رأي: على اليهود الأمريكيين دعم جهود كيري.. لا إعاقتها
إنني بالتأكيد واحد من أولئك الذين يساندون حالياً جهود منظمة "جي. ستريت" (J. Street) للتقدّم بالسّلام الإسرائيلي الفلسطيني وأنا أثني على محاولاتهم الدؤوبة في الاتصال بزعماء الكونغرس الأمريكي والمجموعات اليهوديّة لدعم جهود السّلام التي يبذلها وزير الخارجيّة جون كيري. ولكنني في حيرة من أمر الدّعوة التي أطلقها رئيس منظمة "جي. ستريت"، جيرمي بن-عامي، طالباً الدعم المالي "للمساعدة في إرسال مزيد من المرشّحين الموالين لإسرائيل والمساندين للسّلام إلى الكونغرس الأمريكي ومواجهة الهجومات الشخصيّة على كيري".
وبصرف النّظر عن مدى حسن نيّة هؤلاء، هناك ثلاثة مشاكل أو مخاوف رئيسيّة حول دعوة بن عامي:
أوّلا، من يتّبع أفكار الكونغرس الأمريكي ومشاعره حول عمليّة السّلام الإسرائيليّة – الفلسطينيّة يشهد بتأييد ساحق لإسرائيل. لقد ناشد العديد من رجال الكونغرس إدارة الرئيس أوباما بألاّ تضغط على إسرائيل للقيام بأية تنازلات لا ترغب في القيام بها طوعاً.
المشكلة هنا ليست عدم وجود دعم لإسرائيل من طرف الكونغرس، بل لأنّه لا يوجد الكثيرون ممّن يدعمون على وجه الخصوص جهود كيري السلميّة كما هو وارد في نداء بن عامي -- ألون بن مئير . وما يعنيه هذا بشكل محزن هو أنّ على اليهود الأمريكيين على حدّ قوله اختيار فقط أولئك الممثّلين الذين يدعمون سياسة معيّنة تجاه إسرائيل وأنّ هذا يجب أن يكون المعيار الوحيد الذي سيؤهلهم للانتخاب.
الرّسالة التي توجهها هذه الدعوة، وبالأخصّ للناخبين الغير يهود، هو أنّ إسرائيل، وفقط ما هو لصالح إسرائيل (ولو كان حتّى من وجهات نظر ايديولوجيّة مختلفة)، يجب أن يكون اختبار الدّليل للممثّلين القدامى والجدد. ما يفعله هذا الأسلوب المضلّل هو تقوية فكرة أنّ الكونغرس الأمريكي في جيب إسرائيل ويخدم مصالح إسرائيل.
المشكلة الثانية في مناشدة بن عامي هي أنّ انتخابات الكونغرس الأمريكي ستجري بحدود نهاية العام الحالي، وهذا يعني بأن جميع أعضاء الكونغرس الجدد والقدامى سيشرعون فعليّا بالعمل في نهاية شهر كانون ثاني (يناير) من العام القادم 2015. ونظراً للحاجة الماسّة للتوصّل لبعض التقدم الحقيقي في المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة، فكيف إذا سيتمّ الآن انتخاب "مرشّحين مؤيدين للسّلام" لدعم جهود كيري في حين أنّ الوقت عامل أساسي ؟
أجل، هناك حاجّة ماسّة لإحراز بعض التقدّم في هذه المرحلة الحاسمة جدّا من المفاوضات -- ألون بن مئير ، ليس أنني أتوقّع اتفاقيّة سلام شامل خلال الاثني عشرة شهرا القادمة، ولكن إن لم يكن هناك تقدّم جوهري لإبقاء الإسرائيليين والفلسطينيين في المفاوضات وفي أمل التوصّل لاتفاقية سلام، فإنني أشكّ جديّا بإمكانيّة استمرار المفاوضات سنة أخرى.
لقد أكّد بن عامي مرّة أخرى بكلماته الخاصّة بأن الوقت حرج عندما قال: "ستكون الأشهر القادمة فترة حاسمة للسّلام ولأمن إسرائيل -- ألون بن مئير . وحيث أنّ كيري يستعدّ الآن لعرض اتفاقية الإطار، لا نستطيع نحن أن نقف مكتوفي الأيدي ...". ولتحقيق ذلك، على مجموعة "جي. ستريت" حشد قوى أعضاء الكونغرس الحاليين لمساندة جهود كيري الحثيثة والمتواصلة وتعريف كلّ عضو منهم بالاحتمال الرّهيب لحدوث "حريق جديد هائل" في المنطقة إن فشلت جهود كيري.
على كلّ عضو من الكونغرس ألاّ يسمع فقط من ممثلي "الآيباك AIPAC" (اللجنة الأمريكية الإسرائيليّة للشئون العامّة") شديدي التحفّظ والذين يساندون بشكل أعمى سياسة العناد الإسرائيليّة الحاليّة، بل عليهم أيضاً أن يسمعوا من رؤساء المنظمات اليهوديّة الرئيسيّة الذين يدعمون بالكامل جهود كيري.
المشكلة الثالثة هي أنّه بالرغم من أن مجموعة "جي. ستريت" تسوّق نفسها "كمنظمة تركّز أساساً على التعليم والثقافة الغير حزبيّة وتدافع عن قضايا قوميّة هامّة، غير أنها لم تفعل سوى القليل لتثقيف وتنوير أعضاء الكونغرس بالقضايا الحقيقيّة المتنازع عليها بين إسرائيل والفلسطينيين. لا يكفي لأن يسمع عضو في الكونغرس الأمريكي من أحد أعضاء اللوبي اليهودي لماذا عليه أو عليها دعم ما هو الأفضل لإسرائيل. لتثقيف وتنوير هؤلاء الممثلين حول القضايا التي تفصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين يجب أن يُدعى هؤلاء ليروا ويصغوا للإسرائيليين والفلسطينيين وهم يتباحثون في مخاطر عدم التوصّل للسّلام. عليهم أن يشاهدوا مأساة الفلسطينيين تحت الاحتلال ويفهموا لماذا استمرار الاحتلال يقوّض بشكل خطير مكانة إسرائيل -- ألون بن مئير المعنويّة والأخلافيّة التي تؤثّر على كلّ يهودي، بصرف النّظر عن مكان إقامته.
يجب على مجموعة "جي ستريت" أن تردّ بالحجج على ادّعاء "الآيباك" بأن إسرائيل محاصرة ومحاطة بأعداء يسعون لتدميرها. كان لهذه الإدعاء تأثيرا في الكابيتول (مقرّ الكونغرس الأمريكي بواشنطن)، فبدلا من الدّفع للسّلام الآن بمساندة جهود كيري هم يساهمون بشكل غير مقصود بدعم سياسات إسرائيل المدمّرة ذاتيّا.
الحقيقة تقول أنّه وبالرّغم من أقصى جهود الآيباك في واشنطن، فإن إسرائيل تزداد عزلةً على الساحة الدوليّة يوماً بعد يوم. والفشل المحتمل للمفاوضات الحاليّة سيقع مباشرةً على كاهل "الآيباك" وعلى كاهل وكلائها. يجب على "جي ستريت" أن تتحدّى الأيباك على أرضها وتبيّن لها بأن الحفاظ على إسرائيل كدولة آمنة وقابلة للحياة يعتمد على السّلام، حتّى ولو تطلّب ذلك تنازلات مؤلمة، فمهما كانت هذه التنازلات مؤلمة، فإنها ستبهت مقارنةً بالدمار الذي ستسبّبه سياسات نتنياهو لإسرائيل.
إنّ "جي ستريت" منظمة تستحقّ دعم كلّ فرد يهمّه مستقبل إسرائيل وضمان أن تبقى الروابط الأمريكيّة – الإسرائيليّة في نموّ قوي ومستمرّ. ولكن يجب ألاّ يؤخذ ذلك على أنه من المسلّمات.
أجل، إنّ صبر الولايات المتحدة والغرب بدأ ينفذ وسيأتي قريباً الوقت الذي لا تستطيع فيه إسرائيل أن تعتمد على التأييد السياسي ألأتوماتيكي (الآلي) لأمريكا والغرب -- ألون بن مئير هذا ناهيك عن ذكر العدد الهائل من العلاقات التعاونيّة الأخرى المهمّة لأمن إسرائيل القومي ورخائها.
يجب عدم السّماح لمن يسّمون أنفسهم قادة يهود - الجالسين على كراسيهم المريحة على بعد عشرة آلاف ميل ويتشاورون حول عدم تقديم التنازلات "على حساب الدمّ الإسرائيلي"- هدر الوقت الضخم والطاقة الهائلة ورأس المال السياسي الذي بذله جون كيري وما يزال يبذله. على هؤلاء ألا يذهبوا فقط لإسرائيل بل للمناطق المحتلّة ويروا بأم أعينهم حياة الفلسطيني المحروم من حريته الشخصيّة، ولا فرصة ولا أمل له بمستقبل أفضل. ماذا يتوقّع هؤلاء منه أن يفعل ؟
إسرائيل تخلق قنبلتها المؤقتة لنفسها من خلال سياسات مدمّرة ذاتيّا -- ألون بن مئير وأيّ يهودي أمريكي لا يرفع صوته عالياً، ذكراً كان أم أنثى، لتأييد ودعم عمليّة السّلام يكون شريكاً في عمليّة إراقة الدماء التي لا مفرّ منها بعد ذلك.
يحتاج كلّ مرشّح للكونغرس دعماً ماديّاً لحملته الانتخابيّة، وهذا شيء مشروع. ولكن يجب ألا يأخذ أحد منهم سنتاً واحداً إذا كان مشروطاً بدعم أي موقف سياسي سيضرّ لاحقاً بإسرائيل بطريقة أو بأخرى. يجب أن يكون هؤلاء واعين ومثقفين، لا أن يكونوا سلعةً تُشترى، لكي يدركوا الرهانات العالية التي تكمن وراء فشل مساعي كيري. يجب أن يفهموا بأن وجود إسرائيل يعتمد أساساً على السّلام مع الفلسطينيين. ولذا عليهم العمل على هذا الأساس ليس فقط لصالح إسرائيل، ولكن للفلسطينيين أيضاً، لأنّ مستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين محبوك في مستقبل واحد ولا أحد منهما يستطيع العيش بسلام وأمن دون الآخر.
(ما ورد في المقال يعبّر فقط عن رأي كاتبه ألون بن مئير ولا يعكس بأي حال من الأحوال وجهة نظر CNN).