الأكبر منذ 20 عامًا.. كل ما تحتاج معرفته عن العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين
تقرير من إعداد هاداس غولد وروب بيشيتا، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN.
القدس (CNN)-- أنهت القوات الإسرائيلية أكبر عملية عسكرية لها في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة منذ 20 عامًا، بعد مقتل 12 فلسطينيًا على الأقل، وخلفت دمارًا واسع النطاق في أنحاء مخيم اللاجئين بالمدينة.
ظهرت جنين مرة أخرى كنقطة اشتعال للعنف في الضفة الغربية. وكان من بين القتلى مراهقون، كما قُتل جندي إسرائيلي، الثلاثاء الماضي، لكن الجيش الإسرائيلي قال إنه لم يُقتل أي من غير المقاتلين، رغم أنه أقر بوجود مدنيين بين أكثر من 100 جريح. وأعلنت الجماعات المسلحة في جنين عن مقتل 8 على الأقل من مقاتليها.
وشاهد فريق من شبكة CNN على الأرض في جنين، الأربعاء، طرقًا مدمرة تمامًا، وأضرارًا جسيمة بالمباني والمنازل والسيارات. كانت أطقم العمل تحاول إعادة التيار الكهربائي الذي انقطع بالكامل أثناء العملية. وأظهرت صور يوم الأربعاء السكان يعدون مقابر متجاورة في منطقة واحدة للقتلى الفلسطينيين البالغ عددهم 12.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي، يوم الاثنين، إن العملية التي استمرت أكثر من 48 ساعة، هي الأكبر في جنين منذ أكثر من 20 عامًا. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه العميق وقال إن جميع العمليات العسكرية يجب أن تتم في ظل احترام القانون الإنساني الدولي.
في الوقت الذي كانت تجري فيه العملية يوم الثلاثاء، قام سائق بدهس مشاة كانوا يقفون في مركز تسوق في تل أبيب وتحرك إلى خارج السيارة لطعن المدنيين بأداة حادة، وفقًا للشرطة الإسرائيلية التي وصفت ما حدث بأنه "هجوم إرهابي". وقالت الشرطة الإسرائيلية إن 8 أشخاص قد أصيبوا أحدهم في حالة خطرة وقتل سائق السيارة على يد مدني مسلح. وقالت حركة حماس الفلسطينية إن السائق كان أحد مقاتليها وأعلنت مسؤوليتها عن ذلك.
وفي الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء، بينما كان الجيش الإسرائيلي ينسحب من جنين، أطلق نشطاء في غزة 5 صواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية، والتي قالت إسرائيل إنه تم اعتراضها بنجاح.
وردًا على ذلك قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف ما أسمته مواقع أسلحة وصواريخ حماس في غزة. ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات فى غزة أو إسرائيل.
وجاءت العمليات بعد تصاعد التوترات في جنين والضفة الغربية على مدى 16 شهرا. إليك ما تحتاج إلى معرفته:
لماذا دخلت القوات الإسرائيلية إلى جنين؟
قام الجيش الإسرائيلي بشن عمليته الرئيسية في جنين في وقت مبكر من يوم الإثنين، حيث نفذ غارات جوية بطائرة بدون طيار وقد استهدف ما قال إنه مركز "قيادة وتحكم" للمسلحين في مخيم اللاجئين هناك.
شارك في هذا التوغل مئات الجنود، وتم تنفيذ 10 غارات جوية على الأقل بطائرات بدون طيار، إضافة إلى استخدام جرافات قالت إسرائيل إنها لنزع المتفجرات المحتملة المدفونة تحت الأسفلت. كما تضمن التوغل دبابات في ضواحي المدينة.
وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي للصحفيين يوم الاثنين إن العملية كانت مخططة منذ بعض الوقت، وذلك بهدف تفكيك "الملاذ الآمن" جنين التي أصبحت مقرًا للمسلحين. وقال المتحدث إن ما لا يقل عن 50 هجوم إطلاق نار على الإسرائيليين قد انطلق من جنين.
وبحسب المتحدث، دخل الجيش الإسرائيلي "كل نقطة" في مخيم اللاجئين وقال إنه تم اعتقال 120 شخصًا على الأقل. وقال الجيش الإسرائيلي إن جنوده فككوا "مئات المتفجرات ومخابئ أسلحة وأنفاق تحت الأرض". ووردت أنباء عن اشتباكات عنيفة بين الجنود والمسلحين.
فر آلاف الفلسطينيين خلال العملية من منازلهم في مخيم اللاجئين بالمدينة، حيث تضررت خدمات الكهرباء والمياه بشدة، بحسب مسؤولين فلسطينيين.
أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء الثلاثاء، أنه بدأ مغادرة المخيم. وفي صباح الأربعاء قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الجنرال دانيال هجري لمحطة الإذاعة العسكرية الإسرائيلية غالي تساهال: "لقد غادرت جميع القوات جنين. لقد انتهينا من العملية وقد تم تحقيق أهدافها".
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إن "العملية الواسعة في جنين ليست الوحيدة". وأضاف: "لن نسمح لجنين بالعودة إلى أن تكون ملجأ للإرهاب".
قال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الأربعاء، إن "العدو فشل واندحر من مخيم جنين يجر أذيال الخزي والهزيمة". وأضاف أنه رغم سقوط ضحايا فلسطينيين في المدينة، فإن "المقاومة لقّنت العدو درسا قاسيا وألحقت به خسائر كبيرة... وستجبره على إعادة حساباته كثيرًا عند التفكير في العدوان على شعبنا مرة أخرى".
ما الذي أدى إلى ذلك؟
تصاعدت التوترات في أنحاء الضفة الغربية منذ أكثر من عام، وخاصة خلال الأسابيع القليلة الماضية. ولكن في حين أن العمليات العسكرية هذا الأسبوع في جنين كانت الأكبر منذ سنوات، فقد أصبحت عمليات التوغل في مخيم اللاجئين في المدينة سمة من سمات الحياة لأولئك الذين يعيشون هناك.
وبدأت إسرائيل في شن غارات بشكل منتظم على مدن في الضفة الغربية المحتلة العام الماضي مستهدفة نشطاء بعد موجة من الهجمات الفلسطينية التي استهدفت إسرائيليين. وقد تركزت معظم الغارات على مدن جنين ونابلس، والتي وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها مناطق ساخنة للمتشددين.
كان العام الماضي أكثر الأعوام دموية على الإطلاق بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية وإسرائيل منذ أكثر من عقد.
وبلغت أحدث موجة من أعمال العنف ذروتها أواخر الشهر الماضي عندما هاجم مستوطنون إسرائيليون قرى فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة في هجمات انتقامية بعد مقتل 4 مستوطنين يهود من قبل نشطاء في حماس.
وقالت حماس، إن عمليات القتل هذه جاءت ردًا على عملية عسكرية إسرائيلية في منطقة جنين في 19 يونيو الماضي. وأسفرت العملية عن مقتل 7 وإصابة 91 فلسطينيا، بالإضافة إلى إصابة 8 جنود إسرائيليين.
في حين أصبح الهجوم العسكري سمة منتظمة في الضفة الغربية، كانت هناك زيادة ملحوظة في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الأشهر الأخيرة، حيث دعا الوزراء اليمينيون المتطرفون في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى توسيع وتحويل بؤر استيطانية غير مرخصة في الضفة الغربية إلى مستوطنات كاملة.
حذر نتنياهو المستوطنين اليهود بعد أحداث العنف التي وقعت الشهر الماضي من "الاستيلاء على الأراضي بشكل غير قانوني" في الضفة الغربية، حيث دقت الهيئات الإنسانية ناقوس الخطر بشأن سلسلة من الهجمات الشديدة على القرويين الفلسطينيين.
لكن في الوقت نفسه، أيد نتنياهو توسعات المستوطنات التي وافقت عليها الحكومة في الضفة الغربية، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.
هل توقيت العملية مهم؟
يحدث التصعيد في عمليات إسرائيل في الضفة الغربية مع وجود أكثر الحكومات يمينية في إسرائيل في السلطة. وتضم الحكومة أعضاء لديهم تاريخ من الآراء المتطرفة، لا سيما فيما يتعلق بالفلسطينيين.
وأدين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ذات مرة بتهمة دعم الإرهاب والتحريض على العنصرية ضد العرب. أثار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في وقت سابق من العام الجاري، احتجاجًا دوليًا عندما دعا إلى "محو" قرية فلسطينية بعد مقتل مستوطنين إسرائيليين هناك.
يأتي تصاعد التوتر أيضًا وسط محاولات من جانب حكومة نتنياهو لتمرير قانون إصلاح قضائي مثير للجدل في إسرائيل، والذي أثار خلال الأشهر القليلة الماضية بعض أكبر الاحتجاجات التي شهدتها البلاد.
تسببت الخلافات حول خطة الإصلاح القضائي في انقسامات عميقة في الرأي العام الإسرائيلي، والتي قال المحللون إنها غالبًا ما يتم تخفيفها وسط تهديدات الأمن القومي.
كيف تبدو الحياة في جنين؟
تقع جنين شمال الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وهي تخضع رسميًا لإدارة السلطة الفلسطينية منذ عام 1993.
تضم المدينة مخيمًا مكتظًا للاجئين، والذي كان محور الغارات هذا الأسبوع. تم إنشاء المخيم في عام 1953 للفلسطينيين الذين اقتلعوا من منازلهم بعد قيام إسرائيل في عام 1948. وبعد عقود، أصبحت الآن منطقة مبنية بها منازل ومتاجر ومدارس، ولكنها تعاني من أعلى معدلات الفقر بين جميع مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، بحسب الأمم المتحدة.
هذا المخيم موطن لأكثر من 17 ألف لاجئ فلسطيني في منطقة تقل مساحتها عن نصف كيلومتر مربع. توجد مدارس ومركز صحي في الداخل. ولكن تقول الأمم المتحدة إن مستويات البطالة وتعاطي المخدرات مرتفعة بين السكان.
أصبح المخيم مرتعًا للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي. حماس والجهاد الإسلامي لهما وجود كبير هناك، وقد تحدث أعضاء في "لواء جنين"، وهي مجموعة تم تشكيلها مؤخرًا، لشبكة CNN العام الماضي، وحثوا القادة الفلسطينيين على الانضمام إلى المقاومة المسلحة.
شهدت جنين موجات من العنف على مدى العقدين الماضيين، فقد احتلت القوات الإسرائيلية المخيم في عام 2002 خلال الانتفاضة الثانية، أو الانتفاضة الفلسطينية ضد إسرائيل، بعد 10 أيام من القتال المكثف، مما أدى إلى تدمير 400 منزل وتشريد ربع السكان، وفقًا للأمم المتحدة.
ووصف مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط، الذي زار مخيم جنين للاجئين في ذلك الوقت، المشهد بأنه "صادم ومروع ولا يمكن تصوره"، حيث امتلأ الهواء برائحة الجثث المتحللة.
كيف كان رد فعل المجتمع الدولي؟
أعربت المنظمات الدولية عن قلقها.
أدانت منظمة "أطباء بلا حدود" عدم توفر الخدمات الطبية لمن أصيبوا. وقالت المنظمة: "دمرت الجرافات العسكرية العديد من الطرق المؤدية إلى مخيم جنين للاجئين، مما جعل وصول سيارات الإسعاف إلى المرضى شبه مستحيل. بالإضافة إلى ذلك، أُجبر المسعفون الفلسطينيون على المضي قدمًا سيرًا على الأقدام للوصول إلى الأشخاص الذين في أمس الحاجة إلى علاج طبي في منطقة تشهد إطلاق نار نشط وهجمات بطائرات بدون طيار".
وقالت وكالة تابعة للأمم المتحدة، الثلاثاء، إنها شعرت بالقلق من حجم الغارات.
وبحسب رويترز، قالت فانيسا هوغينين المتحدثة باسم مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، في إفادة صحفية: "إننا نشعر بالقلق من حجم العمليات الجوية والبرية التي تجري في جنين بالضفة الغربية المحتلة، والضربات الجوية التي تقصف مخيمًا للاجئين مكتظًا بالسكان".
في غضون ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، لشبكة CNN يوم الإثنين، إن وزارة الخارجية "تتابع عن كثب الوضع في جنين والضفة الغربية".
وأضاف المتحدث: "نحن ندعم أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن شعبها ضد حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني والجماعات الإرهابية الأخرى". وتؤكد أحداث اليوم على الحاجة الملحة لقوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية للعمل معًا لتحسين الوضع الأمني في الضفة الغربية.
وتابع المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قائلا: "من الضروري اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لمنع الخسائر في أرواح المدنيين".