هل ولد مؤتمر "جنيف 2" حول السلام في سوريا ميتا؟
واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- تعهد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لدى توليه المنصب في فبراير/شباط العام الماضي بتغيير معادلة "التفاضل والتكامل" في التعامل مع الرئيس السوري، بشار الأسد.
لكنه، منذ قراره مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، جلب طرفي النزاع المتناحرين إلى طاولة الحوار في جنيف، في خطوة يعتقد أنها سترسخ الدعم الدولي للمعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري -وهو ما يفسح المجال أمام الزعيم السوري للتفاوض حول خروجه من السلطة- اتخذت السياسة الأمريكية تأثيرا معاكسا.
وبالفعل تغيرت حسابات التفاضل والتكامل بالنسبة إلى الأسد، فالمعارضة السياسة على وشك الانهيار، والجانب العسكري منها يقاتل تنامي المليشيات الإسلامية المتشددة، في حين يعتبر نظام دمشق مركزا لتطبيق اتفاقية نزع الترسانة الكيماوية، وها هو يتوجه الآن إلى جنيف معتقدا أنه أكثر قوى، وقواته تواصل قتل المئات أسبوعيا بالبراميل المتفجرة، فما من سبب يدعو الأسد للاعتقاد بأنه لن يفلت من هذه الأزمة.
والسبت، صوت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لصالح "جنيف 2" وسط انقسام مرير حول المشاركة في المؤتمر المخصص لإيجاد حل للأزمة السورية، ويزعم بعض أعضاء المعارضة أن أمريكا تجرهم نحو الفشل مع رفضها تقديم موارد كافية لـ"لجيش السوري الحر" من شأنها تغيير موازين القوى على واقع الأرض.
وقال أوبي شاهبندر، مستشار للمعارضة السورية، إنه: وضع المعارضة يحول دون أي عملية سياسية ناجحة ما لم تزيد الولايات المتحدة من دعمها--أوبي شاهبندر، ففي الوقت الراهن، يظن النظام أنه يحقق الانتصار إذ نجح في تفادي ضربات عسكرية وعقوبات غربية وعواقب جرائم حرب مستمرة.. هذه هي المكونات التي تجعل من الخروج بأي نتائج ناجحة من جنيف غير مرجحة."
وقام السفير الأمريكي لدى سوريا، روبرت فورد، ولأشهر بجولات مكوكية إلى تركيا للالتقاء بأعضاء المجلس الوطني السوري، حيث قام وعدد من المسؤولين الأمريكيين، واستعدادا لـ"جنيف 2"، بحض المعارضة على تقديم خطة انتقالية يلعب فيها المجلس دورا بارزا في حكومة ما بعد الأسد، قد تضم بعض أعضاء الحكومة السورية الراهنة.. لكن حاليا، تحول الأمر إلى مجرد توسل للمجموعة للمشاركة في المؤتمر.
تظل الإدارة الأمريكية على موقفها المطالب بضرورة تنحي الأسد، لكن الأخير يتحدث الآن عن إعادة الترشح في انتخابات يرجح الكثيرون أنها ستزوّر، أما المعارضة التي أصبغ عليها المجتمع الدولي صفة الشرعية، فتبدو في موقف الضعيف.
وقال سلمان شيخ، مدير مركز بروكينز الدوحة: المعارضة السورية في كبسولة فضاء تتجه لجنيف وتتفكك في الجو--سلمان شيخ وهذا قد يعتبر واحدا من أكبر إخفاقات الغرب."
افتقار العزيمة لاستخدام القوة ضد الأسد أو تسليح المعارضة، بجانب فشل مجلس الأمن الدولي في إتخاذ موقف موحد حتى حيال الأزمة الإنسانية المتنامية، يترك واشنطن أمام القليل من الخيارات منها مؤتمر "جنيف 2" الذي يعتقد قلة، منهم وزير الخارجية الأمريكية، بأنه أكثر من مجرد بحث في "صندوق" الدبلوماسية وإيجاد نوع من التجاوب للأزمة السورية، عوضا عن التحمس لإيجاد حل سياسي لها.
أضف إلى ذلك، فأنه ما اتفاق بعد على محددات مباحثات جنيف، فالولايات المتحدة والأمم المتحدة بالإضافة إلى الدول العربية والغربية تعمل على أن يكون منبرا للتفاوض حول تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، وعلى الجانب الآخر يقف النظام السوري، وروسيا وإيران، التي لن تشارك رسميا في المحادثات، إلا أن شبح الآلاف من مقاتليها الداعمين للأسد سيخيم على أجواء جنيف - يطالبون بأن يكون منصبّا على محاربة الإرهاب وتنامي نفوذ المليشيات المتشددة و إعادة تأهيل نظام الأسد.
ومع تنامي نفوذ مليشيات القاعدة وبسط سيطرتها على المزيد من الأراضي السورية، تبقى فرص الأسد الأقوى.
ورغم الضغوط التي مارستها لإقناع المعارضة بالمشاركة في "جنيف 2" لكن توقعات واشنطن بنتائجه تظل دون التوقعات، فقد أقر بعض المسؤولين الأمريكيين بأن جلب الخصمين المتنازعين تحت سقف واحد يعتبر نجاحا في حد ذاته، وقال أحدهم: مفهومنا الأولي بشأن المؤتمر إنه بإمكاننا المساعدة في تشكيل حكومية انتقالية.. لكننا استوعبنا الآن، وبعد 8 أشهر، أن تحقيق تقدم سياسي هو الأكثر تحديا."
وينظر إلى أول مباحثات مباشرة بين طرفي النزاع السوري كإنجاز في حد ذاته لإعادة تحريك التفاوض حول نقل السلطة، ويعتبرها وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي بانها فرصة لبناء الثقة بين الجانبين، ويتضمن ذلك احتمال التوصل لهدنة وإيصال المساعدات الإنسانية وتبادل السجناء بين الجانبين.
ومع تراجع احتمال إحراز تقدم في شق مناقشة تشكيل حكومة انتقالية، لن يبقى أمام المؤتمر سوى التركيز على الأزمة الإنسانية في سياق المناقشات حول المستقبل السياسي في سوريا.
وشرح مسؤول أمريكي بارز قائلا "للوضع الإنساني جانب كبير الأهمية.. الأزمة الإنسانية هائلة ومن الملائم التركيز عليها".. مازالت لدينا الرغبة برؤية حكومة انتقالية، ولم نيأس من ذلك بعد، لكننا أيضا نفكر ماهي أهدافنا الأخرى ."
ومع قناعة واشنطن بأن "جنيف 2" لن يشكل نقطة تحول في الأزمة السورية، إلا أنها تأمل في أن يكون منطلقا لتلك العملية، إلا أن هناك تخوفا من جانب البعض في المعارضة السورية من عملية مفتوحة لا نهاية لها تفشل في وقف دوامة العنف والمعاناة. وأضاف شاهبندر: "لن يحدث شيئا بين ليلة وضحايا ولكن كذلك لن تستمر إلى ما لا نهاية.. النظام سيواصل المماطلة في العملية فيما يستمر في قصف المدن وزيادة رقعة حملة التجويع."
ويبقى عامل مهم في مساعي إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وهي ضرورة توسيع قاعدة المشاركين في العملية لتشمل المزيد من السوريين المؤثرين على واقع الأرض.