رأي: من يتصدى لتواطؤ الشرطة مع تجار البشر بمصر والسودان؟
تنويه من المحرر: جيري سيمبسون هو كبير الباحثين في شؤون اللاجئين لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان ومؤلف التقرير الحقوقي الجديد: "أريد أن أتمدد وأموت: تهريب وتعذيب الإرتيريين في مصر والسودان والمقال التالي كتبه خصيصا لـCNN وهو يعبر عن وجهة نظره الخاصة ولا يعكس بالضرورة رأي الشبكة.
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- مسفين فر من بلاده عام 2012 تحت جنح الظلام، النظام القمعي الإرتيري أرغمه على ذلك، كما أرغم عشرات الآلاف من الرجال والنساء قبله، فقد جرى تجنيده في الجيش عندما كان يبلغ من العمر 16 سنة، وكان من الممكن له تمضيه حياته بأكملها في صفوف الجيش دون أن يختار ذلك طواعية، ما اضطره بالتالي إلى الفرار من ثكنته.. ولكن السلطات قبضت عليه.
بعد ثمانية أعوام قضاها في السجن تمكن مسفين من الفرار، وعبر الحدود الخطيرة لبلاده، والتي يحرسها جنود مصرح لهم بالقتل، وتمكن من دخول شرق السودان بحثا عن ملاذ آمن.
تجربة مسفين ليست فريدة من نوعها، فمنذ عام 2004 فر ما لا يقل عن 130 ألف إرتيري خارج البلاد، بمعدل 35 شخصا يوميا -- جيري سيمبسون، متجهين إلى السودان هربا من التجنيد الإجباري والتعذيب والإخفاء القسري والقمع الديني. وفر عشرات الآلاف أيضا إلى أثيوبيا المجاورة. إن سجل إرتيريا في مجال حقوق الإنسان فظيع لدرجة أن 90 في المائة من طالبي اللجوء الذين فروا من ذلك البلد حصلوا على صفة "لاجئ" أو ما يشببها في البلدان التي وصلوا إليها.
ولكن مسفين لم يكن يدرك أن وضعه بعد الفرار إلى السودان سيزداد فظاعة.
لقد قدم مسفين لي روايته حول ما حصل بعد دخوله الأراضي السودانية، فقد اعترضت الشرطة طريقة وأخذته إلى مركز تابع لها، وطلب هو نقله إلى أحد مخيمات اللجوء في المنطقة، ولكن الشرطة قامت عوض ذلك ببيعه – إلى جانب اثنين آخرين من أبناء بلده – إلى تجار البشر السودانيين. لقد أبلغ المئات من الإرتيريين خلال الفترة الماضية عن تعرضهم للاختطاف من قبل مهربين سودانيين، بتواطؤ من أجهزة الأمن في بعض الحالات.
وقال مسفين إن محتجزيه هددوه بممارسة العنف ضده في حال لم يعمد إلى الاتصال بأقاربه في إرتيريا من أجل جمع مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات، وقد دفع أقاربه المبلغ، ولكن محتجزيه لم يفرجوا عنه، بل ألقوه في شاحنة للنقل مع 20 من مواطني بلده ونقلوهم إلى الحدود المصرية، وهناك عمدوا إلى تسليمهم للمهربين المصريين الذين يعملون بدورهم في الاتجار بالبشر.
اقتاد المهربون المصريون مسفين ومن معه إلى منزل كان فيه عدد من رجال الأمن، الذين نقلوا الإرتيريين إلى حافلة مدنية توجهت بهم إلى شبه جزيرة سيناء.
لقد وثّقت الطريقة التي يتآمر من خلالها بعض عناصر الأمن في مصر مع المهربين وتجار البشر -- جيري سيمبسون، عند النقاط الأمنية الواقعة بين الحدود السودانية مع مصر وبين قناة السويس، وكذلك في منطقة القناة الخاضعة لحراسة مشددة، إلى جانب الجسر الوحيد للسيارات الذي يمر فوق القناة مرورا بالنقاط الأمنية في بلدات سيناء وقرب الحدود مع إسرائيل.
ونقل مسفين مع سائر رفاقه في المجموعة إلى مكان يستخدمه تجار البشر في سيناء للاختباء فيه، وعمد المهربون إلى تقييدهم بالسلاسل والاتصال بأقاربهم في إرتيريا طالبين الحصول على ما يعادل 33 ألف دولار مقابل إطلاق سراحهم، ومن أجل إرغامه على التعاون، عمد المحتجزون إلى ضرب مسفين وتعذيبه وجلده وإسالة البلاستيك المذاب على ظهره.
منذ عام 2010 سجلت المنظمات الدولية المعنية باللاجئين والأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش ونشطاء في إرتيريا مئات الحالات المشابهة من التعذيب، ولكنهم يؤكدون على أن ما هو معروف ليس أكثر من رأس جبل الجليد لحقيقة ما يجري على أرض الواقع، خاصة وأن بعض الإرتيريين يبقون في قبضة المهربين وتجار البشر لأشهر، يتعرضون خلالها لتعذيب شديد.
التعذيب يشمل الحرق والتشويه والاغتصاب واستخدام الصعق الكهربائي، إلى جانب الاتصال بأقارب المحتجزين من أجل دفعهم إلى تسديد الأموال عبر إرغامهم على الاستماع إلى صراخ وصيحات أقاربهم خلال تعذيبهم. وقد لا يقتصر الأمر على مجموعة تهريب واحدة، بل قد يعمد المهربون إلى بيع المحتجزين مجددا إلى مجموعة أخرى من المهربين، لتبدأ رحلة العذاب نفسها من جديد.
وبعد جولة ثانية من التعذيب، أطلق المهربون سراح مسفين، ولكن معاناته لم تنه، فعلى غرار آلاف الإرتيريين اعترضت شرطة الحدود المصرية طريقه قبل أن يصل إلى الحدود الإسرائيلية التي باتت مغلقة بدورها، بعض الموقوفين يلاحقون بتهمة التسلل بشكل غير مشروع ويبقون قيد الاحتجاز لأشهر في مراكز الشرطة بسيناء في ظروف غير إنسانية.
السلطات المصرية تحرم الموقوفين من حقوقهم التي ينص عليها قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر عام 2010، والذي ينص على ضرورة منحهم المساعدة العاجلة، بما في ذلك العناية الطبية والحماية والحصانة القانونية ضد الملاحقة، كما تحرم السلطات المصرية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من دخول سيناء وتحظر اتصال الموقوفين بها.
ولا تفرج السلطات المصرية عن الإرتيريين المحتجزين لديها إلا بعد تأكدها من حصولهم على أموال تكفيهم لشراء تذكرة طائرة تنقلهم إلى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، وهناك ينتهي المطاف بهم في مخيمات اللاجئين الإرتيريين، وهي مخيمات لا تختلف عن نظيرتها الموجودة في المناطق النائية شرق السودان لجهة ظروف الحياة المتدنية والقيود المفروضة على الحركة وانعدام فرص العمل.
على مصر والسودان إنهاء الاستغلال المروع للإرتيريين عبر جهود ترمي إلى فرض القانون وتحديد المسؤولين عن الاتجار بالبشر وملاحقتهم قانونيا هم ورجال الأمن الذين يتعاملون معهم. على السلطات المصرية ضمان ألا تؤدي العمليات الخاصة بمكافحة المسلحين في سيناء إلى مهاجمة المخابئ الخاصة بتجار البشر، بل العمل على تحرير المحتجزين وملاحقة الجناة في ظل احترام كامل لحقوق الإنسان.
كما يجب على السلطات المصرية أن تتوقف عن اعتقال ضحايا الاتجار بالبشر في سيناء وسواها من المناطق والسماح لهم بالسفر إلى القاهرة من أجل الحصول على الرعاية الطبية وأشكال المساعدة الأخرى، وكذلك تسجيل أنفسهم لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان بحال كانوا يبحثون عن الحماية الدولية.
وعلى الجهات الدولية التي تقدم الدعم المالي لمصر، وبينها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التوقف عن تجاهل هذه الأوضاع والضغط على حكومتي القاهرة والخرطوم من أجل التحقيق في هذه القضية وملاحقة الخاطفين ومعاقبة من يتآمر معهم من رجال الأمن .
مسفين هو واحد من القلة الذين ابتسم الحظ لهم وتمكنوا من التوجه نحو القاهرة بعد إفراج تجار البشر عنه، وهو الآن يخضع للعلاج جراء ما لحق به وينتظر الاعتراف به كلاجئ. فما من أحد يطمح إلى الحصول على الحماية من الانتهاكات المريعة في إرتيريا يستحق أن يمر بما مر به مسفين.
يذكر أن المقال يعبر عن رأي صاحبه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.