ما الذي حدث للثورة والثوار ؟
القاهرة، مصر (CNN) -- في محاولة مني للتملص من غرقي في الأحداث المملة، هذه محاولة للتحليق فوق الموقف لأراه بعين طائر من أعلى كي أزعم أنني أستطيع نقد ما أنا متورط فيه عاطفيا حتى النخاع بموضوعية. أرى أن الموقف حاليا هو كالتالي: لقد قمنا بثورة ونجحت وبالفعل خلعنا مبارك سواء بأنفسنا أو بإجبارنا للدولة التي تحميه أن تتخلى عنه وتخلعه رضوخا لنا، وهذا ليس بالشيء السيء أو المتواضع الإنجاز حتى لا نقلل من قيمة ما فعلناه. لكن ظهر لنا في الميدان من هتف فجأة الجيش والشعب يد واحدة ! سواء كانوا عناصر مدسوسة أو كانوا مجرد مواطنين عاديين لم يشاهدوا ما شاهدناه في أول أيام الثورة من دعم آليات الجيش للشرطة في محاولاتها فض الميدان بإمدادهم بالسلاح والذخيرة.
كنت أكثر المتشككين على الإطلاق عندما ظهر علينا عمر سليمان رئيس المخابرات العامة ليلقي هو بيان خلع مبارك -- وائل عباس ، حينها أيقنت تماما أنه انقلاب عسكري داخلي ضد مبارك، نعم انه 11 فبراير 2011 وليس 30 يونيو 2013، لكن لم أكن أريد أن أكون هادم اللذات أو كما يقول الأمريكان ’بارتي بوبر’ أو من يتبرز في حفل، لكنني بقيت متشككا بشدة فيما سيلي هذا، وأثبتت الأيام بالفعل أن المجلس العسكري الذي أدار البلاد وقتها فاسد ومجرم ولا يؤمن بقيام ثورة ولا ينوي مساعدة الشعب، لكنه فقط يريد الحفاظ على الامتيازات التي تحظى بها المؤسسة العسكرية سواء كانت اقتصادية او سياسية أو دولية ضد أي عبث من مدنيين غارقين في المثالية ونظريات الإصلاح والتقويم والتطهير للمؤسسات الغارقة في الفساد لعقود.
لقد كانوا طوال عهد مبارك دولة داخل الدولة بكل مقوماتها بما قد يرقى إلى حالة احتلال، وخلال حكم المجلس العسكري قامت حملة ضخمة ضد الثوار محاولة لتدمير سمعتهم ومصداقيتهم، الا من وافق منهم على عقد سلام مع العسكر وجلسوا وتفاوضوا معهم بمسميات مثل ائتلافات شباب الثورة التي لم تكن بأي حال تمثل الثورة ولا أعرف كيف تكونت، وكنت أسمع عن الإقصاءات المتعمدة في تكوينها ولا شك عندي في وجود أجهزة مخابراتية وراء تكوينها بهذا الشكل خصوصا بتعمدهم إقصاء التيارات اليسارية والمدونين تحديدا وتركيز الائتلافات في ليبراليين ممن لم يجدوا غضاضة في سياسات مبارك الاقتصادية إلى جانب الإسلاميين بمختلف أنواعهم.
والخلاصة كانت نشطاء بلا أي تاريخ نضالي تقريبا يمثلون حراكا استمر ما يقرب من العشر سنوات. مجموعات من الانتهازيين والمخبرين وعرائس الماريونيت سهلة التحريك. كنت اتلقى مكالمات في منتصف الليل من صديق أو صديقة: "إلحق يا وائل دول استبعدوني من الائتلاف وعياط وشحتفة، وكان ردي الكوول "الهادئ": وإنتي صدقتي إن دول ها يمثلوا الثورة فعلا؟ ده ديكور."
استمر عندي الشعور بأن ثورتنا لم تنجح بعد وأننا نحتاج إلى أن نستمر -- وائل عباس، وبالفعل استمريت في مهاجمة المجلس العسكري وائتلافات شباب الثورة على حد سواء، لم أكن وحدي فقد كانت هناك حركات مثل لا للمحاكمات العسكرية وعسكر كاذبون ومصرين وآخرون. وكانت هناك معارضة أقل حدة وأكثر نعومة تدعو إلى اتخاذ خطوات ديمقراطية وعقد انتخابات وكتابة دستور وأشياء من هذا القبيل، والتي بالطبع لم تسر في اتجاهها الصحيح بسبب وجود صفقة مسبقة بين العسكر والإسلاميين والغرب يباركها، لأنه يرى في ذلك أفضل توازن للحكم في مصر الحليف الاستراتيجي المهم. أما عن الثوار والثورة ومطالب الشعب، فالغرب يفكر فيهم كالتالي: "ابوكم ما تقرفوناش عندنا مصالح في المنطقة أهم من حريتكم."
وبالفعل استولى الإخوان والسلفيون والإسلاميون بشكل عام على البرلمان، وكتبوا دستورا معيبا سالبا للحريات -- وائل عباس كما يبغون، واعترفوا بعده علنا وبكل أريحية في ندوات مسجلة ومرفوعة على الإنترنت، أنهم خموا الليبراليين والعلمانيين والمسيحيين ومرروا وكتبوا كل ما يريدونه. وانفرط عقد من كانوا يقفون كتفا بكتف في الميدان مدعين وحدة الهدف، مكشرين أنيابهم عن انتهازية مقززة وأنانية مفرطة وحالة سكر بين أوهام القوة والقدرة والتأييد الشعبي.
نهاية الجزء الأول
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.