رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب: رسالة من أكاديمي إماراتي إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن
هذا المقال بقلم الدكتور عبدالخالق عبدالله، عضو مشروع "مفكرو الإمارات"، وكبير الزملاء في جامعة هارفرد، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
سيادة الرئيس جو بايدن
لقد ذكرت ذات مرة: "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا خلق إسرائيل". كان ذلك سنة 1986. وفي سنة 2020 قلت: "أنا أفتخر بأني صهيوني". لقد جسدت بأقوالك وأفعالك خلال الحرب على غزة أنك فعلاً إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين وأنك صهيوني أكثر من غلاة المستوطنين الصهاينة. فهل لي يا سيادة الرئيس أن أسألك من أين جئت بهذا التماهي السيكوباثي مع المشروع الصهيوني الاستيطاني؟ ومن أين جئت بهذا الكره والبغض للحق الفلسطيني والدعم المطلق للباطل الإسرائيلي؟
سيادة الرئيس جو بايدن
لقد أكمل الصراع العربي الاسرائيلي 75 عامًا تعاقب عليه 14 رئيساً أمريكياً. كانت إسرائيل خلال كل هذه الفترة الزمنية أولوية أمريكية مقدسة. حصلت إسرائيل على دعم أمريكي لم تحصل عليه العديد من الولايات الأمريكية نفسها بما فيها تخصيص 14 مليار دولار لتمويل حربها على غزة. هل لي يا سيادة الرئيس أن أسأل، لماذا هذا الإصرار لدعم حرب غير عادلة والوقوف إلى جانب الباطل؟ هل في قاموس سيادتك معنى آخر لما هي العدالة والإنسانية؟
حضرة الرئيس جو بايدن
جميع الرؤساء من قبلك قدموا الولاء والطاعة للوبي الإسرائيلي في أمريكا. همهم الحصول على الصوت والدعم المالي والإعلامي اليهودي الحاسم. لقد عرف هؤلاء أن الطريق إلى البيت الأبيض يمر عبر كسب أكبر عدد ممكن من أصوات 6 ملايين يهودي أمريكي مقابل ثمن واحد ووحيد هو الدعم السياسي والعسكري غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي. لكن لم يجرؤ أحد من هؤلاء الرؤساء، منذ الرئيس هنري ترومان سنة 1946 وحتى الرئيس دونالد ترامب أن يقول إنه صهيوني ويفتخر. من أين جئت بهذا الوله بالصهيونية؟ هل هي في جيناتك الوراثية؟ أم أنها جزء من عقيدتك البايدنية؟
سيادة الرئيس جو بايدن
انحيازك الشخصي لإسرائيل تجاوز كل ما هو معقول ومقبول، قولا وفعلا وغلوا. أنا ضد قتل حركة حماس للمدنيين يوم 7 أكتوبر. قتل المدنيين ليس مقاومة. قتل المدنيين من طرفي النزاع خط أحمر. لكن لم أسمع إدانتك الواضحة والقوية لجرائم الجيش الإسرائيلي في غزة. أنت لا تملك شجاعة إدانة جرائم إسرائيل. انحيازك الأعمى لإسرائيل أعماك عن رؤية عدالة قضية فلسطين. أخذت تبرر ما لا يجب تبريره.
سيادة الرئيس جو بايدن
لقد حولت حرب إسرائيل على غزة إلى حرب أمريكا على غزة. وأصبحت حرب بنيامين نتنياهو على غزة حرب جو بايدن على غزة. في سنوات عمرك الأخيرة، زرعت في الأذهان صورتك كرجل حرب وليس رجل سلام. أرسلت حاملات طائراتك على وجه السرعة، جهزت آلاف من جنودك للمشاركة في حرب الإبادة على غزة. وقفت دقيقة صمت على قتل 1600 اسرائيلي ولم تقف ثانية صمت واحدة للترحم على مقتل أكثر من 5 آلاف فلسطيني والعدد في تزايد مستمر. دافعت دون وجه حق عن جريمة قصف مستشفى المعمداني الذي قتل فيه 500 فلسطيني. خلال ست ساعات من زيارتك لإسرائيل قُتل 120 طفلا فلسطينيا لا علاقة لهم بحماس. لقد كنت شاهداً على مقتل 20 طفلاُ فلسطينيا في كل ساعة من ساعات تواجدك في إسرائيل. هل تود يا سيادة الرئيس أن تزايد على نتنياهو في نتنياهينيته؟ كيف سمحت له أن يجرجرك إلى حربه لتصبح يدك ملطخة بالدماء؟
سيادة الرئيس جو بايدن
كل شبر من إسرائيل هي أرض فلسطينية مسروقة، وكل مستوطنة إسرائيلية هي قرية فلسطينية محتلة. هناك شبه بين ما يمارسه المستوطن الإسرائيلي في فلسطين وما مارسه المستوطن الأوروبي عند قدومه إلى أمريكا. أجدادك ارتكبوا جرائم بحق سكان أمريكا الأصليين والمستوطن الإسرائيلي يرتكب نفس الجرائم في فلسطين. تحول المستوطن الإسرائيلي إلى وحش خارج عن السيطرة. انفلت هذا الوحش من عقاله وتمادى في عدوانه ضد الشعب الفلسطيني. لماذا يا سيادة الرئيس تود أن تكون شريكًا في دعم وتمويل وتسليح "هذا الوحش"؟
حضرة الرئيس بايدن
يقال إن هناك حربا عادلة وأخرى غير عادلة. درست ذلك في مادة الفكر السياسي بجامعة جورج تاون في واشنطن، حيث أنجزت شهادة الدكتوراه. أمريكا خاضت حروبا غير عادلة عديدة منذ استقلالها في 4 يوليو 1776، كان آخرها حرب العراق سنة 2003 حيث دفعت ثمناً باهظاً. فاتورة تلك الحرب بلغت 2 تريليون دولار، وقتل 4431 جنديا أمريكيا وربع مليون عراقي. الحرب على غزة هي أيضا حرب غير عادلة. فهي حرب غير متكافئة، والجيش الإسرائيلي يستخدم فائض العنف ضد المدنيين، ويدمر مدارس و20 مستشفى و31 مسجدا وكنيسة، ويفرض عقوبات جماعية ضد 2,3 مليون نسمة من سكان غزة. متى ستدرك يا سيادة الرئيس المحترم، أن للطفل الفلسطيني الحق في حياة آمنة وحرة وكريمة كبقية أطفال العالم، وأن للشعب الفلسطيني حق في دولة مستقلة كبقية شعوب العالم؟
حضرة الرئيس جو بايدن
ما لم يحصل الشعب العربي في فلسطين على حق تقرير مصيره لن يتحقق الأمن والاستقرار في منطقة عانت أكثر من غيرها من عدم الاستقرار. كل ما هو مطلوب سلام عادل وفق الشرعية الدولية. أنت تعلم أن هذا يمكن تحقيقه بجرة قلم منك خلال ساعات إذا قامت أمريكا بلجم إسرائيل. هل هذا بكثير في نظرك؟
الرئيس جو بايدن
هذه ثاني رسالة من أكاديمي إماراتي موجهة لسيادتك. كانت الرسالة الأولى خلال زيارتك للمنطقة قبل نحو سنة، تدعوك للتعامل مع بروز خليج عربي جديد واثق من نفسه ومستقبله؟ أما هذه الرسالة فهي رسالة تذكير بأبسط القيم والمبادئ والحقوق، وهي أيضاً رسالة تنبيه أن مصالح أمريكا في المنطقة في خطر وأن الحرب على غزة ستكون مدمرة وباهظة أكثر مما تتوقع.