مصري يروي رحلته من الجماعة الإسلامية إلى الإلحاد فالبوذية
(ملاحظة من المحرر: أحمد هو شاب مصري يقول إنه كان ينتمي للجماعة الإسلامية في مصر قبل أن تقوده رحلته الروحية إلى الهند أين اعتنق البوذية. المقال الذي أرسله إلينا اختار أن يكون موقعا باسم أحمد(اسمه المسلم) أرجونا (وهو لقب بوذي). وما يرد في المقال يعبّر عن رأي كاتبه ولا يعكس بأي حال من الأحوال وجهة نظر CNN.)
بقلم أحمد أرجونا
اسمي أحمد، من مواليد 1977، وولدت بعائلة مسلمة، في الحقيقة في مراهقتي لم أكن فقط متدنياً أنا كنت متدنياً بشدة حتى أني انضممت للجماعة الإسلامية في بداية التسعينات.
لم أستمر في الجماعة الإسلامية فترة طويلة، استيقظت صباح أحد الأيام لأجد جميع أعضاء الجماعة قد تم إلقاء القبض عليهم، ومن لم يقبض عليه يشكون في بعضهم لإنه وفقاً لوجهة نظرهم (أنت بالتأكيد عميل لأمن الدولة)--أحمد أرجونا، وبالتالي انقطعت كل صلتي بالجماعة.
دخلت الجامعة بعد ذلك وبدأت في دراسة الحقوق، وفي الجامعة بدأت أبحث بين المجموعات السياسية النشطة لربما أستطيع أن أجد بينها ما هو قريب من توجهاتي، وفي هذا الوقت أصبحت أميل أكثر للفكر الاشتراكي وكنت لازلت مسلمًا ولذا كان التيار الناصري هو الأقرب لي لما يحمله من احترام للدين والتقاليد والقيم المجتمعية بالإضافة لإيمانه بالفكر الاشتراكي.
للتعمق أكثر في الفكر الاشتراكي ولفهم الفروق بين المدارس المختلفة بدأت في قراءة الفلسفة، ومن الفلسفة دخلت لتاريخ الأديان، ومن تاريخ الأديان لفلسفة تاريخ الأديان المقارن وعند هذه النقطة وصلت للإلحاد.
من قبل إلحادي كان هناك إحساس بالفراغ بداخلي، حالة من العطش لشيء ما ولم أستطع أن أروي هذا العطش، أرى هذا العطش في مظاهر المجتمع من حولي، الاهتمام بالممتلكات، السعي للمكانة الاجتماعية، حب القبول الاجتماعي والقبول، الملذات الحسية، ولكن في ذلك الوقت كان عمري أقل 18 عام عندما تعرفت على المخدرات وظننت أني وجدت ما أبحث عنه أخيراً، أتذكر جيداً أول مرة دخنت بها سيجارة مخدرات وهستيريا الضحك التي دخلت بها وكنت سعيد جدا وظللت لفترة كلما دخنت سيجارة أدخل في هيستريا من الضحك لا تتوقف، وكما يعرف جميع المدمنين ففترة شهر العسل لا ستتمر طويلاً، فبعد فترة يحتاج المدمن لأن يزيد جرعته من ذات المخدر، ثم بعد فترة يحتاج لأن يخلط أكثر من نوع مخدر ببعضهم، ثم ينتهي أي إحساس بالانتشاء ويبقى فقط السعي للحصول على المزيد من المخدرات، ولسنوات كان هدفي هو فقط الحصول على المخدرات حتى أستطيع أن أتعامل مع الآخرين بشكل طبيعي.
أتذكر جيداً آخر سنتين من تعاطي المخدرات، كنت قبل ذلك أحاول التوقف عن التعاطي، ذهبت لأطباء، أخذت أدوية، حضرت مجموعات علاج نفسي، ولكن بعد فترة وصلت لنتيجة إني لن أستطيع التوقف أبداً عن التعاطي، كان هذه نقطة الانحدار، اليأس الأعظم، سقطة في هذه الهوة لسنتين بلا أي أمل.
رغم إن عملي كمحامي لم يتأثر، رغم عدم تعرضي لمشاكل مع القانون، ولكني الجهد الذي كان علي القيام به للاستمرار في التعاطي، البحث عن التاجر، البحث عن المخدر، جمع المال، مشاركة الآخرين بالمال حتى نشتري المخدرات سويا. هذه الدائرة التي لا تنتهي من الأفكار المسيطرة أريد المزيد، أريد المزيد، أريد المزيد، الجزع الذي أشعر به فور انتهاء المخدرات، أصحى من النوم كل ما أفكر فيه كيف سأجد مخدرات لليوم، وعندما أجد المخدرات لا أستطيع النوم حتى أنتهي من تعاطيها، وفور انتهائها أعود مرة أخرى في ذات الدائرة، هذه الدائرة كانت النقطة الفاصلة، أتذكر هذا اليوم جيداً عندما أعطتني والدتي رقما للخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، قبلها بدقائق استيقظت وجلست واضعاً رأسي بي يدي، أفكر، لا أستطيع الاستمرار بهذه الطريقة أكثر من ذلك، عندما وضعت والدتي الرقم أمامي، قررت لأول مرة من ستنين أن أحاول التوقف مرة أخرى لأني تعبت. في هذه الرحلة لم توجد نقطة محورية، علامة فارقة، ولكن كان هبوطاً تدريجياً متتالياً بلا توقف، رحلة استنفاذ لكل قواي حتى وصلت لنقطة لم أستطع الاستمرار بعدها.
أنا اليوم متعافي قرابة الـ 14 عام، وكانت رحلة تغيير جذرية لشخصيتي، ففي البدء فهمت ما كانت أبحث عنه، كنت أبحث عن الهدوء من كل هذه المخاوف التي بداخلي، كنت دائم البحث عن الإحساس بالسكينة، وحتى أستمر في رحلة التعافي من المخدرات كان لابد لي من أضيف جانب روحاني لحياتي المادية القحة، ولذا كان علي أن أبحث في المدارس الروحانية المختلفة.
في ذلك الوقت كانت الأديان الإبراهيمية غير جذابة بالنسبة الي، ولذا بدأت في البحث في المدارس الروحانية المختلفة. تعرفت على متدربين لليوغا والتأمل، بدأت أجرب صيام تطهير الجسد وتنظيفه، كما جربت العديد من أنواع التأمل ولكن كان دائماً هناك شيء ناقص، رؤية.
كعاشق للفلسفة وكشخص مادي كنت بحاجة لأن أمارس شيئا روحانيا ولكنه في ذات الوقت قائم على أساس عقلاني، شيء أستطيع أن أفهمه وأفسره وأن يقبله عقلي، شيء لا ينفصل عن رؤيتي للحياة وما فيها، بحيث لا تصبح ممارستي كجزيرة معزولة ولكن كتتمة لطريقة التي أري بها العالم، كنت بحاجة لرؤية روحانية وليس فقط لمجرد مجموعة من الطقوس أو التدريبات، وهذا ما جذبني للفلسفة البوذية.
لثلاثة أيام متتالية رأيت معلمي في أماكن مختلفة، كان يرتدي ثيابا غريبة أجبرتني على ملاحظته كلما رأيته، في اليوم الثالث كان يجلس بالطاولة المجاورة لي في أحد مقاهي وسط البلد، فقررت أن أتجاذب معه أطراف الحديث، سألته عن ردائه وهل هو خاص بأحد المدارس الروحانية فقال لي نعم، سألته أياً منها، قال لي البوذية، فطلبت منه بشكل مباشر أن يعلمني، وبدأنا الرحلة سوياً.
كشخص ملحد لا أرى البوذية ديانة، فوفقاً لفلسفة الأديان لوصف معتقد بأنه ديانة يجب أن يحتوي على قوى غيبية يستمد منها نظام طقوس ومعتقد قائما على الحلال والحرام. وثلاثتهم لا وجود لهم في البوذية. هي فلسفة تحمل رؤية عميقة للعالم من حولنا وهذه الرؤية ليست نظرية فقط ولكن على كل متدرب أن يصل لها ويطور ثقته بها من خلال تدريبات الخاصة، لا يوجد بها أي نظام دغمائي مفروض يجب على الجميع إتباعه، بها ملايين الطرق ولكل شخص الحرية في أن يخلق تجربته الخاصة، حيث إنه لا يوجد أي نظام معتقدي علي من يعتبرون أنفسهم بوذيين أن يتبعوه بحذافيره.
كناشط سياسي تم القبض علي ثلاث مرات أخرهم أثناء ثورة 52 يناير عندما أبلغ عني بعض جيراني أني أدخل الطعام والأغطية للمعتصمين بالتحرير، لكن التجربة التي أود أن أشاركها هنا هي الفارق بين المرة الأولى والثانية على المستوى الروحاني، المرة الأولى كانت في عام 2000، تم القبض علي مظاهرة وأودعت بالسجن لمدة شهرين، عند القبض علي كنت في بداية رحلتي للامتناع عن المخدرات، وكان هذا أيضًا قبل أن أتعرف على أي مذاهب روحانية، كانت تجربة السجن بالنسبة لي هي تجربة التحمل.
معرفة عائلتي بموقفي من الدين تطورت مع الوقت، في البداية بالطبع كنت متدينا بشكل عادي، ثم التزمت لفترة، ثم رجعت مرة أخرى للصلاة في المنزل مع والدي. عندما بدأت وجهة نظري في الدين تتغير، كان يدور بيني وبينهم الكثير من الجدال لإثبات صحة وجهة نظري وخطأ رأيهم، بعد أن اتخذت قرارًا بالإلحاد كانت تدور جدالات عنيفة في المنزل حول أخطاء الدين، حاول والدي اللجوء لشرائط الدروس الدينية وتشغيلها في المنزل بصوت عالي لربما أستمع لما قد يرجعني، لم يدرك أنه بذلك يفقدني أكثر وأكثر لأن انعدام المنطق لدى مثل هؤلاء الشيوخ وسطحيتهم وأحياناً وجود مغالطات تاريخية وعلمية في دروسهم كان ينفرني أكثر وأكثر، تعلمت بعد ذلك إن الجميع ليس لديهم الشجاعة لمناقشة الدين، هذا يتطلب إسقاط هالة القدسية التي تغلف الأفكار الدينية حتى يستطيع العقل أن يناقش ويدرس بحرية، من العبث أن أتوقع مثل هذه التجرد من الأشخاص العاديين، فهم لم يرثوا فقط نمطاً من المعتقدات ولكن أيضاً منظومة من التفكير تدعم هذا، ومهماً أثبت أمام أعينهم بما لا يدع مجالاً للشك، فدائمًا الإيمان أقوى من العقل، لذا توقفت عن إثارة الشقاق وتجاهلت الأمر.
ضميري مستريح تماماً لما توصلت إليه فيما يتعلق بعائلتي، لن أخسر نفسي من أجل أي كائن، ولكني في نفس الوقت لن أشعل الدنيا نارا دون طائل، أحاول أن أبُقي الأمور هادئة بقدر الإمكان ولم أعد مهتماً بإثبات شيء لأحد.
وللآن، للأسف عائلتي لا تعرف شيئاً عن معتقداتي لأنهم بسطاء جداً ومعرفتهم بذلك ستؤذيهم كثيراً--أحمد أرجونا، لذا أفضل أن لا أصارحهم بشيء مؤلم لهم وفي نفس الوقت لا أدعي شيئا ليس في، أحاول أن أظل معهم في المنطقة الرمادية فلا هم يعرفون ولا هم لا يعرفون.
أصبح من الهام في تعاملي مع عائلتي والآخرين أن أتفهم حقيقة كلماتهم، كلمات الأدعية المختلفة لم تعد بالنسبة لي ألفاظًا طقسية تردد على سبيل المجاملة، ولكني أصبحت أنظر للمعنى الأعمق لها، دعوى التوفيق وما تحتويه من حب، دعوى الحماية وما تحتويه من خوف غريزي على ما هو عزيز. وللأسف الكثير من الملحدين يأخذون موقفاً متطرفاً عند سماع مثل هذه الدعوات ولكن في الحقيقة أنا أستخدمها بالضبط كما كنت أستخدمها قبل قرار إلحادي، فهذه الكلمات في سياقها الثقافي هي أداة التعبير عن محبة بيننا كبشر.
وبذات الطريقة بعد دراستي للفلسفة البوذية أصبحت أنظر للأديان كلها إنها أداة لتطوير البشر، بغض النظر عن الجوانب السلبية في أي فكر أو تطبيق، ولكن سيظل بكل الأديان جوانب إذا طبقها أتباعها ستحمل الخير لجميع البشر--أحمد أرجونا. لم يعد الهدف من مناقشاتي أثبات أي وجهة نظر هي الصحيحة، عندما أتحدث مع شخص يتبع ديانة مختلفة أحاول فقط التأكيد على أهمية الجوانب الإنسانية الموجودة في ديانته. وأعتقد أن هذا هو الهدف من نشري لهذه السطور.