استطلاعات الرأي العام: إجابات على تساؤلات مشروعة
هذا المقال بقلم مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) ماجد عثمان، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
ترتبط استطلاعات الرأي العام إرتباطا وثيقا بالانتخابات، ليس فقط بحكم تاريخ نشأة صناعة استطلاعات الرأي العام والذي ارتبط بانتخابات الرئاسة الأمريكية منذ نحو قرن من الزمان، ولكن أيضا بحكم الرغبة العارمة لدى الجميع لمحاولة استشراف نتائج الانتخابات لما لها من أهمية كبرى في تحديد مسارات مستقبل الأمم وأيضا لما لها من تأثير على مصالح نخب سياسية واقتصادية. وعلى الرغم من أن النمط العام في الإعلام العالمي هو الترحيب بقياسات الرأي العام لما تشكله من إضافة معرفية إلى المحتوى الإعلامي الذي يفترض أن تتبارى وسائل الإعلام لتقديمه للمتلقي، إلا أن الواقع المصري يشير إلى "خصوصية". وهذا التعامل المختلف هو ما دفعني لكتابة هذا المقال محاولاً توضيح بعض النقاط التي آمل أن يتسع الصدر والعقل لإستيعابها دون إعمال نظرية "سوء الظن من حسن الفطن".
***
والسؤال الهام هو لماذا يهاجم البعض استطلاعات الرأي العام؟
وتوجد من وجه نظري عدة أسباب، السبب الأول يرتبط بسلوك إنساني يُرحب بنتائج إستطلاعات الرأي العام إذا جاءت متوافقة مع توقعاته أو مصالحه -- ماجد عثمان ويتلقاها بتحفظ إذا كانت مخالفة لتوقعاته أو مهددة لمصالحه، وتتفاقم حدة الترحيب أو التحفظ كلما إزدادت درجة الإنغلاق الفكري أو درجة رفض الرأي الآخر وبالتالي إنكار وجوده، ويبدو لسان حال هؤلاء أن رأيهم هو الرأي العام وإذا خالف الرأي العام رأيهم فالأرجح أن العيب في عملية قياس الرأي العام.
السبب الثاني يرتبط بحالة فقدان الثقة التي تسيطر على المجتمع المصري وحتمية التصنيف السلبي لكل صاحب رأي مخالف -- ماجد عثمان ، وكانت تجربة مركز بصيرة ثرية في التهم التي ألصقت بها والتي تغيرت حسب تغير اتجاهات الرأي العام. فعندما كانت الدفة تميل لصالح عبد المنعم أبو الفتوح في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة لعام 2012 كانت التهمة الجاهزة "خلايا نائمة للإخوان" وعندما ظهر أحمد شفيق كمنافس قوي أصبحت التهمة "فلول". وفي فترة المئة يوم الأولى من حكم الإخوان وعندما رصد مركز بصيرة نسبة موافقة مرتفعة على أداء الرئيس السابق محمد مرسي تعدلت التهمة إلى "إخوان" وعندما تراجعت هذه النسبة بشكل حاد بعد الإعلان الدستوري المؤقت واستمرت هذه النسبة في التراجع حتى نهاية السنة الأولى لحكم الإخوان تعدلت التهمة مرة أخرى لتصبح "تابعين للجيش". وعلى الرغم من أن هذا التنوع في التصنيفات في أقل من سنتين يرجح حيادية مركز بصيرة إلا أنها تصيب في مقتل صناعة قياس الرأي العام والتي لا غنى عنها في نظام ديمقراطي يكرس مبادئ الحكم الرشيد من مسائلة واستجابة وشفافية.
***
السبب الثالث، هو نظرة الإعلام لاستطلاعات الرأي العام والخلل القائم في فهم دورها ومحدودية نتائجها. والإشكالية الرئيسية تكمن في الإجابة على السؤال التالي: هل دور استطلاعات الرأي العام التنبؤ بالمستقبل أم مجرد تفسير الواقع؟ وأرى أن دور استطلاعات الرأي العام هو بالدرجة الأولى رصد الواقع ومحاولة تفسير تعقيداته في لحظة (فترة) جمع البيانات. بمعنى أنه يعرض مثلا نسبة تأييد المرشحين المتنافسين في سباق الرئاسة في يوم معين ويعرض بالتحليل التفاوتات الجغرافية والتفاوتات بين الشرائح الاجتماعية مثل النوع والعمر والحالة التعليمية والمستوى الإقتصادي. أما التنبؤ بالمستقبل فهو أمر آخر يعتمد على افتراضات، يضعها المحللون السياسيون وقدرتهم على التنبؤ بالمستقبل ترتبط بمدى إنطباق هذه الفروض. ولتوضيح هذه النقطة فإن نتائج استطلاعات الرأي التي تمت قبل الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي قامت بها مراكز مصرية (من بينها مركز بصيرة) وضعت المرشح الرئاسي محمد مرسي في المرتبة الرابعة أو الخامسة وبدا الأمر كما لو كان دليل فشل. وهنا يجب توضيح سبب إختلاف نتائج إستطلاعات الرأي العام عن نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة لعام 2012، وهي على النحو التالي:
- عندما أعلن مركز بصيرة نتائجه ذكر أن 33% من العينة لم تحسم رأيها في المرشح الذي ستختاره وجاءت هذه النسبة أعلى من النسبة التي ساندت أي مرشح من المتنافسين على الرئاسة في مصر، وجاء تعليقنا على النتائج وهو ما نشر في جريدة المصري اليوم أن المعركة الانتخابية لم تحسم وأن من يستطيع الحصول على الثلث الذي لم يحسم أمره سيضمن مقعد في جولة الإعادة. وعلى الرغم من أن هذا قيل بوضوح شديد إلا أن معظم من يعلق على هذه النتائج يتجاهل تحليلنا حول نسبة الذين لم يحسموا أمرهم ويركز على ترتيب المرشحين.
- يطبق القانون المصري مبدأ فترة الصمت السابقة على موعد إجراء الانتخابات، وبناء على ذلك فإن استطلاعات الرأي العام توقفت يوم 16 يونيو 2012 إلتزاماً بالقانون علما بأن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة لعام 2012 تمت يوم 23 مايو، أي أن الاستطلاعات لم تعكس التغيرات التي شهدها الأسبوع الأخير والذي كان عامراً بشتى أنواع الحشد التي مارسها مرشحون لا يتمتعون بقدرات متساوية، ومن ثم فإن القدرة على جذب الثلث الذي لم يحسم أمره حسمت نتيجة الانتخابات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل الهجوم على استطلاعات الرأي العام هو هجوم عشوائي نتيجة لحالة إنعدام ثقة أو نتيجة لغياب ثقافة إستطلاعات الرأي العام وهي حالة سيتم تجاوزها تدريجيا أم أن هذا الهجوم هو هجوم منهجي منظم -- ماجد عثمان ينزع أحد أدوات الحكم الديمقراطي بهدف تقويضه؟