رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب لـCNN: "قناع بلون السماء" رواية فلسطينية تنطلق نحو العالمية من الإمارات

نشر
7 دقائق قراءة
رأي عبدالخالق عبدالله
Credit: Arabic_Fiction

هذا المقال بقلم عبدالخالق عبدالله، عضو مؤسس في مشروع مفكرو الإمارات، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

محتوى إعلاني

لم يأتِ فوز رواية "قناع بلون السماء" للروائي الفلسطيني باسم خندقجي، بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" لسنة 2024، مفاجئًا لمن قرأها من محبي أدب السرد العربي. فالرواية بديعة نصًا وحبكة، وتم اختيارها من بين 132 رواية، ونافست بجدارة خمس روايات جديرة بالفوز بالجائزة في دروتها الحالية. ولا شك أن وضع كاتبها كمعتقل في سجن عوفر الإسرائيلي منذ 20 سنة ساهم في الاحتفاء بها من قبل الوسط الثقافي العربي. فالرواية كُتبت في ظروف صعبة وهُرّبت عبر 54 كبسولة. لقد تجمعت لهذه الرواية كافة عوامل النجاح، فهي نص أدبي فذ، والروائي أسير في سجون إسرائيل والتضامن مع فلسطين وغزة حديث الساعة عربيًا وعالميًا.

جاء فوز رواية باسم خندقجي انتصارًا أدبيًا لفلسطين، وانتصارًا معنويًا للأسير الفلسطيني الذي ارتفع عددهم إلى 14 ألف أسير منذ هجوم السابع من أكتوبر. البعد السياسي مهم في اختيار رواية "قناع بلون السماء" لجائزة بوكر لسنة 2024. لكن فوز رواية "قناع بلون السماء" على هامش معرض أبوظبي للكتاب الذي أنهى فعالياته الأسبوع الماضي، جاء في المقام الأول لجدارتها الأدبية. فهي تحفة سردية في نصها، بارعة في حبكتها، باذخة في لغتها، ومتعة في قراءتها. فإذا كانت الرواية لغة، فلغة هذه الرواية فذة ومتقنة. وإذا كانت الرواية خيال ففي رواية باسم خندقجي خيال عابر للسجون وعابر للقارات والسماوات.

تحمل رواية "قناع بلون السماء" جميع هذه الدلالات والمعاني في نص أدبي مكثف، يتحدث عن عوالم برانية وجوانية مدهشة، بما فيها عالم رام الله التي تعيش تحت سيطرة سلطة فلسطينية غير مقنعة، وعالم القدس التي تعيش تحت احتلال إسرائيلي شرس، وعالم "أور شابيرو" الإسرائيلي الذي أضاع قناعه، وعالم "نور الشهدي" الفلسطيني الذي تقمص شخصية "أور" الإسرائيلي لأغراض بحثية غامضية.

لكن أكثر ما يستوقف القارئ في هذا النص الأدبي البديع حواراته الشيقة والموضوعية. فهناك الحوار من وحي الخيال بين "نور" باحث الآثار الفلسطيني الذي تحول بصدفة من صدف الحياة النادرة إلى "أور" الشبح الإسرائيلي الذي أخذ يجادله ويشاكسه ويشتبك معه في الصغيرة والكبيرة. سجال خيالي ممتع خاصة أن موضوعه البحث عن شخصية أسطورية هي مريم المجدلية.

ثم هناك حوار عاطفي عاصف في الرواية بين شخصيتين نسائيتين، الأولى اسمها "سماء" وهي فتاة فلسطينية لا تساوم على حقها في وطنها فلسطين وتدافع عن قضيتها بكل ما أوتيت من شجاعة أدبية. أما الشخصية النسائية الثانية فهي "إيلا" الفتاة الإسرائيلية الكارهة لكل فلسطيني يقيم على أرض فلسطين و"المعبأة بحقد سام". السجال بين "سماء" و"إيلا" من جماليات هذه الرواية، خاصة ان "إيلا" تحاول التقرب من "نور" المتقمص شخصية "أور" لكن قلب "نور" كما عقله يميل لبنت بلده فلسطين "سماء".

وعلى وقع هذه الحوارات الشيقة يبرز مراد صديق نور منذ الطفولة ومثله الأعلى في النضال الذي يراسله من محبسه في سجن من سجون إسرائيل. تقول الرواية إن "مراد انتزعته قوة إسرائيلية غاشمة ذات مساء من مخيمه، ومن بيته ومن طفولته وشبابه وذكرياته، وحتى من مائدة أمه المزدانة بورق العنب والزيتون". اختطفوه بسرعة البرق وحكم عليه دون وجه حق بالمؤبد. واجه مراد المعتقل بإرادة من حديد. هزم مراد غربته ووحدته وسجنه بحبر قلمه وأطلق العنان لخياله. فخيال السجين حر لا يقبل قيود الاعتقال. حول مراد سجنه إلى فرصة للتعمق فكريًا ومنهجيًا في تاريخ الفكر الصهيوني الاستيطاني حيث التحق ببرنامج البكالوريوس، وألحقه بشهادة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية بجامعة القدس. كان هذا أسلوب مراد لمواجهة ما وصفه "بالاغتصاب التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ نكبته سنة 1948". فالسجن الحقيقي كما ورد في الرواية هو "ما تحبس نفسك فيه".

رواية "قناع بلون السماء" نابعة من "واقع خيالي". هذا هو سر تفوقها وفوزها بجائزة بوكر للرواية العربية التي انطلقت من الإمارات سنة 2008، لتصبح الجائزة الأدبية الأبرز حضورًا عربيًا. فالجائزة تحظى باهتمام إعلامي وجماهيري واسع، وبإقبال منقطع النظير يصل حد الصراع عليها والجدل حولها. وعادة تشعل الرواية الفائزة نقاشًا نقديًا، والروائي الفائز يتوج ملك الرواية العربية لسنة كاملة يعامل خلالها كنجم من نجوم زمن الرواية العربية.

مع جائزة بوكر دخلت الرواية العربية عهدًا جديدًا هو عهد الرواية الأكثر مبيعًا "البيست سيلر" التي تعني أن الرواية الفائزة قد يطبع منها آلاف النسخ، وتحصل على فرصة الترجمة الفورية إلى عدة لغات عالمية. جائزة بوكر تتيح للروائي العربي جماهيرية لا تتيحها أي جائزة ثقافية عربية أخرى وتحدث حراكًا ثقافيًا ونقديًا وروائيًا عربيًا لم تحدثه أي جائزة أدبية سابقة، كل ذلك يتم بإشراف فريق إماراتي حريص على تميز الجائزة.

لقد عززت جائزة بوكر العالمية للرواية العربية حضور الإمارات الثقافي في مجال الجوائز الأدبية العربية. فالإمارات تتصدر حالياً قائمة الدول العربية المانحة للجوائز الثقافية بـ 55 جائزة، أي ما يوازي 37% من اجمالي الجوائز الثقافية والأدبية العربية البالغ عددها نحو 165 جائزة. تشمل جوائز الإمارات حقول ثقافية ومعرفية وأدبية متنوعة، بما في ذلك جائزة تحدي القراءة العربي لتشجيع الطلبة على القراءة التي تنطلق من دبي، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وهي من بين الأغلى قيمة ماليًا، و7 جوائز مخصصة للشعر والنقد والمسرح والتراث والرواية من الشارقة وحدها.

تظل جائزة بوكر هي تاج الجوائز الأدبية العربية بلا منازع. وقد احتفت هذه السنة أفضل احتفاء بفوز رواية "قناع بلون السماء" التي انطلقت من الإمارات نحو العالمية، كما انطلق الروائي الفلسطيني باسم خندقجي من أبوظبي حرًا نحو النجومية في عالم الرواية.

نشر
محتوى إعلاني