صدر يوم 27 يناير: "هذه هي المرة الثانية خلال العامين الماضيين التي يعطل فيها هذا المكتب وشركاؤنا في مكتب التحقيقات الفيدرالي مؤامرات مصدرها إيران لاختطاف أو قتل هذه الضحية بسبب "جريمة" ممارسة الحق في حرية التعبير".
تم توجيه لائحة اتهام إلى ما لا يقل عن ثلاثة رجال تعتقد السلطات أنهم جزء من منظمة إجرامية في أوروبا الشرقية مرتبطة بإيران. ووجهت إلى أحدهم تهمة حيازة بندقية محشوة من طراز AK-47، تم العثور عليها داخل حقيبة في سيارته.
قال المدعون الأمريكيون إن مؤامرة خطف في 2021 نظمها مسؤول استخباراتي إيراني، وهي لائحة اتهام مزعومة، لكن وزارة الخارجية الإيرانية نفت أي تورط لها، ووصفت الاتهام بأنه "لا أساس له من الصحة ومضحك" ، بحسب وكالة الأنباء شبه الرسمية.
وتعهدت علي نجاد، التي ظهرت على قناة CNN في يناير / كانون الثاني ، بمواصلة نشاطها.
وقالت: "لن أستسلم، ما يخيفني هو أن هذا يحدث الآن في إيران. أعني أن هؤلاء المجرمين وظفتهم الجمهورية الإسلامية. كانوا جزءًا من منظمة إجرامية من أوروبا الشرقية. لذا، ترى أن الجمهورية الإسلامية نفسها منظمة إجرامية. قتل المتظاهرين الأبرياء داخل إيران، وقتل المراهقين كل يوم ".
ناصري وكماري تؤيدان عزمها. قالت ثلاث نساء من ثلاث دول مختلفة تحدّين تهديدات الجمهورية الإسلامية إن الجهود المبذولة لإسكاتهن جعلت أصواتهن أعلى وأكثر بروزًا.
وأضفن أنهن يستلهمن من المظاهرات المناهضة للحكومة داخل بلادهن وشجاعة المحتجين هناك في مواجهة القمع الحكومي الوحشي.
وقالت كماري من موقع احتجاج مناهض للنظام الإيراني يطل على برج إيفل في باريس "لا يوجد مكان يمكنك أن تكون فيه بأمان.. لكن حتى بعد أسبوع من تلقيي المكالمة (من مسؤولي المخابرات الإيرانية)، كنت في الخارج أقوم بعملي السياسي. لن أتوقف عن نشاطي بسبب التهديدات ".