هل يعلق العرب في المرحلة الانتقالية ؟
تعيد الـ CNN إطلاق موقعها العربي على الشبكة العنكبوتية، خاصة أن هذا الموقع قد حقق انجازات نوعية في السنوات الأخيرة، وأصبح لمثلي وكثيرين آخرين ، مرجعاً معتمداً لاستقاء المعلومات، وتعميق الأفكار د.جواد العناني. ولا شك أن نشاط شبكة الـ CNN في مجال الأعمال والإقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، قد تقدم بشكل متسارع، ليكون مرجعاً لرجال الأعمال والإقتصاديين والمهتمين بشؤون المنطقة في باقي أرجاء المعمورة.
وتأتي مناسبة إعادة الإطلاق في زمنٍ تشهد فيه الأقطار العربية كلها تطورات بركانية، في مرحلة إنتقالية لا يدري كثيرون إلى ماذا ستؤول اليه. والبعض يتشاءم ويظن أن تسمية ما يجري بالربيع العربي يجب أن يسمى بالخريف العربي. وآخرون قلة ينظرون إلى حجم الدماء والدمار والفوضى ويقولون أن هذه ضريبة التحول والإنتقال من عصر الديكتاتورية والظلم والإستبداد إلى عصر الإنعتاق، والكرامة والحرية.
لا شك أن اقتصادات الوطن العربي قد شهدت خلال السنوات منذ عام 2011 وحتى الآن احداثا جساماً، ولكن آثارها على اقتصادات الوطن العربي لم تكن متجانسة أو متشابهة.
ففي الدول العربية الأربع التي تغيرت الأنظمة القيادية فيها، أي تونس ومصر وليبيا واليمن، نرى استمراراً لحالة الثورة والثورة المضادة، واستمرار عدم الإستقرار.
- ففي تونس التي سقط فيها نظام زين العابدين بن علي تحولت إلى قيادة إسلامية. ولكن ما لبثت الجماهير أن عادت وطالبت بحكم وسطي معتدل. ولذلك، فإن تونس مرشحة في القريب العاجل للعودة إلى سابق عهدها في النمو مع توزيع أفضل.
- أما مصر التي شهدت استفتاءاً على دستور علماني جديد بعد سنة ونصف تقريباً من الموافقة على دستور إسلامي النزعة، قد بدأت تتلمس طريقها في العودة. ولكن مصر لم تسعى في إدماج حركة الإخوان المسلمين، مما قد يبقي الوضع فيها غير مستقر لحين من الزمن. أما إذا قبل الإخوان بالحال، أو غيروا رأيهم وانسحبوا من ساحة العراك السياسي والأمني، فقد تتحسن الأمور هناك، وتكون مصر بفضل دعم اقتصادات الخليج والدول الغربية في وضع اقتصادي أفضل.
- أما ليبيا التي نجحت في البدء بضخ النفط، ما تزال تعاني من حالة القلق والتقلب، رغم نجاح إدارتها، في إعادة إنتاج النفط وتصديره للخارج . ومع أن نظام القذافي السابق لم يترك لهم ثروة تذكر ولا بنى تحتية أو فوقية، ولا نظم تعليم وخبرات في المجالات الحديثة، إلا أن هذه ستكون منطلقاً للإستثمار في بناها التحتية، وفرصة للحاق بالآخرين. والمطلوب هو استعادة الأمن ، وضمان كرامة الدولة ووحدتها.
- أما اليمن فإن مشاكلها أكثر تعقيداً. فهنالك حرب اثنية، وهنالك محاولات لفصل الشطر الجنوبي عن الشمالي، وما تزال القبلية بصورتها المسيّسة السلبية تعرقل الإستثمار، وتخلق الفوضى. واليمن أنجزت بعض التقدم في السنوات الأخيرة أيام حكم علي عبدالله صالح، إلا أنها ما تزال بحاجة إلى المعرفة وتوفير الخدمات الأساسية، وبناء هوية جامعة لكل فئات الشعب فيها.
- أما سوريا، فقد تدمرت بناها التحتية والفوقية، وتحتاج إلى إعادة اللحاق بالدول المجاورة التي سبقتها. ورغم بعض الإنفتاح الذي شهدته سوريا في السنوات الأخيرة التي سبقت أحداثها الداخلية، إلا أن نظامها السياسي فشل في كسر الشعور بالتهميش والتقليل الذي كان يقلق الغالبية السنية. ولدى سوريا شعب عملي متميز، وقادر على إعادة إحياء ربوع سورية، ذات الإقتصاد المتكامل من حيث الموارد والقوى البشرية والطاقات الإبداعية. ولكن هذا يبدو ، إلى أن نعرف ما ستسفر عنه مفاوضات جنيف - 2، بعيد المنال.
- أما العراق، البلد المتكامل الآخر، فهو القطر الأكثر تهديداً بالبعثره. فمنذ فرض العقوبات على العراق بعد احتلاله دولة الكويت عام 1990، فقد تطابق الحظر الجوي مع الخطوط الجغرافية والإثنية على الأرض. فالعراق قد أصبح مناطق شيعة، ومناطق سنة عرب، ومناطق أكراد غالبيتهم من السنة. وحقق إقليم كردستان حكماً ذاتياً يكاد يرقى للإستقلال. وتود المحافظات السنية في الأنبار ونينوى وديالا وصلاح الدين أن تطالب بنفس الشيء. ولا شك أن فرص الإستثمار في العراق مجزية، ولكن المخاطرة عالية.
- أما في الأردن، فالوضع الآن أصبح تحت السيطرة، واختار الأردنيون طريق الإصلاح الهادىء، رغم ارتفاع الشكوى من هشاشة الإنجاز الإقتصادي. والأردن، مثل دول الخليج، مرشح للإنطلاق الإقتصادي. ولكن الصراع بين القرارات الشعبوية لضمان استمرار الأمن والقرارات التقشفية المطلوبة، وفق برنامج التصحيح يقتضي إدارة علمية فائقة المهارة. ومع هذا فالأردن بفضل المعونة الخليجية يمكن أن يحقق لنفسه فرص نمو عالية خلال السنوات القادمة.
- والسودان الذي يعاني منذ فترة طويلة من الأزمة ، قد يجد بعض المتنفس لبلد ينام على ثروات وإمكانات هائلة. ورغم ضعف الإدارة العامة، وغياب الأمن في دارفور، وعلى الحدود مع جنوب السودان، وحالة الفوضى، قادرة أن تكون اقتصادياً واستثمارياً في مقدمة الأوطان العربية.
- أما لبنان، بلد العلم والخدمات والسياحة، فإن مشاكله لا تنتهي. وهو مثل الاردن، يتمتع بإمكانات بشرية هائلة ، ولكن حدوده ملتهبة أيضاً. وإذا استقر وضع سورية، واستثمر الغاز في البحر المتوسط، فإن لبنان قادرُ بفضل مواطنيه ومغتربيه أن يكون منارة بكل معنى الكلمة.
وفلسطين التي تنتظر الفرج، ما تزال إمكانات الحل السلمي غامضة فيها. ولكنها لا شك إن حصلت على الدولة المستقلة ووقعت سلاماً ، فإنها ستشهد فورة اقتصادية عز مثيلها.
أما باقي دول المغرب العربي (الجزائر والمغرب)، فهما نجحتا في تجاوز الأزمة العربية، ولكن المملكة المغربية التي طورت إمكانياتها الإستثمارية والسياحية والبنى التحتية، ما تزال تعاني من معدلا فقر وبطالة عالية. وقد تكون هذه فرصتها لجذب الصناعات الكبيرة إليها. أما الجزائر فإنها مستقره، وتحتاج إلى نظرة داخلية حتى تحقق الأمن فيها. وما تزال مشكلة الصحراء بينها وبين المغرب تؤرق الجزائر أكثر من المغرب. ولكن الجزائر بتكامل مواردها وعدد سكانها ومساحتها قادرة أن تكون دولة في مصاف الأقطار الأوروبية.
أما دول الخليج، فمن الواضح أنها نجت من تحديات الربيع العربي الآن. ورغم بعض الأحداث عام 2011، إلا أن سلطنة عمان قد تجاوزت الإشكاليات. أما المملكة العربية السعودية فوضعها الداخلي آمن مستقر، وإن كانت سياستها الخارجة قد أخذت منعطفاً جديداً ينطوي على بعض التحديات. أما مملكة البحرين فقد وجدت من يقف إلى جانبها، وهي تسعى لأن تكون دولة شمولية، وساعية لمشاركة كل الفئات فيها في الإدارة العامة. ودولة الإمارات ودولة قطر على الرغم من تباين سياساتهما الخارجية حيث الأولى مسايرة محايدة، والثانية أكثر جرأة وانحيازاً، إلا أن وضعهما الداخلي يشهد نمواً كبيراً، ولا خوف عليهما.
العالم العربي يمر في مرحلة انتقالية نرجو أن لا يعلق في داخلها لأمد بعيد جواد العناني. وتقديري أن حالة الأمن إن تحققت، وقد تتحقق خلال سنة، فإنها ستشهد طفرة إقتصادية وعمرانية ليس لها مثيل سابق. وكما قال جون ستيوارت ميل" إن الدول الخارجة من الحرب تظهر عادة طاقة كبيرة على البناء والنماء" .
لا شك أن الـ CNN بالعربية ستكون مشغولة حتى الثمالة في الوقائع ذات القيمة الخبرية في الوطن العربي خلال الفترة القادمة.د.جواد العناني
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، الدكتور جواد العناني، الأكاديمي ورجل السياسة والاقتصاد والإعلام الأردني، عضو مجلس الأعيان، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN