لماذا يهدد "حزب الله" قبرص باستهدافها إذا فتحت مطاراتها لإسرائيل؟
تقرير من إعداد نادين إبراهيم، من شبكة CNN
(CNN)-- في خطاب ناري ألقاه، الأربعاء، أشار الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصرالله إلى قبرص، وهدد باستهداف الجزيرة الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط إذا ساعدت إسرائيل في حرب محتملة بين الجماعة المسلحة اللبنانية وإسرائيل.
وقال زعيم "حزب الله" المدعوم من إيران في خطاب تلفزيوني إن "قبرص ستكون جزءا من هذه الحرب أيضا" إذا فتحت مطاراتها وقواعدها أمام القوات الإسرائيلية، بعد يوم من تحذير إسرائيل من أن "الحرب الشاملة تقترب جدا".
وردا على هذه التصريحات، نفى الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس تورطه في الحرب، وأضاف: "التصريحات ليست لطيفة، لكنها لا تتوافق بأي شكل من الأشكال مع ما يُحاول تقديم صورة بأن قبرص منخرطة في العمليات الحربية. بأي حال من الأحوال"، وتابع أن "خطوط الاتصال مفتوحة مع الحكومتين اللبنانية والإيرانية".
وبينما يقول الخبراء إن الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" لا تزال غير محتملة، فإن مجرد ذكر قبرص يضيف بعدا جديدا للصراع بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، فهو يخاطر بجر دولة من دول الاتحاد الأوروبي إلى حرب انتشرت بالفعل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتسلط الضوء على علاقات قبرص مع إسرائيل.
ما أهمية موقع قبرص؟
تقع جزيرة قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط على خط الصدع الجيوسياسي بين الشرق الأوسط وجنوب أوروبا، وهي أقرب جغرافيا إلى الصراعات في الشرق الأوسط منها إلى مراكز القوى الأوروبية.
وتبلغ مساحة الجزيرة ضعف مساحة ولاية ديلاوير الأمريكية، وهي مقسمة إلى قسمين: جزء جنوبي ناطق باليونانية يُعرف باسم جمهورية قبرص، ومنطقة ناطقة بالتركية تُعرف باسم جمهورية شمال قبرص التركية.
ويعكس تقسيم الجزيرة التنافس بين الخصمين الإقليميين اليونان وتركيا، فمعظم المجتمع الدولي لا يعترف إلا بسيادة الجزء اليوناني من قبرص، وهو البلد الذي كانت تهديدات نصرالله موجهة إليه.
وجمهورية قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي ولكنها ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يلزم الدول الأعضاء بالدفاع عن بعضها البعض في حالة الهجوم.
ويبلغ عدد سكانها حوالي 920 ألف نسمة، وعاصمتها نيقوسيا.
ما مدى قرب علاقات قبرص مع إسرائيل؟
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين قبرص وإسرائيل في 1960، بعد استقلال الجزيرة عن الحكم الاستعماري البريطاني، لكن قبرص لم تفتح سفارة في تل أبيب حتى 1994.
وتوترت العلاقات في الثمانينيات والتسعينيات بسبب قضايا من بينها علاقات إسرائيل الوثيقة مع تركيا والصراع العربي الإسرائيلي، حيث وقفت قبرص إلى جانب الدول العربية ودعمت إقامة الدولة الفلسطينية.
وانتعشت العلاقات مرة أخرى في أواخر التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث بدأت إسرائيل تتجه نحو شرق البحر الأبيض المتوسط لإقامة شراكات اقتصادية، خاصة بعد اكتشاف الغاز الطبيعي في المنطقة.
ويقول الخبراء إن إسرائيل تنظر أيضًا إلى قبرص كشريك لإحباط التهديدات الإقليمية، خاصة من تركيا والجماعات المرتبطة بإيران.
واستخدمت إسرائيل في السنوات الأخيرة الأراضي القبرصية لتدريب قواتها على الحرب المحتملة مع "حزب الله".
وقال الجيش الإسرائيلي، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، إن تضاريس قبرص مماثلة لتلك الموجودة في لبنان.
وفي 2022، أجرى الجيش الإسرائيلي مناورة عسكرية مشتركة مع القوات القبرصية.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن بعض التدريبات المشتركة ركزت على القتال على جبهات متعددة والتركيز على قتال "حزب الله" في لبنان، وأجريت آخر تدريباتهم في مايو/ أيار 2023 في قبرص.
ما هو دور قبرص في حرب غزة؟
حرصت قبرص على نفي أي تلميحات بتورطها في حرب غزة، مشيرة إلى جهودها الإنسانية التي ساعدت في إدخال بعض المساعدات إلى القطاع.
وقال الرئيس القبرصي إن بلاده "ليست جزءا من المشكلة بل جزء من الحل"، وأضاف: "دورنا في هذا، كما هو واضح، على سبيل المثال، من خلال الممر الإنساني، معترف به ليس فقط من قبل العالم العربي ولكن من قبل المجتمع الدولي ككل".
وفي مارس/آذار، بدأت قبرص السماح لسفن المساعدات بالإبحار من موانئها كجزء من الجهود الدولية لإنشاء طريق مساعدات إنسانية عبر البحر باتجاه غزة.
وحملت الشحنة البحرية الأولى إلى غزة 200 طن من المواد الغذائية، أي ما يعادل حوالي 500 ألف وجبة كما تم إنشاء مركز لوجستي للاتحاد الأوروبي في قبرص لتسهيل تدفق المساعدات إلى غزة.
وانتقدت نيقوسيا بعض الإجراءات الإسرائيلية في غزة، وخاصة تلك التي أعاقت إيصال المساعدات الإنسانية.
وفي إبريل/نيسان، أصدرت بيانا مشتركا مع الإمارات العربية المتحدة، أدانت فيه الهجوم الإسرائيلي على مجموعة " المطبخ المركزي العالمي" الخيرية والذي أدى إلى مقتل 7 أشخاص.
كما أدانت "حماس" مرارا وتكرارا بسبب هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ما هو احتمال تورط قبرص بشكل أعمق؟
وقعت الجزيرة في السابق في مرمى نيران الصراعات الإقليمية، وهو ما يذكرنا بقربها من الشرق الأوسط المضطرب، ففي 2019، انفجر صاروخ يُشتبه أنه روسي الصنع فوق منطقة شمال قبرص.
ويعتقد المسؤولون القبارصة أن الصاروخ مرتبط بالعمليات العسكرية في سوريا، قائلين إنه سقط شمال العاصمة نيقوسيا.
وكتب المحلل الإيراني محمد علي شعباني رئيس تحرير موقع "أمواج ميديا"، عبر منصة إكس (تويتر سابقا)، أن السيناريو الذي تستخدم فيه إسرائيل القواعد القبرصية لقواتها العسكرية، والذي حذر منه "حزب الله"، من شأنه أن "يوسع فعليا حرب غزة إلى الاتحاد الأوروبي".
وهذا يعني أن إحدى دول الاتحاد الأوروبي تشارك، للمرة الأولى، بشكل مباشر في حرب موسعة على غزة.
ويقول بعض الخبراء إن احتمال تحول الصراع بين إسرائيل و"حزب الله" إلى حرب شاملة أمر غير مرجح، حيث لا يرغب أي من الطرفين في مثل هذا التصعيد.
وقالت الزميلة المشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البحثي في لندن، لينا الخطيب، لشبكة CNN، إن "نشر حزب الله لقطات بطائرات بدون طيار لمواقع حساسة داخل إسرائيل يهدف إلى ردعها".
وذلك في إشارة إلى فيديو نشره "حزب الله"، الثلاثاء، يظهر مواقع مدنية وعسكرية في مدينة حيفا الإسرائيلية وما حولها.
وأضافت: "من الطبيعي أن يكون لدى إسرائيل وحزب الله خطط عسكرية جاهزة للتعامل مع أي تصعيد محتمل لكن في ظل الوضع الحالي، لا إسرائيل ولا حزب الله يستفيدان من حرب شاملة".
وتابعت أن "حزب الله يعلم أن الحرب مع إسرائيل ستكون مدمرة للبنان وأنه لا توجد شهية شعبية لمثل هذا السيناريو في البلاد".
وأضافت أنه "من غير المرجح أيضا أن تسمح إدارة جو بايدن لإسرائيل بخوض حرب على جبهتين بمفردها"، وذكرت أن التدخل الأمريكي قد يجذب "جهات فاعلة أخرى مدعومة من إيران بالإضافة إلى احتمال استهداف إيران نفسها".
وتابعت: "هذه تكلفة باهظة تريد إيران تجنب دفعها كما أن الولايات المتحدة لا تريد أن تجد نفسها في مستنقع آخر في الشرق الأوسط، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية".