حكم القتل على المسيحية المتهمة بالردة يطرح للنقاش هوية السودانيين

نشر
5 دقائق قراءة
Credit: .

بقلم: نعمة الباقر

محتوى إعلاني

"من نحن" ذلك هو سؤال الهوية الذي ما انفك يؤرق السودانيين منذ فترة ليست بالقصيرة لاسيما أنّ يسكنون منطقة تعد نقطة التقاء شمال إفريقيا العربي بمنطقة القرن، مما يمنحهم خصوصية كونهم من الشرق والغرب في الآن نفسه.

لكنّ هذا السؤال الصعب، وجد له الرئيس السوداني عمر البشير إجابة، عندما قال بوضوح في أحد خطاباته "نحن أمة عربية إسلامية ومن لا يعجبه يمكن أن يغادر."

جاء ذلك بعد أن نفّذ الكثيرون فكرة البشير حتى قبل أن ينطق بها: ففي 2011، وبعد 21 عاما من الحرب الأهلية، اختار أغلب المسيحيين الانفصال بدولة اختاروا لها اسم جنوب السودان.

لكن ذلك لم يساهم في تقريب الهوة بين البلدين، حيث تدور اشتباكات وخلافات تصل إلى شفير الحرب في بعض الأحيان بشأن حقول نفط.

لكن ذلك نجح في إقناع الإسلاميين في السودان، أي الشمال، بتحديد هدف واضح يطلقون عليه "المشروع الثقافي" والذي أطلق عام 1989 عندما صعدوا إلى السلطة في انقلاب عسكري أفضى إلى إقرار الشريعة وتمييع التعدد السياسي.

ولا يعكس المشروع "الثقافي" تعدد الأعراق والثراء الثقافي الذي يميز السودان الذي يجمع بين التراث الصوفي ومهرجانات المسيحيين الدينية، وعلى العكس فقد أرسى قواعد تيوقراطية في المجتمع تشدد على وضع الحجاب ومحاكم "النظام العام" بما أفضى عمليا إلى وجود شرطة أخلاق.

وخلال السنوات الأولى من الحكم الإسلامي، تكررت مشاهد جرّ الفتيات اللائي يضعهن القدر بالصدفة على مرأى من رجل شرطة يحكم اعتباطيا بأنّ لباسها لا يتلاءم مع المعايير الأخلاقية للمجتمع، إلى داخل السيارات الشحن التي تستخدمها قوات الشرطة، بالمئات، لتتم إهانتهن في أفضل الأحوال.

وحتى اليوم، ورغم تخفيف "الأحكام والتعليمات" حول طريقة اللباس، إلا أنه من العادة أن تكون بعض دوريات الشوارع بمثابة التذكير بضوابط اللباس ومعايير كيف يكون "غير إسلامي."

وكانت محكمة "نظام عام" من أصدرت حكم القتل على مريم يحيى إبراهيم بادعاء الردة، لرفضها العودة عن اعتناق المسيحية، مما أثار صدمة الكثير من أصدقائي وأقاربي من السودانيين.

يأتي ذلك، في الوقت الذي يتم فيه رفض ترخيص بناء كنائس جديدة بكيفية روتينية، ومنع المسيحيين من إحياء احتفالات رأس السنة الميلادية، كما أبلغنا ناشطو حقوق الإنسان بأن ما يناهز 200 أجنبي تم طردهم بتهمة التبشير.

ولقد قال لي زوج مريم إنها كانت مسيحية عندما التقاها وأنه لم يلتق بالمرة الرجال الذين يدعون أنها شقيقتهم المسلمة المفقودة والتي تحمل اسم أبرار.

أما والدها، الذي قالت مريم إنه لم تكن له أي علاقة في تنشئتها وتربيتها، فلم يتحدث لا في المحكمة ولا علنا. وتعتمد الحكومة السودانية على هذه القطع "المفقودة" في التخفيف من وطأة الغضب العارم داخليا وخارجيا.

ولكن ذلك لم يمنع الناس من أن يلحظوا أنّ المؤتمر الصحفي الذي عقده من يدعون أنهم أشقاء مريم، تم تنظيمه في قاعة حكومية وهذا في بلد يتم فيه إبلاغ الصحفيين بعدم تناول بعض المسائل وداخل تلك القاعة سمح لمن يدعي بأنه شقيقها الأكبر بأن يتحدث عن الموضوع بكل حرية ويصدر بيانا يقول فيه إنه يتعين على من يدعي أنها شقيقته أن تعود إلى الإسلام وإلا فإنه ينبغي قتلها "من أجل الإيمان."

وربما تم ذلك بسبب "الإجماع" أو التوافق الذي يتم اعتماده معيارا في التشريع الإسلامي، ليس موحدا عندما يتعلق الأمر بإقرار عقوبة القتل بسبب الردة، رغم أن دولا مثل المملكة العربية السعودية وباكستان لديهم هذه العقوبة في تشريعاتهم.

أو ربما لكونه، ورغم أنه في دولة وجدت طريقا للعيش والاستمرار مع فتح النار على المحتجين وتقليص الحريات والادعاءات بالفساد الحكومي وسوء التصرف المالي، وجميعها تحدث بشكل يومي، أن حكم قتل أم طفلين من أجل جريمة يرى الكثيرون أنها لم تحدث، سمح للكثيرين على الأقل بأن يستوعبوا، على الأقل، من لا نكون.

نشر
محتوى إعلاني