الأسد يعول على "النظام العالمي" الجديد للمساعدة في إعادة تأهيله.. فهل يمكن إنعاش اقتصاده في ظل العقوبات؟
تقرير ورد ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)
في أول خطاب له أمام قمة إقليمية كبرى منذ أكثر من عقد، قال الرئيس السوري بشار الأسد الجمعة للدول العربية إن نظامًا عالميًا جديدًا يدعو إلى إعادة ترتيب الشؤون الدولية دون "تدخل غربي".
واستقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (37 عاما) الأسد (57 عاما) بترحيب حار. في اجتماع تاريخي، شوهد الزعيمان وهما يتعانقان قبل أن يلتقطا صورا معًا. قدّم الأسد نفسه خلال خطابه على أنه رجل دولة كبير السن، يلقي محاضرات على جيرانه حول الحاجة إلى الاستفادة من التغييرات في السياسة العالمية.
في خطوة اعتبرها المراقبون انتصارًا للرئيس المنبوذ السابق، عاد الرئيس السوري إلى اجتماع جامعة الدول العربية بعد قرابة 12 عامًا من نبذه من قبل المجتمع الدولي بسبب قمعه الوحشي لانتفاضة سعت إلى الإطاحة به.
وقال الأسد في القمة التي عُقدت في جدة: "اليوم أمامنا فرصة تغيير في النظام العالمي الذي أصبح متعدد الأقطاب بسبب هيمنة الغرب الخالي من المبادئ والأخلاق والأصدقاء أو الشركاء. إنها فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الغربي".
قد يكون للحديث عن التعددية القطبية والنظام العالمي المتغير صدى لدى مضيفيه السعوديين وغيرهم من الدول الإقليمية ذات الوزن الثقيل مثل الإمارات العربية المتحدة، إذ أن كليهما كانا يعيدان تقييم علاقاتهما الدولية بطرق لا تتماشى تمامًا مع رغبات حلفائهما التقليديين في الغرب. وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في كلمته الافتتاحية، إن الدول العربية ليس لديها خيار سوى العمل معًا ككتلة "في مواجهة الضغوط متعددة الأقطاب".
كانت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الطليعة لإعادة التأهيل الإقليمي لسوريا حتى مع استمرار العقوبات الأمريكية الشديدة على النظام. كما قامتا بإصلاح العلاقات مع إيران، وهي واحدة من أكثر الدول التي تخضع للعقوبات على وجه الأرض، وبحثتا فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع طهران. في غضون ذلك، نمت علاقاتهما مع روسيا والصين فقط.
قال جوشوا لانديس، المتخصص في شؤون سوريا ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما لشبكة CNN: "حقيقة أن العالم العربي الآن يطبّع علامة جيدة جدًا للأسد، لأنه يرى أن العالم العربي ينضم إليه في معارضة الولايات المتحدة". وأضاف أن سوريا ستعول على العالم العربي لتتحدى الولايات المتحدة وأوروبا وتدفعهم نحو "التطبيع مع سوريا".
شددت الدول العربية على أنه مع تزايد الاستقطاب في العالم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنها لن تنجر إلى الصراع بين الشرق والغرب. لكنها قلقة أيضًا من نفور حلفائها الغربيين، الذين كانت تعتمد عليهم اقتصاديًا وعسكريًا لعقود.
قدم عدد من المشرعين الأمريكيين "قانونا لمكافحة التطبيع مع الأسد" بعد أربعة أيام من إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، والذي يهدف إلى منع الولايات المتحدة من تطبيع العلاقات مع الأسد، فضلاً عن تشديد العقوبات ضد النظام ومنعه من إيجاد ثغرات للنجاة.. ماديًا.
وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي في مقابلة مع "فرانس 24" قبل أسبوع من القمة، إنه بينما أعربت العديد من الدول العربية عن استعدادها لمساعدة سوريا في إعادة الإعمار، فإن جميع الدول تدرك العقوبات القائمة ولا تنوي خرقها.
وقال زكي: "ليس لدى أي طرف الرغبة أو النية للتصادم مع الولايات المتحدة بشأن هذه القضية. لا أحد لديه النية للوقوف في وجه هذه العقوبات أو التعامل معها وكأنها غير موجودة ... لا أحد يريد المخاطرة في هذا الاتجاه".
يثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كان يمكن إعادة تأهيل نظام منبوذ مثل النظام السوري على الصعيد الدولي بدون مباركة الغرب.
ربما تنظر دمشق إلى اثنين من أقرب حلفائها كأمثلة على المرونة في مواجهة العقوبات الدولية. فرضت الدول الغربية عقوبات على روسيا وقطعت فعليًا علاقات الطاقة معها في محاولة لشل اقتصادها بعد غزو أوكرانيا، لكن لم يؤد ذلك إلى تغيير ملموس في سلوكها. لم تغير إيران مسارها أيضا، وهي بصدد إصلاح العلاقات مع خصومها العرب السابقين.
وسبق قمة جامعة الدول العربية التي عقدت الجمعة عدد من الاجتماعات رفيعة المستوى في جدة، حيث دعا وزير الاقتصاد والتجارة الدولية السوري محمد سامر الخليل نظراءه العرب إلى الاستثمار في سوريا "في ظل الفرص المهمة الحالية والآفاق الواعدة وقوانين جديدة جذابة للمستثمرين"، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) الأسبوع الماضي.
لكن المراقبين اختلفوا حول ما إذا كان التعاون الاقتصادي الحقيقي مع سوريا ممكنًا دون الوصول إلى النظام المالي الغربي، الذي أعاقت العقوبات الغربية على البلاد المسار إليه.
قال محمد باهارون، المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة، المعروف باسم "بحوث"، إنه في حين أن هناك العديد من الفرص التجارية في سوريا، فإن نجاحها سيعتمد على الوصول إلى التمويل من خلال الأنظمة المصرفية.
وقال لشبكة CNN: "العقوبات الحالية تمنعها، وبالتالي لا توجد مشاريع استثمارية كبيرة. لكن هذا ليس وضعا مستدامًا وتأثيره على رفاهية الشعب السوري والاستقرار في المنطقة هائل. هذا ليس في مصلحة دول المنطقة أو المجتمع الدولي".
قال حسين إيبش، باحث مقيم في "معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، إنه بينما لا يمكن التعامل مع سوريا إلا "بحدود" ، إلا أن هناك فرصًا لا تؤدي إلى "خرق العقوبات أو جذب الكثير من الاهتمام من وزارة الخزانة الأمريكية".
وقال لشبكة CNN: "يمكن القيام بالعمل الإنساني وإعادة الإعمار تحت رعاية مختلف المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة وما إلى ذلك". وأضاف: "يمكنهم أيضًا محاولة العمل مع روسيا أو من خلالها، وربما مع إيران وعبرها - رغم أن ذلك ينطوي على مخاطر واضحة"، في إشارة إلى الدول العربية التي ترغب في القيام بأعمال تجارية في سوريا. وتابع "هناك الكثير من الطرق للقيام بذلك".
وقال لانديس إن الهدف النهائي للأسد هو رفع العقوبات بمساعدة الدول العربية. وتابع "من الواضح أن سوريا أضعف من أن ترفع العقوبات من تلقاء نفسها، وهذه المناورة العربية، بالعودة إلى حضن العالم العربي، هي الطريق الوحيد أمامه (الأسد)".