الإخوان المسلمون بالأردن: من المشاركة الى الشراكة !!
كان طبيعياً أن تنفتح شهية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن على قرب تولي الحكومة - كي لا أقول الحكم - على خلفية مخرجات الربيع العربي في مصر وفي تونس ونتائج الانتخابات في المغرب وحراك الشعب الأردني ضد قوى الجمود والليبرالية المتوحشة وفسادها.
وقد زجت هشاشة القوى الديمقراطية والقومية والتقدمية المصرية ونتائج الانتخابات النيابية، جماعة الاخوان المسلمين في "محنة الحكم" - كي لا أقول مطحنة الحكم- ووقعوا بسهولة، في المقتل التقليدي الذي لم يتعلم منه كل من وصلوا الى الحكم: " مقتل الاستئثار".
لم يتنبه الاخوان المسلمون – وهم أهل الفطنة – الى أن التفرد وبروز الحزب الكبير الواحد وسط غابة من الأحزاب الضعيفة هو خطر على المجتمع أولا وخطر على الحزب الكبير نفسه الذي سيصبح عرضة للمكائد وهدفا لقوى الفساد والجمود التي لا تريد شريكا يهدد مصالحها.
وفي حديث مطول في منزلي في رمضان 2012 مع الصديق الشيخ زكي بني رشيد القيادي في الجماعة بحضور الصديق الشيخ علي أيوب الخلايلة وعمر داودية، قلت له: " كيف تطمئنونا منكم"؟؟ فالمخاوف من هيمنة الاخوان المسلمين مشروعة وليست وهمية، ونحن ضد سيطرتكم على الحياة السياسية والتشريعية الأردنية -- محمد داودية لأننا مع التعددية السياسية وضد الاقصاء والادناء.
وفي اطار بحثنا عن "صيغة تفاهم" وطنية تقنعهم بالمشاركة في انتخابات 2013 النيابية، أكدت على أن المطلوب الان هو تنازلات متبادلة تحقق جزءا من مطالب الكل وليس كل مطالب البعض. وعندما سألني: ما لذي سنخسره ان لم نشارك في الانتخابات؟ كان ردي أنكم ستخسرون ما كنتم ستربحونه: مقاعد في مجلس النواب والأعيان وسفراء وامناء عامين والعودة الى منابر المساجد وغيره، هذا على مستوى تنظيمكم والاهم ان المجتمع والحياة الديمقراطية الأردنية ستكسب أصوات نوابكم التي تحول دون التفرد وتشكل رقيبا وحسيبا تحت القبة، وتعيد ترتيب المشهد السياسي الأردني برمته لجهة الحد من توغل قوى الجمود والفساد على الحياة السياسية والاقتصادية.
وان الغياب عزلة وخسارة ودعم لقوى الشد الخلفي وان ما لا يدرك كله لا يترك كله والبرلمان السيء يصنعه الناخبون الجيدون الذين لا يذهبون الى صناديق الاقتراع.
الشيخ زكي بني رشيد قال لي إن مطالب الاخوان المسلمين لم تعد (المشاركة) بل أصبحت (الشراكة) وقال انهم مستعدون لصفقة واتفاق وتقديم التطمينات الكافية والمطلوبة لإزالة المخاوف والهواجس من هيمنة الاخوان على البرلمان وعلى الحياة السياسية، ان تم التخلي عن الصوت الواحد.
وبدا ان الجماعة مستعدة للاتفاق والصفقة، وبدا بني رشيد مقتنعا بوجوب اعادة النظر في قواعد التعامل مع الجماعة على قاعدة ان ما كان مناسبا في السابق لم يعد مناسبا الان وان (الترضيات) لم تعد مقبولة.
على الضفة الاخرى، في مصر مثلا، فقد أخذت القوى الشبابية والتقدمية واليسارية والقومية والعلمانية وقوى الحداثة والأزهر والأقباط والسلفيون والفلول والدولة العميقة على الإخوان المسلمين أنهم استأثروا وطبقوا نهج "المغالبة" وجشع السلطة، هذه المآخذ صحيحة 100%، فأبرز خطايا الإخوان بداية، انهم رشحوا رجلا منهم رئيسا لمصر هو خيرت الشاطر - و بديله محمد مرسي - ولم يتحلوا بالخيال السياسي -- محمد داودية والزهد والمرونة والواقعية السياسية ليفسحوا المجال لشخصية مصرية مستقلة او شخصية تحالف سياسي تحظى بالاحترام، فيرشحونه ويدعمونه الى ان تصبح الظروف مهيأة لرئيس "اخواني".
وقد ساهمت تلك الأطراف في إيصال الإخوان المسلمين الى حالة المغالبة والاستئثار والى حافة الفشل والهزيمة عندما رشحوا واحدا من رموز "الفلول" - أحمد شفيق- رئيساً للجمهورية !!
ان نجاح الاخوان المسلمين لا يعزى الى قوتهم فحسب، بل يعزى الى سوء تكتيكات وخيارات و تحالفات القوى المناهضة لهم -- محمد داودية المتوزعة على قوى المجتمع المدني والقوى الاجتماعية الجديدة والقوى القديمة والفلول والاقباط وقوى الدولة العميقة. فقد توزعت تلك القوى على عدة مرشحين أمام تماسك النواة الخبيرة الصلبة التي هي قوة الاخوان المسلمين ومعها التيار الشعبي الذي اعتقد ان الاخوان وكلاء الله في الأرض.
ان الاطاحة بحكم الاخوان المسلمين في مصر هو شأن شعبي داخلي مصري وان فشل تجربتهم في الحكم المتفرد الاقصائي، كان نتيجة محتمة ومسألة زمن قريب، غير ان أحد أبرز المخاطر التي ستنجم عن ذلك هو جنوح القوى الدينية المعتدلة في كل الوطن العربي وفي طليعتهم الاخوان، الى الراديكالية و نفض اليد من الأنظمة التي تتهمهم بأنهم يبطنون المغالبة ويلجأون الى صناديق الاقتراع لبلوغها وفرض برنامجهم فرضا. وان الاطاحة بإخوان مصر ما كان ليتم لولا تخلي الجماعة السلفية الاسلامية (حزب النور) عن حليفها علاوة على أنه كشف ازدواجية معايير وانتهازية كل القوى السياسية المصرية التي ساندت الاطاحة لا بل وألبت عليها.
ما يجري في مصر هو اقصاء الاخوان المسلمين الشركاء الرئيسيين الضروريين، لأي حكم في الوطن العربي - وفي الأردن - واذا كان الاخوان المسلمون قد مارسوا الحكم بقلة وعي على استحالة المغالبة ووجوب التوافق ولزوم التشاركية، فإن الذين أطاحوا بهم وقعوا في نفس المحظور الخطير.
لقد برهنت الاحداث في مصر على أن الاصلاح في الاقليم يتم في دورق الأواني المستطرقة، فإما ان يطفو الاقليم معا او يغرق معا، -- محمد داودية وان وتائر الاصلاح في بلد لا يمكن ان تفلت من جذب قوى الاقليم كافة. ونتيجة ما يجري في مصر ستكون حجة لقوى الجمود والمحافظة والتفرد العربية كافة، للمضي في نهجها العقيم الذي يضع المجتمع أمام خيار أوحد هو الأمن او الديمقراطية.
إن الاطاحة بالإخوان تعني استبدال انفتاحهم ومرونتهم، بالانغلاق والجمود والتكفيريين والاستئصاليين والخزعبلات والهرطقة، وان توازن القوى والقوة في مصر يستدعي بالضرورة وقطعا بالمصلحة، عدم استخدام القوة، لعدم قدرتها على الحسم ولإمكانية تحول الطرف الآخر الى استخدامها.
وما لا يتحقق بالانتخابات سيتحقق بالطلقات.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN