بين آرائهم السياسية وواقع الحرب في غزة.. جنود إسرائيليون يوضحون صعوبة التعامل مع الوضع الراهن
يقول عاموس شاني أتزمون إنه لا يلوم الفلسطينيين في غزة على كرههم لإسرائيل في الوقت الحالي. إذ رأى أتزمون أن "لديهم أسباب وجيهة حقا.. عندما ترى المدن تشتعل فيها النيران وتتعرض للقصف... كان لدي صديق مقرب قُتل في غزة، وأنا أفكر في الأشخاص الذين قُتلت عائلاتهم بأكملها في القصف".
تم استدعاء جندي الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، أتزمون، 26 عامًا، بعد ساعات قليلة من شن حماس هجومها على إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واختطاف 253 آخرين.
وسرعان ما ردت إسرائيل على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بحملة قصف جوي واسعة النطاق، أعقبتها عملية برية. وقتل أكثر من 27 ألف شخص في غزة منذ ذلك الحين، وفقا لوزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس في القطاع. ووفقا لوكالات الأمم المتحدة، فإن 400 ألف من سكان غزة معرضون لخطر المجاعة.
ولا تفرق الوزارة بين مقاتلي حماس والمدنيين، لكنها تقول إن نحو 70% من الضحايا هم من النساء والأطفال. وتقدر إسرائيل أنها قتلت نحو 10 آلاف من مقاتلي حماس منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولم تتمكن CNNمن تأكيد هذه الأرقام بشكل مستقل.
ويشعر المجتمع الدولي، بما في ذلك بعض أقرب حلفاء إسرائيل، بالرعب المتزايد إزاء حجم العنف الممارس على المدنيين في غزة.
وجدت محكمة العدل الدولية أنه من "المعقول" أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة وأمرت إسرائيل "باتخاذ جميع التدابير" للحد من الموت والدمار الناجمين عن حملتها العسكرية، ومنع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية. إن قرار محكمة العدل الدولية ليس حكمًا بشأن ما إذا كانت تصرفات إسرائيل تشكل إبادة جماعية.
وبصرف النظر عن ذلك، لم يتغير سوى القليل على أرض الواقع.
وقال أتزمون إنه “الرجل اليساري” في وحدته. ومثل عشرات الآلاف غيره، أمضى معظم الربيع والصيف الماضيين في الاحتجاج ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وخططه لإصلاح القضاء الإسرائيلي.
حكومة نتنياهو هي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، حيث ترفض فكرة الدولة الفلسطينية وتدعم المستوطنات اليهودية داخل الضفة الغربية.
وفي الوقت نفسه، يريد أتزمون أن تعمل إسرائيل على تحقيق حل الدولتين. وأضاف: "الشعب الفلسطيني لن يتوقف أبدًا عن قتالنا حتى يحصل على حكم ذاتي خاص به. وأعتقد أن الهدف النهائي يجب أن يكون كذلك".
وفي بعض الأحيان، يصعب التوفيق بين آرائه السياسية وواقع كونه جنديًا يقاتل نيابة عن حكومة لا يدعمها. ويقول إنه كان يتصارع مع هذا الأمر منذ أن بدأ في تكوين آرائه السياسية في سن الخامسة عشرة تقريبًا، مترقبًا خدمته العسكرية - وهو أمر يجب على كل شخص تقريبًا في إسرائيل إكماله.
وقال: "أنا محطم بسبب موت الناس في غزة، الأطفال والمسنين. مجرد رجال عاديين (بعمر) 26 عامًا، مثلي، لا نريد أن نموت. ولكن لدي الحق في الدفاع عن نفسي والدفاع عن عائلتي وأصدقائي وأحبائي”، رافضًا فكرة أن هجوم حماس كان عملاً من أعمال “المقاومة” ضد الحصار الإسرائيلي. وتابع: "أنا لا أقول إن هذا ليس وضعا معقدا. لكنني متأكد بنسبة 100% أنني على الجانب الصحيح من التاريخ، وأنني أحاول الدفاع عن الناس".
وأضاف: "ما حدث في الكيبوتسات بدا وكأنه أكثر شيء غير إنساني شهدته على الإطلاق. لذلك عندما أواجه هذا النوع من الشر، شعرت، وما زلت أشعر، أن الدخول في الحرب هو الطريق الوحيد". وتابع: "لأن هؤلاء ليسوا أشخاصًا يمكنني التحدث معهم أو فهمهم".
وقُتل مئات الأشخاص في بئيري ونير عوز وكفار عزة وغيرها من الكيبوتسات القريبة من محيط غزة.
وقال أتزمون إنه يريد أن يغادر نتنياهو، الذي يحاكم بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، من منصبه بأقرب فرصة، وأضاف: "كان ينبغي أن يستقيل في السابع من أكتوبر. أردت أن أستيقظ في اليوم الثامن وأشاهده على شاشة التلفزيون وهو يقول للناس: "آسف لقد خذلتكم.. أنا أتنحى"، لكن هذا لم يحدث"، مشيرًا إلى أنه أنه كان سيرحب بأي شخص آخر تقريبًا في هذا المنصب".
يدرس أتزمون ليصبح أخصائيًا اجتماعيًا، وهو شغوف بمعتقداته السياسية. ومع ذلك، بصفته جنديًا، فقد حارب جنبًا إلى جنب مع أشخاص لديهم آراء أبعد ما تكون عن آرائه.
الخدمة العسكرية إلزامية لجميع المواطنين اليهود وللمواطنين الدروز والشركس الذكور في إسرائيل. يُعفى المواطنون العرب واليهود المتدينون من الخدمة، على الرغم من أنهم قد يختاروا الانضمام إليها.
وتعني قوانين التجنيد الصارمة أن الجيش متنوع سياسيا مثل المجتمع الإسرائيلي. الأشخاص الذين لا يتقاطعون مع بعضهم البعض فجأة يندمجون معًا ويُجبرون على التغلب على خلافاتهم.
إيمانويل، جندي احتياط يبلغ من العمر 35 عامًا ويخدم حاليًا في وحدة قتالية في قطاع غزة وما حوله، يميني متحمس.
وعلى عكس أتزمون، لا يزال إيمانويل في الخدمة الفعلية ويمنع رسميًا من التحدث إلى الصحفيين. ولذلك طلب من CNN عدم نشر اسمه الكامل.
وهو يعتقد أن إسرائيل ستحتاج إلى السيطرة على غزة لسنوات قادمة، متفقا مع نتنياهو الذي قال إنه يريد من إسرائيل أن تتحمل “المسؤولية الأمنية الشاملة” في القطاع “لفترة غير محددة” بعد انتهاء الحرب.
وقال إيمانويل إن الضفة الغربية يمكن أن تكون بمثابة مخطط لمستقبل غزة. وحقيقة أنه يشير إلى المنطقة باسمها التوراتي والممالك الإسرائيلية القديمة ــ "يهودا والسامرة" ــ ليست سوى تذكير بسيط بأنه في هذه المنطقة التي تتسم بالانقسامات والتعقيدات، فإن الكلمات التي يختارها المرء تتحدث عن مجلدات من قناعاته.
إن استخدام الاسم التوراتي للوطن القديم للشعب اليهودي هو إحدى الطرق التي تحاول بها الحكومة الإسرائيلية إضفاء الشرعية على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.
من ناحية أخرى، يطلق عليها أتزمون اسم الضفة الغربية ويقول إنه “متأكد جدًا” من أنها تحت الاحتلال.
وقال إيمانويل لشبكة CNN في مقابلة عبر الهاتف، متحدثاً من قاعدته بالقرب من قطاع غزة: "يجب على [الفلسطينيين] أن يسيطروا على منطقتهم كما يفعلون في (بعض الأجزاء) من يهودا والسامرة، ولكن حيث يمكن لإسرائيل الوصول إلى كل قرية وكل مدينة". وأضاف: “إذا أردنا الدخول إلى رام الله، فلا توجد مشكلة. ندخل رام الله ونحيد التهديد".
ويذهب بعض شركاء نتنياهو في الائتلاف إلى أبعد من ذلك، إذ يقترحون بناء مستوطنات يهودية في غزة.
إن قضية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية تشكل بالفعل خط صدع كبير داخل المجتمع الإسرائيلي وفي العلاقات الدبلوماسية للبلاد. وأثارت فكرة بناء المستوطنات في غزة قلق حلفاء إسرائيل، حيث انتقد كبير الدبلوماسيين الأميركيين هذه الخطط.
ويرفض نتنياهو نفسه حتى الآن فكرة بناء مستوطنات جديدة في غزة باعتبارها "غير واقعية"، قائلا في بيان باللغة الإنجليزية إن "إسرائيل ليس لديها أي نية لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين".
لكن إيمانويل يؤيد هذه الفكرة.
وقال: "يجب علينا إنشاء مستوطنات جديدة. ليس لأننا نريد محو الفلسطينيين. لا، يجب أن نحقق انتصارًا واضحًا وحقيقيًا على أعدائنا، وهو ما سيفهمه الجميع"، وتابع: "هذا هو الثمن الذي تدفعونه إذا عبثتم معنا".
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.9 مليون شخص في غزة، أو ما يقرب من 85% من السكان، أصبحوا نازحين داخلياً، وفقاً للأمم المتحدة. إن الجهود المبذولة لإجبارهم على ترك منازلهم بشكل دائم ستشكل انتهاكًا للقانون الدولي – وهي من بين الحجج التي قدمتها جنوب إفريقيا في قضيتها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.
وقال الجندي إن "السبب الثاني هو الأمن. نحن نعلم من يهودا والسامرة أنه من الأسهل السيطرة على الأمن في المنطقة إذا كانت لديك مستوطنات هناك".
لقد أصبحت الانقسامات والخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي حول مستقبل غزة والضفة الغربية أعمق وأكثر سخونة منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ومع ذلك، لا يتفق الجميع مع الأمر.
بالنسبة للجندي المقاتل مندل البالغ من العمر 19 عامًا، تبدو الخلافات السياسية بلا معنى إلى حد ما في هذه المرحلة.
وقال لشبكة CNN في مقابلة من مركز في القدس تديره منظمة Never Alone، وهي منظمة تقدم الدعم لـ "الجنود الوحيدين" بدون عائلة في إسرائيل: "السياسة... لا تهم حقاً. أنت في الجيش وأنت هناك لحماية الناس وحماية بعضنا البعض. ولا يهم ما هو رأيك، أو ما تبدو عليه أو من أين أنت".
وقرر مندل، وهو أمريكي من لونغ آيلاند، الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي بعد أن عاش في إسرائيل لبضع سنوات.
على عكس إيمانويل وأتزمون، لا يتمتع مندل بخبرة عسكرية سابقة. تم تجنيده قبل أشهر قليلة فقط من اندلاع الحرب وتم ارساله منذ ذلك الحين إلى غزة كجزء من كتيبة نيتسح يهودا – وهي وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي مصممة خصيصًا لاستيعاب رجال الدين. كما طلب من CNN عدم نشر اسمه الكامل بسبب خدمته النشطة.
وقال إنه عندما تم تجنيده، لم يكن يعتقد أنه سيشارك في الحرب. وأضاف أن الأمور تغيرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وتابع: "إنهم ما زالوا يحتجزون الرهائن هناك. ماذا تريد منا أن نفعل؟ إذا تراجعنا وما زالوا يحتجزون رهائننا؟ ماذا ستفعل لو كنت أنت مكانهم؟ ماذا تريد من عائلتك أن تفعل لو كنت أنت؟".
محادثات صعبة
ووفقا للجيش الإسرائيلي، قُتل 224 جنديا إسرائيليا في غزة منذ بدء العملية البرية في أواخر أكتوبر.
وقال أتزمون إن من بينهم صديقه المقرب الذي قتل في معركة في جنوب غزة في أواخر ديسمبر.
وقال أتزمون لشبكة CNN إن الاثنين أجريا العديد من المحادثات حول الحرب والمدنيين المحاصرين فيها، وهو أمر يعتبره جزءًا من واجبهم كجنود.
وقال خلال مقابلة في القدس الأربعاء، بعد أيام قليلة فقط من عودته من منزله: "من واجبنا أن نفكر في الأمر ونناقشه لأن المسافة بين القتال من أجل أحبائك وقتل الناس من أجل الانتقام هي في الحقيقة صغيرة جدًا".
وقال إنه يعتقد أن الجنود الأفراد والجيش بشكل عام يجب أن يجروا محادثات مستمرة حول القوة المتناسبة.
وأضاف: "لأنه إذا لم نفعل ذلك، إذا دخلنا غزة وفعلنا ما نريد بدافع الانتقام المطلق، فسنكون سيئين مثل حماس. ونحن لسنا كذلك. لن أسمح لهم بتحويلي إلى قاتل".
لكن الكثيرين خارج إسرائيل يقولون إن حدود التناسب قد تم تجاوزها. وفي عرض غير مسبوق للمعارضة المنسقة، وقع أكثر من 800 مسؤول من الولايات المتحدة وأوروبا على انتقادات لاذعة للسياسة الغربية تجاه إسرائيل وغزة، واتهموا حكوماتهم بالتواطؤ المحتمل في جرائم حرب.
وقال إيمانويل إنه يتعاطف أيضًا مع المدنيين الأبرياء. لكنه قال إنه يعتقد أن خوض الحرب بالطريقة التي تُدار بها حاليًا هو الخيار الوحيد.
وقال إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت مخطئة في الاعتقاد بأن إبقاء غزة مغلقة وتحت الحصار من شأنه أن “يدير” الوضع.
وأضاف: "لا أعتقد أن تشرشل أو روزفلت اعتقدا أنهما قادران على التعامل مع هتلر. لا يمكنك التحكم بأعدائك. وقال: إما أن نسمح لهم بتدمير بلادنا أو نهزمهم. ولكي نكون واضحين، نحن لسنا في حالة حرب مع الشعب الفلسطيني في غزة. حربنا هي مع حماس. لا أحد يريد أن يقتل مدنياً بريئاً، أو امرأة بريئة، أو طفلاً بريئاً – ولكن إذا كان علينا خوض حرب، فهناك ضحايا".
وقال مندل، وهو الأصغر بين الثلاثة، إنه يشعر بقوة بالظلم "الرهيب" الذي يتعرض له الأبرياء الذين يموتون.
وقال: “لا ينبغي للحروب أن تحدث، ما كان ينبغي لـ (حماس) أن تبدأ هذا ولم يكن ليحدث أي من هذا”. وتابع: "لا أعتقد أن البدء فيها يبرر موت أي مدنيين، لكنها حرب والحرب شيء فظيع ووحشي، لكنها إما ذلك أو كانوا سيذبحون بقيتنا والابتسامة على وجوههم".
والأهم من ذلك كله أنه قال إنه يريد فقط أن تنتهي الحرب. وقال إنه يفتقد عائلته، وأمه بشكل خاص.
وأضاف: "إنها الأفضل على الإطلاق.. إنها تصنع أفضل حلة في العالم”، في إشارة إلى الخبز اليهودي التقليدي الذي يتم تقديمه في المناسبات الخاصة.
لدى مندل حوالي عامين متبقيين من خدمته العسكرية. لا أحد يستطيع أن يخمن ما إذا كانت الحرب ستنتهي بحلول الوقت الذي ينتهي فيه.