الربيع والشباب في الشرق الأوسط
بيروت، لبنان (CNN) -- حلّ الربيع العربي في المنطقة فساد الإحباط وسط الشباب.
لم يفرز ربيع مصر قائداً. ولم تصل ثورة تونس بالبلاد الى الاستقرار، واستحضرت المعركة الدولية حول سوريا روح التطرف والتمذهب، فيما تكشفت انتفاضة ليبيا عن مجتمعات عشائرية ضيّقة الأفق. لا يختلف المشهد كثيراً في بقية الميادين.
أن تكون محسوباً على فئة الشباب في الشرق الأوسط أمرٌ يستدعي مراجعة لمعايير تصنيف سمات المراحل العمرية للإنسان -- علي شهاب !
تعرضت هذه الفئة لانتكاسات متشابهة في مختلف ساحات الربيع العربي: تخلص الشباب المصري من حكم حسني مبارك ليجدوا أنفسهم مسلوبي الثورة والقرار من تيار ديني لا يحاكي تطلعات شعب مقهور يمتلك مقدرات كبيرة ويفتقد لمن يُحسن ادارتها. عادوا ونزلوا الشارع لعزل ممثل الاخوان المسلمين في الرئاسة، فسلب منهم الارهاب المتنقل المتعدد التمويل والاهداف والاطراف حق تقييم تجربة حكم العسكر في لحظة صار فيها الأمن – لا الاقتصاد – أولوية المواطن المصري.
تطلع شباب سوريا لإصلاحات محقة تحاكي التحول الحاصل في تركيبة المجتمعات العربية الأكثر انفتاحا بالارتقاء الى دولة أكثر مشاركة في الحُكم وأشد ارتباطا بحاجات الشارع بعيدا عن المحاصصة التقليدية السائدة منذ عقود، فوجدوا أنفسهم وسط نيران الصراع بين أطراف يساندها لاعبون إقليميون ودوليون، وذهبت شعارات الاصلاح ضحية لعبة السياسة والمصالح الكبرى في جنيف -- علي شهاب بنسخه التي لن تنتهي – بحسب ما يخبرنا التاريخ – قبل عقد من الزمن.
رزحت بلاد الشام تحت وطأة التكفير بعد ان كانت نموذجا للتعايش والتسامح، فوجد الشباب أنفسهم أمام أهون الشرين: القبول بالنظام السوري على علاته. إحباط آخر في سوريا التي كانت تمتلك كل مقومات التفاؤل لما فيها من عناصر في الحضارة والجمال. حتى في تركيا، ذلك البلد الذي يلامس نسيم "الربيع العربي" حدوده وعاصمته بحذر، يجد الشباب أنفسهم اللاعب الأضعف في لعبة العسكر والإخوان المسلمين.
تجد الإحباط نفسه في ليبيا واليمن والبحرين التي لم يُعترف فيها بعد بحق الشعب في حلول الربيع.
وماذا بعد؟
لنعد الى التاريخ قليلا لنقرأ المستقبل.
قبل أن تتخذ معظم دول أوروبا الشكل الذي صارت عليه في القرن العشرين، مرت مجتمعاتها منذ القرن الخامس عشر على أقل تقدير بعدة فصول اتسمت كل منها بصور شبيهة بما تشهده منطقتنا حاليا: الانتفاضات على العروش، الحروب باسم الدين، المؤامرات الخارجية... جميع هذه الفصول هي التي ساهمت في تبلور الشكل النهائي لهذه الدول بعد الحرب العالمية الثانية. تحتاج الدول الى عشرات بل مئات السنين كي تقنع شعوبها بضرورة تغيير أنماط التفكير. غير أن بصيصا من أمل يلوح في زماننا؛ فالطفرة التكنولوجية وثورة الاتصالات قد تختصر الزمن، وقد لا يحتاج الشرق الأوسط سوى الى بضعة عقود من الزمن ليعيد تركيب نفسه -- علي شهاب. بضعة عقود فترة زمنية قصيرة في عمر البشرية.
لن تحمل السنوات المقبلة الكثير من المشاهد الجميلة، لكنها ستتراكم بالتأكيد لتصنع تغيراً جذرياً في التحالفات والمواقع والأدوار. سيمر الربيع العربي بأشكال اخرى من النزاعات بين العلمانية والدين، وبين الطوائف والمذاهب، وبين الجغرافيا والسياسة، وسيأتي يوم يجد فيه الشباب العربي أن أعداء اليوم هم حلفاء الأمس وبالعكس؛ لكن هذا كله لن يبدل في حقيقة مجرى السنن التاريخية والكونية. هي مجرد ارهاصات لولادة عالم أفضل على كوكب تُبرز احصاءات الأمم المتحدة أنه لم يعرف السلم في آخر خمسة آلاف عام مليئة بالحروب سوى لأعوام قليلة.
تنحو المرحلة الحالية من الربيع العربي بالشباب نحو الشاعرية! فقد الشباب ثقته بمن حوله وصار أكثر عزلةً. هذا الميل نحو الشخصانية والنزعة نحو الأنا على حساب الحس الاجتماعي من شأنه أن يُفرز في مرحلة أولى (يمكن ان نطلق عليها اسم الحرب العربية الأولى تيمنا بالحرب العالمية الاولى) مجتمعات صغيرة متشابهة ومتجانسة، وفي مرحلة ثانية (سأسميها الحرب العربية الثانية) ستضطر هذه المجتمعات الصغيرة الى اعادة بناء الدول وفق معايير أكثر انسانية بعيدا عن الأسباب او ذرائع الدين والمصالح التي يتقاتلون عليها اليوم.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.