لمن تدقّ أجراس 2014؟
مع بدايات السنة الرابعة من العقد الثاني في الالفية الثالثة، نلاحظ بسهولة أن المشرق "أو بلاد الشام"لا يزال في دورة الزمن الصعب، أقله خلال هذه العشرية التي تذكرنا بتحولات هامة، إبان مثيلتها من القرن المنصرم ( 1914 – 1920) إذ مع تزامن الحرب العالمية الأولى، وأفول الامبراطورية العثمانية، أتت اتفاقية سايكس – بيكو في 1916 ، ووعد وبلفور في 1917 ، ليغيرا وجه المنطقة، وليتركا بصماتهما عليها حتى هذه اللحظة.
ليس بالضرورة أن يكرر التاريخ نفسه في المشرق، أو أن نشهد " سايكس – بيكو" جديدة في هذه الحقبة خطار أبو دياب نتيجة الفوضى الاستراتيجية العالمية، واحتدام التنافس الاقليمي، من العراق في 2003 ، إلى لبنان في 2005، وسوريا في 2011 – 2013 ، يصعب التغيير الجذري أوعقد الصفقات، في ظل الصراع المفتوح والمتعدد الاطراف . هكذا تصبح أية فكرة لإعادة تركيب الإقليم، وتغيير خريطة الدول أو تقسيمها، دعوة من أجل اندثار الكيانات وتفكك المجتمعات، بما يخدم مصالح أطراف اقليمية غير عربية، ويسهل لعبة الأمم الخارجية في منطقة تتميز بموقعها الجيوسياسي، وبثرواتها الهائلة من الطاقة، (من النفط والغاز في الخليج، إلى اكتشافات الغاز الحديثة في شرق المتوسط) .
في سياق سلسلة السنوات العجاف يبدو لنا أن الشرق الاوسط ومنطقة غرب آسيا لا يزالان من المسارح الكبرى للنزاعات خطار أبو دياب في العقد الأول من هذه الألفية، كان الشرق الأوسط خاضعاً بشكل أو بآخر لتجاذب وتلاقي الرباعي الأمريكي - الإيراني – الإسرائيلي – التركي، بيد أن تساقط جدران " السجن العربي الكبير" منذ بداية 2011 قد يغير المعادلة، وهذا الغليان العربي لم يحصل حصريا بسبب انعدام الكرامة والحرية وفشل دول الاستقلال، بل إن الانتفاضات ضد المنظومة الاستبدادية كانت ايضاً بمثابة رد على الضعف البنيوي العربي، وعلى تغييب وتهميش الموقع العربي ضمن المعادلات الاقليمية والدولية .
بيد أن تحول النزاع في سوريا إلى أول نزاع دولي متعدد الاقطاب في القرن الحادي والعشرين، زاد من التهميش العربي، وتكرست العودة القوية للدور الروسي ،خاصة بعد الاتفاق حول ازالة الأسلحة الكيميائية للنظام السوري. وأتى بعد ذلك الاتفاق النووي المرحلي مع إيران، ليكرس صعود حسن روحاني، وفي المقابل نتيجة معطيات أخرى تراجع وهج رجا طيب أردوغان في الداخل والخارج.
على الصعيد العربي، لم تتطابق حتى الآن حسابات الحقل مع حسابات البيدر، عند شباب انتفاضات" الربيع العربي" وعدا الحالة التونسية المتفاعلة حتى الآن، تبدو العودة الى الأوضاع الكلاسيكية، من مصر إلى اليمن، وكأنها أمر لا مفر منه، على ضوء انتكاسات المراحل الانتقالية المتعثرة خطار أبو دياب
في العراق تبدو الصورة قاتمة مع أسلوب نوري المالكي الصدامي، وعودة تنظيم القاعدة، وصعود التوتر مع الاكراد والسنة في عود للسنوات السوداء بين 2004 و 2007 . ويبقى المحك الأكبر في سوريا حيث سيحتدم السباق بين فرصة واهية للحل السياسي في الشهور الأولى من عام 2014 ، وبين احتدام الصراع العسكري ومخاطر التوسع نحو لبنان. في مواجهة قرار إيران في التمسك بالورقة السورية، وبالرقص على خطوط النار في الاقليم ، سعت واشنطن جاهدة في 2013 ، لفصل الملف السوري عن الملف النووي الايراني، وعملت على احتواء عناصر القوة الإيرانية بواسطة العقوبات الاقتصادية والتفاوض في سلطنة عمان.
والأرجح أن يكون العام 2014 عاماً تقريريا لقدرة أوباما على ممارسة دور الزعامة العالمية، خاصة ان الكلام عن استغناء محتمل لواشنطن عن الطاقة الآتية من الخليج في حدود العام 2020، سيزيد من حجم العبء على واشنطن، كي تثبت لحلفائها قدرتها على حمايتهم، والوفاء بالتزاماتها، وعلى عدم الانسحاب من الشرق الاوسط، الذي يبقى حيوياً في وجه الصين المحتاجة لطاقته، والتي تزيد من نفوذها في المحيط الهندي ممرها نحو الخليج وافريقيا. في العام 2014 لن تقرع الاجراس لأبطال استثنائيين ومنقذين في المشرق والعالم. بل ستبقى الفوضى غير الخلاقة سمة هذه المرحلة الانتقالية في النظام الدولي.
يشار إلى أن هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه، الدكتور خطار أبو دياب، من المركز الدولي للجيوبوليتيك، ولا يعبر بالضرورة عن رأي شبكتنا.