السعودية تغير كتبها المدرسية بهدوء.. هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى قبول إسرائيل؟
تقرير من إعداد هاداس غولد وعباس اللواتي، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)
تغيرت الكتب المدرسية في المملكة العربية السعودية. لاحظ الباحثون اعتدالًا تدريجيًا في موضوعات تتراوح من أدوار الجنسين إلى تعزيز السلام والتسامح لسنوات.
من بين التغييرات التي أثارت الانتباه مؤخرًا، في ضوء التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة تحاول تمهيد الطريق نحو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، هي تعديلات تتعلق باليهود والمسيحيين والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في تقرير صدر الشهر الماضي من معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي ومقره إسرائيل ولندن (IMPACT-se)، والذي يراقب بشكل أساسي كيفية تصوير إسرائيل واليهود في نصوص التعليم، وجد أن "جميع الأمثلة تقريبًا والتي تصور المسيحيين واليهود بشكل سلبي" تمت إزالتها من أحدث الكتب المدرسية في السعودية، بناءً على التوجهات التي رُصدت في السنوات السابقة.
ووفقًا للدراسة، من الأمثلة البارزة التي تم حذفها ما يلي: "أن اليهود والمسيحيين هم أعداء الإسلام"، أو أن "اليهود والمسيحيين يتعرضون للانتقاد لأنهم دمروا وحرفوا "التوراة والإنجيل"".
فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين، وجدت IMPACT-SE اعتدالًا، لكن لا يوجد قبول كامل لإسرائيل بعد. تم استبدال إشارات مثل "العدو الإسرائيلي" أو "العدو الصهيوني" بكلمة "الاحتلال الإسرائيلي" أو "جيش الاحتلال الإسرائيلي". لكن هناك إشارات سلبية أخرى لإسرائيل، بالإضافة إلى حذفها عن الخرائط، مذكورة أيضًا في مناهج الدراسة التي لا يوجد فيها أي ذكر للمحرقة.
في منهج 2022-23، أزيل مثال في درس عن الشعر الوطني حول "معارضة الاستيطان اليهودي في فلسطين"، ولم يعد كتاب الدراسات الاجتماعية في المدرسة الثانوية يحتوي على قسم يصف النتائج الإيجابية للانتفاضة الأولى، الانتفاضة الفلسطينية في أواخر الثمانينيات ضد إسرائيل. وأحد الكتب المدرسية "حذف فصلاً كاملاً يتناول القضية الفلسطينية".
وقالت IMPACT-SE إن التعديلات "هي علامة مشجعة على أن التقدم قد يشمل المواقف تجاه إسرائيل والصهيونية".
قامت المنظمة، التي تراقب الكتب المدرسية السعودية منذ أوائل الـ 2000، بفحص التغييرات التي تم إجراؤها على أكثر من 80 كتابًا مدرسيًا من المناهج الدراسية السعودية في العام 2022-2023 وأكثر من 180 كتابًا مدرسيًا من المناهج السابقة.
كما تنصح IMPACT-se وزارة التربية والتعليم في الإمارات العربية المتحدة بتحديث مناهجها المدرسية لتشمل دروسا حول المحرقة (الهولوكوست).
'ذاكرة قصيرة المدى'
قالت ميرا الحسين، زميلة باحثة تركز على دول الخليج في جامعة إدنبرة في اسكتلندا: "يهدف ذلك أيضًا للإشارة إلى أن قادة دول الخليج الجدد حديثو التفكير، ولديهم ميول علمانية، ويهدف ذلك إلى جذب جمهور محدد خارجي إلى حد كبير".
لكنها قالت إنه من "الطموح للغاية" أن تقوم الحكومات "فجأة باستدارة (180 درجة) وتبدأ التبشير بالتسامح. الاعتماد على ذاكرة الناس القصيرة أمر مضلل في هذه الحالة".
لاحظت IMPACT-SE أن المحتوى الجديد في الكتب المدرسية السعودية ينتقد أيضًا بعض الجماعات الإسلامية مثل حزب الله وداعش والقاعدة وميليشيات الحوثي، وجماعة الإخوان المسلمين.
لم تتحقق CNN بشكل مستقل من هذه المعلومات.
لم يستجب مركز التواصل السعودي للاتصالات الدولية ووزارة التربية والتعليم على طلب CNN للتعليق.
يقول الخبراء في المنطقة إنه في حين أن التغييرات في الكتب المدرسية ملحوظة، ينبغي النظر إليها في سياقها.
تعرضت المناهج الدراسية في المملكة العربية السعودية لرقابة مكثفة في الغرب بعد هجمات الحادي العشر من سبتمبر حيث كان 15 من الخاطفين الـ19 سعوديين. منذ ذلك الحين، تزيل المملكة تدريجياً المحتوى المتطرف من كتبها المدرسية.
قالت كريستين ديوان، كبيرة باحثين مقيمة في "معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، إن التغييرات الأخيرة تتماشى مع التوجه السياسي الجديد للمملكة "حيث تكون الأسرة الحاكمة مركزية لشرعيتها".
سعت الحكومة إلى الشرعية في الداخل والخارج لعقود من الزمن على الرغم من وضعها باعتبارها مهد الإسلام وموطن أقدس موقعين فيه، لكن المملكة تحركت في السنوات الأخيرة نحو شكل أكثر علمانية.
قالت لشبكة CNN عبر بريد إلكتروني: "يسمح ذلك بتخفيف اللغة الدينية التي تشوه الشيعة واليهودية والمسيحية. كما أنه يعطي مجالاً استراتيجيًا واسعاً للقيادة للحوار حول هذه القضايا الدينية، كما يتضح من خلال التركيز الأكبر على صنع السلام والتسامح".
لكن ديوان حذرت من أنه في حين أن اللغة الجديدة قد تظهر المزيد من التسامح الديني تجاه اليهودية، فإنها تترك "تُهمل القبول السياسي لإسرائيل".
وقالت: "يتفق ذلك مع الجهود المبذولة لتخفيف التعصب الديني تجاه اليهود، وتمهيد الطريق بشكل تدريجي في حالة اتخاذ قرار سياسي بشأن التطبيع مع إسرائيل."
العلاقة مع الاسلام
قال عزيز الغشيان، الباحث في السياسة الخارجية السعودية وعلاقاتها مع إسرائيل، إن المملكة "تشهد تغييرًا في علاقتها بالإسلام".
وأضاف "أنها لا تقوم بتهميشه، بل تجعله أكثر اعتدالًا وأكثر تسامحًا مع الآخرين. لم يكن الخطاب الديني متسامحًا بشكل كبير من قبل لأن المملكة العربية السعودية لم تتعرض للعولمة كما هي اليوم ... من الواضح أن هذا يتغير، ومن الواضح أيضًا أن الأمر سيستغرق وقتًا".
قال الغشيان إن التعديلات في الكتب المدرسية السعودية دقيقة ولا تشير إلى انتقال كبير نحو قبول إسرائيل.
وتابع: "يريد البعض في إسرائيل بشدة أن يحصل التطبيع مع السعودية لدرجة أن أي تفاعل بشأن إسرائيل سيُصوَّر على أنه شيء إيجابي تجاه التطبيع".
وقال لشبكة CNN إن التغييرات تشير إلى أن "السعوديين ربما يكون لديهم فهم أفضل لإسرائيل، هناك سوء في الفهم العام لإسرائيل في العالم العربي والمملكة العربية السعودية كما أن هذا الفهم يفتقر للدقة"، مضيفًا أن ذلك قد يتغير "وهو أمر إيجابي بالتأكيد".
تدفع إدارة جو بايدن المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، للبناء على اتفاقيات إبراهيم التي جعلت أربع دول عربية تعترف بالدولة اليهودية في إنجاز كبير في السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب في عام 2020.
فتحت السعودية مجالها الجوي لشركات الطيران الإسرائيلية للمرة الأولى العام الماضي لكنها أصرت على أنه لن يحدث تطبيع قبل قيام دولة فلسطينية.
لا يزال التطبيع من المحرمات بين الجمهور العربي. أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز العربي في واشنطن العام الماضي أن 84٪ من العرب الذين شملهم الاستطلاع لا يوافقون على اعتراف بلدانهم بإسرائيل. بلغت نسبة التأييد للتطبيع في السعودية 5٪.
قال إيلي بوده، أستاذ في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية، والذي درس النظم التعليمية على نطاق واسع في المنطقة، إن التغييرات جزء من "عملية طويلة جدًا" نحو الاعتدال.
وأضاف بوده: "هذه ليست مصادفة. إنها نوع من السياسة من أعلى وأعتقد أنه إذا جمعت بين الاتجاهين، محاربة التطرف والآخر، أن تصبح إسرائيل أكثر قبولًا بشكل تدريجي كلاعب في الشرق الأوسط، يمكنك حينها أن تفهم سبب رؤيتنا لهذه التغييرات في نظام التعليم".
لكن حتى حذف فصل كامل عن القضية الفلسطينية لا يعني أن الحكومة السعودية ستتوقف فجأة عن الاهتمام.
قال بوده: "من الواضح أنهم لا ينفون، إنهم يدعمون القضية الفلسطينية. الأمر ليس أنهم سيذهبون فجأة في اتجاه واحد وسيهملون الاتجاه الآخر. لا، لن يحدث ذلك بأي حال من الأحوال".
لكن بوده والخبراء الآخرين اتفقوا جميعًا على أن التصورات العامة عن إسرائيل ستتشكل بأكثر من مجرد الكتب المدرسية.
قال بوده: "إذا سألتني شيئًا قبل 20 عامًا مثلًا، فسأقول إن (الكتب المدرسية لها) تأثير كبير ... ولكن اليوم، تقلل وسائل التواصل الاجتماعي والعديد من أدوات التواصل الاجتماعي إلى حد ما من دور الكتاب المدرسي".
وأشارت ديوان إلى أن الكتب المدرسية مهمة، ولكن "آراء الناس تتأثر بالرسائل الإعلامية، الأحداث العالمية والتجارب الشخصية. ليس كل هؤلاء تحت سيطرة الدولة".