علاقات إسرائيل مع الأمم المتحدة وصلت إلى أدنى مستوياتها تاريخيا.. إليكم السبب
(CNN)-- تدهورت علاقات إسرائيل مع الأمم المتحدة إلى أدنى مستوى تاريخي بعد تصاعد الخلاف بين الاثنين هذا الأسبوع.
استخدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأربعاء، أداة نادرا ما تستخدم لكنها قوية في سعيه الحازم لوقف إطلاق النار في غزة، مما أثار غضب الدبلوماسيين الإسرائيليين.
تسمح المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة للأمين العام للأمم المتحدة بلفت انتباه مجلس الأمن إلى "أي قضية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة لصون السلم والأمن الدوليين". واستخدم غوتيريش، في رسالة إلى المجلس المؤلف من 15 عضوا، تلك الأداة الدبلوماسية وحث المجلس على "الضغط لتجنب كارثة إنسانية" والتوحد في الدعوة إلى وقف إنساني كامل لإطلاق النار.
وتعارض إسرائيل بشدة الدعوات لوقف إطلاق النار، بحجة أنها تحتاج إلى مواصلة هجومها في غزة للقضاء على حماس بعد أن هاجم مسلحوها البلاد في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 240 رهينة. وأدت الحملة الإسرائيلية على غزة إلى مقتل أكثر من 16 ألف شخص، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، التي تجمع تقاريرها مع بيانات من مصادر طبية في غزة التي تديرها حماس.
انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين الأمين العام للأمم المتحدة بسبب رسالته، قائلاً إن ولاية الأمين العام للأمم المتحدة تشكل “خطراً على السلام العالمي” وأن دعوته لوقف إطلاق النار في غزة ترقى إلى مستوى دعم حماس وهجوم 7 أكتوبر.
كانت رسالة غوتيريش هي المرة السابعة في تاريخ الأمم المتحدة الممتد لـ 78 عامًا، التي يتم فيها تفعيل المادة 99، والمرة الأولى التي يتم استخدامها منذ عام 1989، عندما حث الأمين العام آنذاك خافيير بيريز دي كوييار مجلس الأمن على الدعوة إلى وقف إطلاق النار. خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وفقاً لدانيال فورتي، أحد كبار محللي الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل.
وقال فورتي لشبكة CNN عن خطوة غوتيريس: لقد كانت "لكمة رمزية.. نداء عاجل للتحرك الدبلوماسي لوقف الكارثة الإنسانية في غزة من عبور نقطة اللاعودة".
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت، الجمعة، حق النقض (الفيتو) خلال تصويت في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وسط قلق متزايد بشأن عدد القتلى المدنيين هناك.
وقال فورتي إنه من غير المرجح أن تؤدي رسالة غوتيريش إلى تغيير الديناميكيات السياسية داخل مجلس الأمن، لكنها قد تزيد من إلحاح العمل الدبلوماسي. وقال: "نظرًا لأن هذه الأداة نادرًا ما تستخدم، فإن لها تأثيرًا أخلاقيًا".
وكان غوتيريش قد واجه بالفعل انتقادات شديدة من قبل إسرائيل، التي شعرت منذ فترة طويلة أن الأمم المتحدة متحيزة ضدها، وقد دعا العديد من المسؤولين الإسرائيليين علنًا إلى استقالته. وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة مرارا هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، بما في ذلك في الرسالة التي استشهد فيها بالمادة 99.
وقالت غابرييلا شاليف، التي شغلت منصب سفيرة إسرائيل لدى الأمم المتحدة من عام 2008 إلى عام 2010، إن العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة في أدنى مستوياتها التاريخية الآن، مشيرة إلى أن العلاقات توترت بعد وقت قصير من إنشاء إسرائيل في أعقاب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947.
لقد فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الاتفاق على كيفية الرد على هجمات حماس والحرب اللاحقة التي شنتها إسرائيل على الحركة الفلسطينية المسلحة، مع وقوع اشتباكات بين المعسكرين المتنافسين داخل المجلس، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا. وفي الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، صدر قرار يدعو إلى إطلاق سراح جميع الرهائن لدى حماس فوراً، فضلاً عن اعتماد هدنة إنسانية عاجلة وممتدة. وقد انتقدت إسرائيل فشل المجلس في إدانة هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وقد استخدم الدبلوماسيون الإسرائيليون منصاتهم في الأمم المتحدة للتنديد بالمنظمة الدولية منذ بدء الحرب. كان جلعاد إردان، السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، وموظفوه يرتدون نجمة صفراء للاحتجاج على تقاعس الأمم المتحدة المزعوم عن هجوم حماس، مما يستحضر ذكريات اضطهاد اليهود في الحقبة النازية.
لقد كان هو وكوهين، وزير الخارجية، في قلب محاولات إسرائيل لتشويه سمعة الأمم المتحدة ورئيسها.
في 24 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى غوتيريش خطابا أمام مجلس الأمن أدان فيه "بشكل لا لبس فيه" هجوم حماس، لكنه قال إن ذلك لم يحدث "من فراغ"، وإن الفلسطينيين "تعرضوا لـ 56 عاما من الاحتلال الخانق" من قبل إسرائيل.
وأثار ذلك غضب الدبلوماسيين الإسرائيليين. وردا على ذلك، دعا إردان الأمين العام إلى الاستقالة وقال إن بلاده ستمنع منح تأشيرات لمسؤولي الأمم المتحدة “لتلقينهم درسا”. وأشار إلى أن مسؤولي حماس كانوا يستشهدون بخطابه كمبرر لهجومهم، واتهموا الأمم المتحدة بمعاداة السامية، ودعوا إلى وقف تمويلها.
ورفض كوهين لقاء غوتيريش منذ ذلك الحين، قائلاً إنه “لا يوجد مكان لنهج متوازن” تجاه هجوم 7 أكتوبر، ودعاه مراراً وتكراراً إلى الاستقالة.
وقالت شاليف، السفيرة الإسرائيلية السابقة، إن الطريقة التي يتعامل بها الدبلوماسيون الإسرائيليون مع الصراع مع الأمم المتحدة "ليست الطريقة الصحيحة"، ويدعو بشكل خاص إلى استقالة الأمين العام. وأضافت أن تجاهل آراء الأمم المتحدة أو ترك المنظمة لن يساعد إسرائيل.
وقالت: “يتم تعيين الأمين العام من قبل الجمعية العامة، والهيئة الوحيدة التي يمكنها إقالته أو إجباره على التقاعد هي الجمعية العامة”.
الخلاف يتجاوز الأمين العام
لقد ذهب خلاف إسرائيل مع الأمم المتحدة إلى ما هو أبعد من الأمين العام. كما انتقد المسؤولون الإسرائيليون منظمة الصحة العالمية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، والمقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز.
وفي الوقت نفسه، قُتل أكثر من 100 من موظفي الأمم المتحدة في غزة منذ بدء الصراع، وهي أكبر خسارة في تاريخ المنظمة العالمية. وتوظف الأونروا أكثر من 10,000 شخص في غزة. والتزمت مكاتب الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم دقيقة صمت ونكست أعلامها الشهر الماضي تكريما لهم. وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الشهر الماضي إنها سجلت أضرارا جانبية ومباشرة لأكثر من 60 من منشآتها، معظمها مدارس تؤوي آلاف المدنيين.
وكانت الأونروا هدفا رئيسيا للانتقادات الإسرائيلية. تأسست المنظمة من قبل الأمم المتحدة بعد عام من الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، لتقديم الإغاثة للفلسطينيين النازحين. وتعرّف اللاجئين الفلسطينيين بأنهم أولئك الذين طُردوا من ديارهم أثناء إنشاء إسرائيل عام 1948، وكذلك أحفادهم، مما يؤهلهم للعودة إلى ديار أجدادهم فيما يعرف الآن بإسرائيل. ويبلغ عدد الأشخاص الذين ينطبق عليهم هذا التعريف الآن 5.9 مليون نسمة. ورفضت إسرائيل فكرة إمكانية عودتهم، بحجة أن هذه الخطوة ستبطل طابعها اليهودي.
ولطالما اتهمت إسرائيل الأونروا بالتحريض ضد إسرائيل، وهو ما نفته الأونروا مرارا وتكرارا، وفي عام 2017، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تفكيك الهيئة التابعة للأمم المتحدة، قائلا إنه يجب دمجها مع وكالة اللاجئين الرئيسية التابعة للأمم المتحدة.
منذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، أعاد الصحفيون ووسائل الإعلام الإسرائيلية تركيز اهتمامهم على الأونروا وقاموا بتضخيم القصص التي تشكك في دورها في الحرب.
في الشهر الماضي، ادعى صحفي إسرائيلي على منصة التواصل الاجتماعي X(تويتر سابقا)، أن أحد محتجزي الرهائن في غزة كان مدرسا في مدرسة تديرها الأونروا. وقد تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا التقرير، مما دفع الوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى إصدار بيان يدعو إلى “الوقف الفوري” لنشر “الادعاءات التي لا أساس لها” حول المنظمة، قائلة إنها ترقى إلى "معلومات مضللة".
وهناك قصة أخرى تناولتها وسائل الإعلام الإسرائيلية على نطاق واسع، ادعت أن الجيش الإسرائيلي عثر على أسلحة في غزة مخزنة أسفل صناديق الأونروا، مما يشير إلى أن وكالة الأمم المتحدة يمكن أن تكون متواطئة في نضال حماس. وقال إردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، إن الفيديو يثبت أن الأمم المتحدة أصبحت "شريكة في الإرهاب".
وقد نفت الأونروا مرارا وتكرارا المزاعم القائلة بأن مساعداتها يتم تحويلها وأنها تقوم بتدريس الكراهية في مدارسها، وشككت في "دوافع أولئك الذين يطلقون مثل هذه الادعاءات، من خلال حملات المناصرة الكبيرة". وأدانت هجوم حماس ووصفته بأنه “بغيض”.