رأي: موريتانيا والسير نحو مزيد من القمع
بدأت تسيطر علي هواجس قيام النظام العسكري بالدخول في مرحلة جديدة من قمع الحريات والتضييق على المواطنين والنشطاء والمدونين، وذلك بعد أن قامت الحكومة الموريتانية باقتراح مشروع قانون يهدف إلى تأطير مجتمع المعلومات الموريتاني والتحكم فيه وفق ما يراعي "الأخلاق الفضيلة ويرعى الأمن " ، فقد أقلقني ذلك القانون وتلك الجملة الفضفاضة.
هواجسي هذه بدأت تزداد حين ظهرت موجة تكفيرية تقوم بها مجموعات سلفية مرتبطة بالنظام، تدعو إلى تقييد الحرية وتترصد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي -- أحمد جدو وتسعى لإصدار أحكام تكفير بحقهم وترهبهم وتحاول ثنيهم عن نشاطهم وكتاباتهم.
لكن الأمر تفاقم بسرعة والأحداث أصبحت تتلاحق والخطاب المعادي للديمقراطية أصبح يعلو بشدة ويجد صداه، وبدأ النظام يؤسس لمخططاته.
جاء ذلك بعد أن قام كاتب موريتاني بكتابة مقال تضمن ما اعتبر تشكيكا في عدالة الرسول محمد (الكاتب معتقل الاَن)، حيث بدأت جماعات باستغلال الوضع والترويج بأن السبب في ذلك هو الحرية والديمقراطية -- أحمد جدو ، وأنه من اللازم أن يتم وضع حد لظاهرة التعرض للمقدسات ووضع قوانين جديدة تكبح الحرية، وقامت بحملات تشويه ضد بعض الأماكن العامة في موريتانيا مثل المقاهي التي يجلس فيها الكثير من النشطاء. وقام الجنرال محمد ولد عبد العزيز (الرئيس الحالي لموريتانيا الذي قام بانقلاب على أول رئيس مدني منتخب) بالخروج إلى الجماهير والتأكيد على أن موريتانيا "إسلامية وليست علمانية" وأنه سيطبق شرع الله، وهو ما اعتبره بعض المراقبين ركوبا على موجة الغضب التي سببها المقال وتجييشا للمشاعر الدينية للمواطنين.
القضية لم تنته هنا، فقد تصاعد التوتر بعد أن أُعلن في وسائل الاعلام الموريتانية عن قيام مجهولين بالعبث بالقراَن الكريم في أحد المساجد الموريتانية (لحد الاَن لم يتم التحقق من طبيعة الحادثة ولم يعرف الجناة وهناك من يشكك فيها )، لتقوم بعد ذلك مسيرات مناهضة لهذا الفعل ومطالبة بمعاقبة الجناة، فرد عليها النظام بالقمع الشديد، وسقط خلالها قتيل والعديد من الجرحى واعتقل المئات من المشاركين فيها ليتم اطلاق سراحهم فيما بعد، وحدثت أعمال شغب وتخريب، ما دفع وزارة الداخلية بعد ذلك لمنع التظاهر، كما أن هناك أنباء عن قرب إعلان حالة الطوارئ.
ويقوم الاَن النظام بحملة مصادرة وحل بحق مجموعة من المنظمات الموريتانية العاملة في مجال الثقافة والتعليم والخدمة المجتمعية، يتهمها النظام بخرق قانون الجمعيات، ويحاول ربطها باستغلال حرق المصاحف أو حتى فبركته.
كل هذا يحدث في ظل قيام النظام بتنظيم انتخابات تشريعية قاطعتها المعارضة وشهدت تزويرا منقطع النظير، وقبل انتخابات رئاسية مازالت الشكوك تحوم حول مشاركة المعارضة فيها، وفي ظل مطالبات بسقوط النظام العسكري في موريتانيا.
طبيعة الأحداث التي وقعت في موريتانيا مؤخراً تجعلني أؤمن أنها مختلقة، والهدف منها هو بث خطاب معاد لقيم الديمقراطية وتخويف الناس منها واقناعهم أنها هي السبب في التعرض لمقدساتهم الدينية -- أحمد جدو ، حتى يقتنعوا أن تقييد الحريات ضروري من أجل الحفاظ على "قيم المجتمع ."
وأرى كذلك أنها مقصودة من أجل بث حالة من العنف و الغضب الشعبي الغير منظم، ودس بعض المخبرين بصفوفه ليتحكموا في خط سيره، حتى يتسم بطابع العنف ليجد النظام الفرصة لكي يمنع التظاهر بحجة الحفاظ على أمن الدولة والمواطنين، وتنجح حملات الترويج لفكرة أن الحكم العسكري أفضل من الفوضى والتخويف من أي دعوة للتغيير عن طريق الشارع.
وأظن أيضا أن هناك هدفا ثانيا لهذه الحالة وهو صرف أنظار الناس عن همومها وعن قضاياها الملحة من بطالة وفقر مدقع وجوع وعن فساد النظام وتزويره للانتخابات ونهبه الممنهج للثروة.
لكن ماذا على القوى الديمقراطية أن تفعل ؟
لمواجهة هجمة النظام العسكري على الحريات في موريتانيا والتي قد تصل إلى حل بعض الأحزاب السياسية، أقترح التالي.
* توحيد جهود القوى الديمقراطية من أحزاب ومنظمات حقوقية ومجتمعية حتى لا يستفرد النظام بأي فصيل منها وأن تقوم بحملات توعوية في الشارع توضح للمواطنين طبيعية الهجمة وأسبابها وأن لا تتركه للإعلام الرسمي وحملاته.
* الاستمرار في الاحتجاج في الشارع ومحاولة الحفاظ على السلمية، وأن تترك القوى الديمقراطية الخلافات البينية، وأن تستعيد حماسها وتكثف الجهود لخلق حراك جماهيري أكثر قوة في الشارع فقد أثبتت التجارب أن النظام العسكري في موريتانيا يرفض التنازل والحوار ويقوم فقط بمخططاته الخاصة التي تطبعها الأحادية في الطرح.
* أن يتجهز المدونون والنشطاء لمعارك وحملات ضد أي قانون يهدف إلى خنق أصواتهم على الشبكة ويشهروا به ويحاولوا إسقاطه وأن لا يتركوا النظام يشوه صورتهم أمام شعبهم فهو الفيصل في المعركة.
وأن يدرسوا تجارب البلدان العربية التي نظمت فيها حملات مناهضة للقوانين القامعة للحريات مثل المغرب ولبنان والأردن.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.