رأي: لتبتعد أمريكا عن "فنتازيا" الأهداف إن رغبت بمساعدة السوريين
مقال لفيصل عيتاني، الباحث في "مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط"، المقال مكتوب خصيصا لـCNN ولكنه يعبر عن رأي كاتبه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر الشبكة.
(CNN) -- بعد ثلاث سنوات على اندلاع الحرب الأهلية السورية تطالب أمريكا النظام السوري بإغلاق سفارته لديها، ولكن الخطوة التي جاءت متأخرة للغاية هي مجرد بديل منخفض التكلفة لسياسة أمريكية مجدية تجاه سوريا وهي تعكس المقاربة التي تعتمدها واشنطن تجاه المأساة السورية التي تقدم الدبلوماسية على التعامل مع الوقائع الموجودة على الأرض. في الواقع إن تركيز الولايات المتحدة على المؤتمرات الدولية، مثل "جنيف 2" يتجاهل طبيعة المعارضة السورية نفسها.
لم يفت الأوان من أجل تغيير هذه المقاربة وتحويل الهدف الفنتازي للسياسة الأمريكية بتحقيق انتقال سياسي في سوريا إلى هدف واقعي، ولكن من أجل القيام بذلك يتوجب على الولايات المتحدة نقل تفكيرها من جنيف إلى قرى وبلدات ومدن سوريا.
مطلع العام الماضي، تمكن الثوار في سوريا من السيطرة على مدينة الرقة، وبعد صراع مع المجالس المحلية حول كيفية إدارة المحافظة قام ائتلاف المعارضة المدعوم من أمريكا في الخارج باختيار عبدالله خليل، وهو أحد المحامين المعنيين بحقوق الإنسان، لرئاسة المجلس المحلي. في 19 مايو/أيار 2013 تردد أن مسلحين مقنعين قاموا باختطاف خليل الذي انقطعت أخباره منذ ذلك الوقت. اختفاء خليل يظهر كيف أن المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها قد فشلت استثمار نجاحاتها المبكرة في المناطق المحررة، ما سمح للنظام بالاستمرار.
لقد ساهمت الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها إقليميا في فشل المعارضة، فقد وجهوا الأموال والأسلحة إلى أفراد وعائلات على أساس الولاء السياسي عوضا عن بناء تحالفات محلية واسعة، بل الأسوأ من ذلك أنهم تركوا الجهات المحلية المتحالفة معهم بموقف ضعيف أمام النظام والمجموعات المسلحة عبر عدم دعمهم بالمال والعتاد المناسبين.
يبدو أنهم لم يدركوا بأن المجالس المحلية المدنية غير المحمية لن تكون قادرة على مواجهة النظام والمتطرفين، وبالتالي فإن أي تقدم يحققه أشخاص مثل خليل سيتبدد بعد رحيلهم. لقد أدى انهيار المعارضة المعتدلة في الرقة إلى حصول فراغ قوة استفاد منه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الجهادي الذي يضم عناصر من جنسيات متعددة، وبعد التسلط العلماني للنظام عانى السكان التعساء من التسلط الديني.
هناك طريقة أفضل لدعم المعارضة السورية، بعيدا عن الطريقة غير النافعة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية باعتماد الدبلوماسية الرفيعة المستوى، وكما قلت أنا وزميلي ناثانيال روزنبيلت في بحثنا المنشور عبر "مجلس الأطلسي" يمكن تطوير مقاربة أكثر نفعا عبر تركيز الاهتمام الأمريكي على الوقائع السورية المحلية من أجل تحقيق فهم أفضل للمعارضة الوطنية ولحمايتها من النظام والمتشددين الطائفيين.
إن النظر عن قرب إلى سوريا يكشف واقع غياب مؤسسات على مستوى الدولة يمكنها اتخاذ وتطبيق القرارات نيابة عن السوريين، وبصرف النظر عن الفشل المتكرر وخيبات الأمل وخذلان الحلفاء المفترضين في الغرب فإن غالبية السوريين يرفضون منح الشرعية لائتلاف المعارضة المدعوم من أمريكا، والذي زعم تمثيلهم في مؤتمر جنيف، فخلال الحروب الأهلية يعود القرار إلى من يقاتل ويموت على الأرض، وفي سوريا يشمل هذا التعريف التنظيمات الإسلامية مثل "أحرار الشام" و"جبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة، والتي تمكنت من تحقيق نجاحات بسبب الدعم المالي والعسكري القوي من جهات إقليمية ومن أفراد أثرياء يتعاطفون مع طروحاتها الإقصائية، وبالتالي سيكون على واشنطن التعامل مع هذه المليشيات المتشددة أو المساعدة على تشكيل تحالفات مقاتلة قادرة على امتصاصها أو ردعها أو تدميرها.
ما لم تكن الولايات المتحدة ترغب في استمرار الوضع الحالي في صفوف المعارضة السورية، والذي ينذر بنتائج غير مشجعة، فسيكون عليها دعم المجموعات الأقل عداء للمصالح والقيم الأمريكية، وهذا يعني تحديد وتدريب وتسليح وتمويل تلك الجماعات، بما ينسجم مع الظروف المحلية ولا يتعارض معها، ويشمل ذلك القبائل والعائلات والطوائل وسائر التشكيلات الاجتماعية. وحده التحالف الواسع وصاحب الحضور القوي على الأرض سيتمكن من تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، أما الزعم بأن الائتلاف هو ذلك التحالف والاستمرار في الضغط عليه من أجل المشاركة في مؤتمرات لا طائل منها فهو تصرف ظالم وخطير.
إن تطوير تحالف معارض قادر على القتال والتفاوض نيابة عن كل السوريين ليس بالأمر السهل، كما أن تغيير موازين القوى على الأرض سيستغرق عدة أشهر، إلى جانب ضرورة عدم إغفال أن المال والسلاح ليسا كل شيء، إذ تحتاج المعارضة إلى التدريب والتوجيه على طرق التنسيق والتخطيط ووضع التكتيكات والاستراتيجيات، أما صانعو القرار السياسي الأمريكي فعليهم تخصيص المزيد من الوقت والجهد لرصد وتحليل التطورات المحلية ومحاولة الإجابة عن الأسئلة الصعبة، مثل تحديد هوية المجموعة المعارضة التي تسيطر على هذه المنطقة أو تلك وقدرتها على الاحتفاظ بها وطبيعة علاقاتها مع الجماعات الثائرة الأخرى ومع النظام وتشابك تلك العلاقات في المناطق والأحياء السكنية ومواقف الشخصيات النافذة وقيادات القبائل وطبيعة السلطة التي تمتلكها هذه الجماعة ومصدر شرعيتها.
قد لا يقدم الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، على اعتماد هذه المقاربة خلال وقت قريب بسبب الشكوك الذي تنتابه حيال قدرة أمريكا على استخدام قوتها والرغبة بعدم التورط في الشرق الأوسط، ولكن ما من طريقة أخرى لتحقيق الانتقال السياسي وإضعاف الجماعات الجهادية في سوريا. وإذا ما أصر الرئيس الأمريكي على اعتماد منصة الدبلوماسية المنخفضة التكلفة والنتائج فستواصل سوريا انحدارها نحو الفوضى والإرهاب مع ما يتبع ذلك من معاناة تفوق الوصف للسوريين، إلى جانب تهديد الدول المجاورة وتزايد العنف المذهبي بالمنطقة.
سواء في الوقت الحالي أو بعد انتهاء ولاية الرئيس أوباما عام 2016 ستكون الولايات المتحدة مضطرة للانخراط في الصراع السوري على مستوى أعمق. والتفكير في الشؤون المحلية السورية يعني الأخذ بالاعتبار الحقائق الميدانية في سوريا كما يعيشها ويشكلها السوريون أنفسهم، وليس كما يتمناها صناع القرار السياسي.
المقال مكتوب خصيصا لـCNN ولكنه يعبر عن رأي كاتبه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر الشبكة