ليبيا.. حتى لا تفشل الدولة

نشر
8 دقائق قراءة
متمرد سابق ضدّ نظام القذافي يقاتل مسلحين تقول تقارير إنهم من بقايا النظام السابق في مدينة ورشفانةCredit: GETTY IMAGES

بقلم كل من عمر بن حليم – عضو مؤسس لمنتدى ليبيا الديمقراطية وجيلبر ضومط – مدير عام مجموعة بيوند للإصلاح والتنمية

محتوى إعلاني

(ملاحظة المحرر: ما يرد في المقال أدناه يعبّر فقط عن مواقف كاتبيه ولا يعكس بأي وجه من الوجوه رأي CNN)

محتوى إعلاني

(CNN)-- تمرّ ليبيا في الوقت الراهن بمرحلةٍ حرجة جداً تتطلب من المجتمع الدولي الدعم من أجل إنجاح ثورتها ضد نظامٍ قمعي دام 42 سنة، وأن يتحمّل مسؤولياته ويدعم بناء الدولة الليبية بدءاً من التوافق على الدستور الليبي ليكون عقداً إجتماعيا يُشرك جميع فئات المجتمع. فالوقت لم يعد في صالح الليبيين لا بل أصبح يشكل خطراً على وحدة البلاد حيث يواجه الليبيون تحديات عدة تستدعي تشكيل نظامٍ سياسي شرعي لمعالجتها.

يعيش الليبيون إحدى أهم مراحل تكوين الدولة الليبية والنظام الديمقراطي الذي لا طالما سعوا إلى تحقيقه. وتتألف هذه المرحلة من محطّات أساسية تبدأ بالتوافق على نظامٍ إنتخابي وتشكيل لجنة لصياغة الدستور، مروراً بتطوير العقد الإجتماعي وصياغته في نص قانوني يتوافق عليه جميع الليبيين، ووصولاً إلى بناء المؤسسات الديمقراطية التي تكون مسؤولة عن إدارة البلاد وأمنها ومواردها.

وفي الواقع، تمرّ ليبيا في فترةٍ صعبة حيث تتزايد الأحداث الأمنية بين الكتائب ومع الجيش الوطني وتتنقل عمليات الإغتيال بين مناطق متعددة. كما يتزايد الكلام عن الفساد وسرقة الأموال العامة خاصة أن لا مؤسسات وآليات للمحاسبة، فضلاً عن تنامي فقدان المجتمع المدني لقناعته بإمكانية العبور نحو الدولة خاصة أنه مجتمع حديث العهد ولا يتمتع بقدرات عالية من أجل مواجهة هذا الكمّ من التحديات--الكاتبان.

ويفتقد المجلس الوطني العام إلى ثقة المواطنين وقد فقد شرعيته بالنسبة للعديد منهم بسبب ضعف أدائه وعدم احترامه للمهل التي حدّدها له الإعلان الدستوري في أغسطس 2012، بالإضافة إلى أنه لا دور أساسي له في عملية إعداد الدستور إلاّ في ما يتعلّق بوضع قانون إنتخابات للهيئة التأسيسية أو ما يُسمى "بلجنة الستين". وثمة إتفاقٌ خجول حصل على قانون الإنتخابات الخاص بهذه اللجنة، ويشوبه العديد من الإشكالات ويُواجه بالعديد من الإعتراضات إن لجهة آلية التمثيل أو لجهة ضمان وصول الكفاءات القادرة على صياغة الدستور.  

وعليه، يحتم كل ما سبق تحركاً مباشراً من قبل المجتمع الدولي للحث على بدء مسار بناء الدولة الليبية إنطلاقا من دستورٍ يعكس تطلعات المواطنين. وقد ناشد مجموعة من النشطاء، من خلال "مبادرة الخلاص"، السياسيين في البلاد درء خطر الفراغ في السلطة الذي يمكن أن يحصل عند انتهاء ولاية المؤتمر الوطني العام في 7 فبراير 2014 من خلال تحديد مسارا جديدا ومواعيد زمنية جديدة للمرحلة الإنتقالية والوصول إلى تطوير الدستور الجديد.

فلدى الليببين آمال كثيرة يعلّقونها على لجنة صياغة الدستور. وقد قامت مبادرة "نبي ف دستوري" (التي أطلقها المجتمع المدني الليبي بتنسيق من منتدى ليبيا الديمقراطية وبدعمٍ من صندوق الأمم المتحدة للتنمية) بتوثيق هذه التوقعات خلال حوارٍ وطني مع أكثر من ألف وخمسمئة مواطنٍ ليبي في أكثر من خمس عشرة منطقة من الشرق والغرب والجنوب. إن العديد من القضايا هي محط إجماع لدى الليبيين، ولكن بعض المواضيع التي لا تزال بحاجة إلى استكمال النقاش الذي يُتوقع أن تقوم لجنة الستين بتيسيره. ولقد اعتبر الليبيون القضايا الخمس الأساسية التالية على أنها الأهم، وطالبوا بها، وهي: على الصعيد الوطني - نظام الحكم والحريات العامة، وفي الجنوب - قضايا الهجرة والجنسية، في الشرق - قضايا توزيع الموارد، وفي الغرب - قضايا العدالة والتسامح. 

أوصى الليبيون لجنة الستين لدى تشكيلها تضمين الدستور خلاصة حواراتهم وهي:

بالنسبة للأولويات الوطنية أن يتضمن الدستور: أولاً- نظام حكم يضمن الديمقراطية وعدم عودة الديكتاتورية، ويضمن حقوق المواطنين الأساسية ويؤمن لهم الخدمات العامة ويضمن توزيع عادل للثروة وتنمية متوازنة بين المناطق. ثانياً، حماية الحريات السياسية وحرية التعبير والتجمع والحريات الضامنة للنشاط الإقتصادي والحريات الضامنة للتنوع الثقافي بما في ذلك استخدام اللغة الأمازيغية وغيرها من اللغات المحلية، بالإضافة إلى ضمان الدستور لحقوق المرأة وذوي الإحتياجات الخاصة.

أما بالنسة للأولويات على صعيد المناطق، فهي: أولاً - في المنطقة الجنوبية، أن يشمل الدستور آليات لإدارة الهجرة وإعطاء الجنسية بما يعزز تثبيت الهوية الليبية ويُسوّي الوضع القانوني للسكان ويضبط الأمن على الحدود، فضلاً عن إعطاء الحق للمرأة المتزوجة من غير ليبي في إعطاء الجنسية إلى أولادها. ثانياً - في المنطقة الشرقية، أن يتضمن الدستور آلية لإدارة الموارد والثروة تضمن الإنماء المتوازن والتوزيع العادل والشفاف. ثالثاً – في المنطقة الغربية، أن يضمن الدستور العدالة والمساواة بين الجميع دون التمييز على أساس الإنتماء السياسي أو العشائري، وأن يضع آليات لمحاسبة المجرمين وتحديد مسار المصالحة الوطنية.

أما على صعيد مسار صياغة الدستور، فلدى المواطنين مجموعة من التوقعات من شأنها أن تساهم في تعزيز الإستقرار:

أولاً - تترتب على هيئة صياغة الدستور مسؤولية وضع آليات رسمية وشفافة وفعّالة من أجل إشراك كافة الجهات في الحوار حول الدستور فينبغي أن يتحول إلى عقدٍ إجتماعي توافقي وتشاركي-- الكاتبان.

ثانياً – يترتب على المجتمع الدولي مرافقة مسار صياغة الدستور عبر برامج تعزز معرفة الليبيين بالقضايا المتعلقة بالمواطنة والديمقراطية والمصطلحات السياسية بهدف النهوض بمشاركةٍ واعية مبنية على المعرفة مما يجعل من صياغة الدستور فرصة للتعلم الوطني.

ثالثاً - ثمة إجماعٌ كبير على عددٍ لا بأس به من القضايا التي يجب أن يتضمنها الدستور. أما المواد الخلافية فهي محددة وفي العديد من الأحيان تتعلق بمخاوف تراكمت نتيجة النظام السابق أو بسبب توقعات لم تتحقق بعد انتهاء الثورة. ومن هنا، أهمية تضافر جهود كافة الأطراف السياسية بدعمٍ دولي من أجل استكمال الحوار حول هذه المواد ومنع اللجوء إلى العنف--الكاتبان من أجل حلّها بغية بناء توافقٍ يعزز ثقة المواطنين في الخيارات الدستورية.

إن التوصيات المقترحة عقب الحوارات بين كافة أطياف المجتمع الليبي، وفي حال تمّ تبنيها خلال صياغة الدستور، لا بد من أن ترتقي بديمقراطية العملية السياسية وتثبّت ثقة المواطنين بأهلية السياسيين ورغبتهم في التجاوب مع تطلعاتهم مما يعزّز فرص الإستقرار والأمن ومشاركة الجميع في بناء الدولة. لقد أذهل الليبيون العالم بتصميمهم لتكون "ليبيا حرّة" وجذبوا بإرادتهم الصلبة دعم العالم أجمع، فهل ينجحون في ذلك مجدداً لتكون لليبيا دولة قوية ديمرقراطية تحافظ على إنجازات الثورة؟

نشر
محتوى إعلاني