أحمد ماهر لـCNN بآخر لقاء قبل سجنه: صراع الهوية بمصر مرتبط بالدولة العميقة
(ملاحظة المحرر: تبدأ CNN بالعربية سلسلة مقالات تتناول ملفات مازال التاريخ لم يحسمها بعد. ويخصّص كل أسبوع لملف واحد نتولى فيه عرض القضية من عدة زوايا تتضمن تحليلات ومقابلات. والملفات هي "العرب والاستعمار" ،"هوية مصر بين اللحى والبنادق" ، "العلاقات بين المملكة العربية السعودية والعراق" و"الحركات الجهادية في شمال إفريقيا." ونخصص الأسبوع الأول لملف "هوية مصر بين اللحى والبنادق" وبإمكانكم إثراء النقاش حول الموضوع عبر مختلف منصاتنا وأيضا بإرسال آرائكم في شكل مدونات أو مقالات رأي.)
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قال أحمد ماهر، مؤسس حركة "6 أبريل" إن مصر شهدت على مدار تاريخها محاولات عديدة لتعديل هويتها، ولكنها حافظت على طابعها "الوسطي البسيط" ولم تقبل فكرة الدولة الدينية، ورأى أن الصراع بين الجيش والإسلاميين هو بحقيقته مرتبط بالصراع مع "الدولة العميقة"
وقال ماهر، في حديث لـ CNN بالعربية حول المحور المخصص لبحث الاختلاف حول هوية مصر ضمن ملفات "يحدث غدا"، إن هناك مجموعة عوامل حاولت تغيير هوية مصر مثل الخلافة العثمانية، ومن ثم محاولة جماعة الإخوان المسلمين تبني هذا الأمر والدفع باتجاهه، إضافة إلى الفكر السلفي، فضلا عن بعض اتجاهات أخرى، لكن الهوية المصرية كانت دائما "واضحة لم يتمكن أحد من تغييرها،" وتقوم على الوسطية والبساطة.
وعن موقع مصر بين العلمانية والدين وقدرتها على مواصلة لعب دور قيادي في المنطقة قال ماهر: "الدين مهم في حياة المصريين، وهو أمر أساسي بالنسبة لهم، المسيحيون والمسلمون والعلمانيون، وحتى عندما يقوم اللص بالسرقة فانه يقول ’يا رب استرها،‘ وعندما يشعر المصري بانه ارتكب خطا أو معصية، فانه يعود إلى الدين، ولكن المصري بطبعه "وسطي" لا يقبل بفكرة الدولة الدينية كما طرحها الإخوان أو السلفيون، وما حاولوا فرضه من أسلوب حياة قوبل بالرفض من جموع الشعب المصري."
وبالنسبة لدور الزعامة في المنطقة قال ماهر: "مصر أقدم الدول العربية وأكثرها سكانا، وخلال عدة زيارات رسمية لبعض الدول العربية كنت أسمع دائما تأكيدات بأن مصر هي الدولة الأم وهي رائدة ويجب مساعدتها لتقود الأمة من جديد، أما فكرة إحياء القومية العربية، فلم تعد موجودة الآن مثلما كان بعهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رغم ميل الشعوب لوجود اتحاد عربي قوي، على غرار الاتحاد الأوربي، ولكن ليس هناك من يطالب به على مستوى الزعماء، بل إن مشروع عبدالناصر القومي نفسه قوبل بالعديد من الصعوبات التي وقفت ضده."
وعن تبدل تحالفات مصر تاريخيا بين واشنطن وموسكو وتأثير ذلك على هويتها قال ماهر:" هذ أمر تفرضه المصالح، فمن وجهة نظري فالروس ليسوا ملائكة، وأرفض الهرولة إليهم من أولئك الذين يرون بأن الحل في الاتجاه للتسليح من روسيا، و التي هي بالطبع لديها أيضا مصالح وشركات بترول مثل أمريكا، وتسعى لأن تزيد نفوذها بالمنطقة وخاصة مصر."
وشكك ماهر في جدية كسر التحالف الدائم مع الولايات المتحدة، معربا عن ثقته بأن التوجه شرقا لروسيا هو فقط "مجرد تهديد لإيقاف أو تخفيف حدة الضغط الأمريكي الذي ربط المعونة بالتحول الديمقراطي، لاسيما أن الجيش بمقتضي معاهدة سلام يحصل على معونة عسكرية (أمريكية)، بالإضافة إلى معونات أخرى اقتصادية للدولة."
ورفض ماهر اعتبار أن اتفاق كامب ديفيد قد أثر على هوية مصر، معتبرا أن المشكلة الوحيدة الناجمة عنه هي انعدام وجود قوات أمنية كافية بسيناء، ما سمح بوجود "إرهابيين ومتشددين" وأضعف تنمية المنطقة، مشددا على أن مصر، ورغم ما تمر به، إلا أنها "رائدة العرب في الحرب والسلام، و الجميع ينتظر دورا أكبر لها بقيادة السلام والتنمية."
وحول ما إذا كان الانقسام حول الهوية بين الجيش والإسلاميين قدرا لمصر رغم استمراره منذ عقود قال ماهر: "الصراع بين الجيش والإسلاميين قائم منذ عقود رغم ما حدث من تحالف عقب ثورة 25 يناير 2011، ولكن ربما يكون هذا الصراع بسبب ما يعرف بالدولة العميقة والاقتصاد السري، ونجد في بعض الأحيان الجيش يتبرع للخزينة عندما تمر مصر بأزمة، أو يوزع موادا تموينية بأسعار مخفضّة للمواطنين، فالجيش مؤسسة لا نعرف ميزانيتها. "
وأضاف: "أما بالنسبة للإسلاميين فان رفضهم من الشعب كان بسبب محاولاتهم تغيير هويته، لاسيما وأن الطرح الإسلامي كان متزمتا ومتشددا للغاية ومخيفا وغير مناسب للمصريين."
وعن رؤيته لتأثير الأحداث التي عاشتها مصر في فترات مماثلة خلال سنوات سابقة على هويتها قال ماهر إن معاهدة كامب ديفيد "لم تؤثر على الهوية ولكنها أضعفت مصر وقللت من سلطتها على أرضها، أما بالنسبة لإعلان بريطانيا فرض الحماية على مصر عام 1914 فقد أضر بالحياة السياسية والدستورية والحزبية بالبلاد، خاصة وأنه جاء "في ظل فراغ دستوري" كما نتج عنه انفتاح على أوروبا، بما لذلك من آثار إيجابية وسلبية.
وبالنسبة لانسحاب قوات العدوان الثلاثي من قناة السويس عام قال ماهر إن مصر حققت بذلك "انتصارا سياسيا كبيرا أمام العالم كله" مع وقوف واشنطن وموسكو إلى جانبها، كما اعتبر أن بناء السد العالي "لم يؤثر على هوية مصر، ولكنه أثر على تحالفاتها حيث توجه الجيش، والذي أمسك بالسلطة عقب 23 يوليو 1952 إلى المعسكر الشرقي، وكان في بداية حكمه محايدا في التعامل مع الأمريكان والغرب، ولكن هذا الأمر جاء نتيجة رفض البنك الدولي لتمويل مشروع السد، وما تبعه من تأميم قناة السويس" على حد قوله.
تنويه: المقابلة أجريت مع ماهر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وقد أوقف ماهر بعد ذلك بيومين بتهمة مخالفة قانون التظاهر وصدر بحقه حكم بالسجن لثلاث سنوات.